رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

حب المعرفة وصناعة المستقبل

 

قد يفاجأ العقل بالسر وراء أول أمر قرآنى نزل على النبى الكريم ( ) إذ يأمره بالقراءة لأجل التماس سًُبُل المعرفة فقال (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ)، فى إشارة واضحة إلى أهمية القراءة كأحد سبل المعرفة، وأهمية تحصيل المعارف والعلوم لأجل استقامة حياة الإنسان.

ثم يزيد القرآن الصورة وضوحاً فى قوله تعالى (الرَّحْمَنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ {2} خَلَقَ الْإِنسَانَ {3} عَلَّمَهُ الْبَيَانَ) فأكد على العلم أولاً، بأنه سبحانه علم القرآن، ثم زاد الصورة إشراقاً بتعليمه البيان للإنسان عبر اللغة والفهم والتفكير، وعبر آليات فلسفية تربط بين التفكير والتعبير.
ثم يحث القرآن على طلب العلوم والمعارف عبر بيان قدر العلم وأهله، ذاك القدر الذى لا يبلغه أحد بماله ولا بسلطته ولا بقوته، ليطالعنا القرآن باستفهامه (هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ) ثم قوله سبحانه (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ) ثم تدليله سبحانه على أن أكثر الناس خشية لله هم العلماء لأنهم أعلم الناس بالله فقال سبحانه (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء).
ويربط القرآن الكريم بين فلسفة المعرفة والفهم الصحيح لهذا الدين فى العديد من الآيات مثل قوله سبحانه (أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ) ثم يضرب لذك الأمثال فى مواطن متعددة مثل قوله تعالى (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا)، أى مثل الذين أعرضوا عن معرفة دينهم وفهمه كمثل الأنعام الذين هم أضل سبيلاً.
والقرآن ملىء بتلك الصور التى تحث على الثورة المعرفية والتماس أبواب العلم والمعرفة، والنبى الكريم ( ) يسير على خطى القرآن، فيطالعنا بقوله «اطلبوا العلم من المهد إلى اللحد»، ثم يبرهن على عظمة مكانة طالب العلم فيقول: «من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له طريقاً إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم حتى يرجع».
تلك هى نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية تسيران فى اتجاه واحد، اتجاه الحث على العلم والمعرفة لأجل استقبال الحياة الكريمة واستشراف سبل المستقبل.
ومما لا مما رآه فيه أن الثورة المعرفية هى التى صنعت ماضى الدول التى تقدمت، وهى التى ستصنع المستقبل لكل من يسعى نحو التقدم أو يلتمس طريقاً نحو العلى، فالطريق الأول، والسند الأول، والدافع الأول، لابد وأن يبدأ من العلم والمعرفة، إذ إن أى نهضة لن تقوم بغير الارتكاز عليهما، وبغير الاستناد إلى دعائمهما، ولكم فى التاريخ عبرة، اليابان التى كانت فى طى النسيان، ومساحتها ضئيلة إلى جوار مساحات دول أكثر فقراً وتخلفاً فى العالم الثالث، وعدد سكانها تجاوز المائة وسبعين مليون نسمة، ولا تملك أى موارد طبيعية فى أرضها، بل العكس هو الصحيح، إذ الطبيعة ساخطة عليها، فطالما أصابتها نوبات لا ترحم من الزلازل والبراكين، ورغم ذلك كله، رغم كثرة عدد السكان وسخط الطبيعة وجغرافية الأرض وقلة المساحة، فإنها استطاعت أن تصنع لنفسها مكانة بين الأقوياء، وأن تنهض نهضة لا يصدقها عقل يعلم المقدمات التى آلت عنها تلك النتائج، فقد صنعت نهضة بلا أدنى امكانية سوى الثروة البشرية، فأفلحت فى وقت قصير فى

صناعة العقول البشرية التى أبهرت العالم بصنع يديها وبعظمة ابتكاراتها، ذلك أنهم أخذوا بدروب المعرفة، والتمسوا سبل العلم، فغادروا القاع ووصلوا إلى القمة.
وما يقال عن اليابان يقال عن النمور الآسيوية، ويقال عن البرازيل التى كانت بالأمس القريب فى طى النسيان، ثم أصبحت عملاقة اقتصادياً فى زمن ليس بالبعيد، بل إن جزيرة ضئيلة المساحة لا يؤبه لها مثل تايوان، استطاعت أن تضع نفسها على طريق العملقة الاقتصادية عبر التماسها سبل المعرفة وأخذها بالحظ الوافر من العلم.
والعلم هو الذى سيحدد مصير المستقبل، وهو الذى سيرسم معالم القوة والسيطرة، فى نذر غيب هذا العالم، لأن القيادة فى المستقبل لن تكون للأكثر عدداً، وإنما ستكون للأقوى علمياً، وذلك لما يرتبط بالعلم والمعرفة من اقتصاد وصناعة وتجارة الدول، لأن العلم هو مفتاح التقدم فى كافة هذه القطاعات، فالواجب على الدول التى تريد صناعة المستقبل أن تلتمس دروب المعرفة عبر البحث العلمى والإنفاق عليه فهو الأكثر ربحاً والأعلى عائداً إذا ما أحسنا الفهم، لأن العلماء هم من سيصنعون الفارق فى غد ليس بالبعيد، أما سياسة الاقصاء للعلماء وتهجيرهم فى بعض دول العالم الثالث فهى سياسة ستضمن القوة والسيطرة للغرب المتعجرف، وستضمن استمرار تخلف المتخلفين وتأخر المتأخرين، لأن الله لا يحابى الجهل، ولا يرفع الجهلاء.
إن المستقبل كله بين يدى المعرفة والتماس دروبها المختلفة، فعلى شباب وطننا العربى التماس المعرفة بكل السبل، والسير نحو العلم بكل ما أوتوا من قوة، حتى تختلط المعارف بقلوبهم، وتمتزج بشغاف فؤادهم، فحب العلم والمعرفة يوصلان إلى قمة المجد العلمى، ذاك ما نحلُم به لأوطاننا، وما نسعى إليه فى مستقبل أيامنا، فهل يعى أبناؤنا ذاك المستقبل الذى ينتظرهم، وهل يدركون الغاية من هذا الوجود الذى بدأت أسمى رسالة فيه بالأمر بالقراءة؟ وهل يصنعون مستقبلاً يقوم على العلم ومكتسبات الحضارة العريقة، كلى أمل فى تحقيق ما تصبو إليه نفوسنا، وكلى يقين فى إحاطة شبابنا بالوسائل والغايات، وبذات اليقين وبنفس الأمل فسوف نبنى مستقبلاً تتحاكى الدنيا بأسرها به، ويسألونك متى هو قل عسى أن يكون قريباً.