رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

أخلاقيات العمل

تبدأ أى نهضة للأمة من العمل الجاد والمخلص لأبنائها، فحيث بدأ العمل حيث بدأ التقدم والرخاء، وحيث ولد الكسل واللامبالاة ولد التخلف عن ركب الحضارة.
والقرآن الكريم يُجلى لنا تلك القاعدة بوضوح فى مواقف عدة، فهو يحثنا على العمل بقوله (وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ) فى إشارة بليغة إلى أهمية

وقيمة العمل فى حياة الشعوب، ثم يضرب لنا المثل فى آيات أُخر بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام، حيث كانوا يعملون فى المهن المختلفة، من هؤلاء داود الذى كان يعمل حداداً، والقرآن يخاطبه (أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا) ثم يذكر القرآن أن الله هو الذى علمه تلك المهنة فقال سبحانه (وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ لِتُحْصِنَكُم مِّن بَأْسِكُمْ) ثم ذكر الأمر القرآنى لنوح عليه السلام إذ قال له (وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلاَ تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ {37} وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ) فى دلالة بليغة أهمية العمل فى أى صناعة، وفى أى تجارة، وفى أى ميدان، لأن حياة الأمم ومستقبلها متوقف على مدى ما يتقنه أبناؤها من عمل.
وتمضى السيرة على نفس خطى القرآن، فيحث النبى ( ) صحابته الكرام على العمل عبر أحاديث عدة، فقد ذهب إليه رجل جلد يسأله حاجته، فأعطاه النبى ( ) حبلاً وقدوماً وقال له اذهب واحتطب ثم ائتنى غداً، وذهب الرجل ليحتطب، أى ليجمع الحطب ويبيعه، ثم أتى النبى الكريم ( ) ومعه المال، فقال له ( ) «لأن تعمل وتأكل من عمل يدك خير لك من مسألة الناس» ثم قال ( ) «خيركم من أكل من عمل يده، وإن نبى الله داود كان يأكل من عمل يده».
وكان النبى الكريم ( ) يقسم العمل بين أصحابه، ثم يختار هو أشق عمل، وفى الرواية الشهيرة أنه قسَّم العمل ثم قال «وأنا علىّ جمع الحطب»..
وكم فى التاريخ من عبر لمن يعتبر، حيث دويلات صغيرة أصبحت عملاقة بفضل العمل، وبفضل الإنتاج، وأصبحنا نقرأ اليوم عن دول عندها فائض ميزانية لا تدرى أين تنفقه، لأنها أخذت بأسباب التقدم، وعملت بجد واجتهاد، وأخلص أبناؤها فى العمل، فوضعت نفسها فى مقدمة الصفوف، واكتسبت لذاتها ريادة انتزعتها بفضل توجه أبنائها نحو ميادين العمل.
ونحن اليوم فى مرحلة إعادة البناء فى مصر الحبيبة، فى مسيس الحاجة إلى العمل، العمل بإخلاص، بجد واجتهاد، لأجل صنع مستقبل أفضل، ولأجل غد مشرق ينعم به أبناؤنا، لكننا فى أمس الحاجة أيضاً إلى إعادة النظر فى بعض القيم والأخلاقيات التى غابت شمس ثقافتها عن بلدان وطننا العربى بصفة عامة، ومصر بصفة خاصة، من تلك الأخلاقيات مثلاً احترام أى عمل مهما ضئلت قيمته وعدم احتقار أصحابه، بمعنى آخر، التواضع وعدم ازدراء أصحاب المهن الخدمية الذين لا يقوم المجتمع بدونهم مثل عمال النظافة والصرف الصحى والحذاءين وغيرهم من أصحاب المهن الشريفة الذين يقدمون خدمات جليلة ونافعة للمجتمع، ثم يفاجئون رغم ما يقدمونه من تضحيات، بسخرية الناس منهم، والنبى الكريم ( ) يرسى تلك القاعدة الأخلاقية بالتواضع الجم فى عمله، فتروى لنا أم المؤمنين عائشة (رضى الله عنها) جزءاً من سيرته العملية فتقول: «كان رسول الله ( ) يحلب شاته ويخسف

نعله ويُرقع ثوبه «فهو ( ) لم يكن يتكبر على عمل، ولم يكن يحتقر أى عمل، بل إنه مدح أصحاب تلك الأعمال، ففى الصحيحين أن رجلاً لم يُمد يده للسلام على النبى ( )، وقال له «خفت أن أوذيك يا رسول الله» من شدة خشونة يده، فأمسك النبى ( ) بيده وقبَّلها وقال «هذه يُد يحبها الله ورسوله».
أيضاً نفتقد إلى قيمة اتقان العمل، مع أن النبى ( ) يؤكد عليها بقوله «إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه»، ولكن الفلسفة السائدة عندنا، أن كل الأمور مقبولة، وأن الجميع سيتساوى فى النهاية، ولعل سبب تلك النظرة غياب الوازع الدينى، وغياب النظم الإدارية الشفافة التى تعطى لكل ذى حق حقه، وكل ذى قدر قدره.
وكذا نفتقد إلى قيمة الأمانة فى العمل، بحيث يؤدى كل صاحب عمل عمله وهو راسخ الاعتقاد بأن الله يراه، فعليه مراقبة الله، فلا يضيع الوقت أثناء العمل، ولا يقدم مصلحته الشخصية على مصلحة العمل، ولا يستهين بما فى يديه من عمل خاصة إذا كان العمل مرتبطاً بالخدمات الجماهيرية، فهو أولى بتلك الصفات، وأولى بالتواضع وخفض الجناح للعامة والسعى فى قضاء حوائجهم لا تعطيلها وتمييعها، ثم تأتى العقبة الكؤود فى أمانة العمل، فى إغلاق الباب تماماً أمام المحسوبيات والرشاوى، فكلاهما ملعونان، وكلاهما يؤخران المجتمع ولا يسديان له أدنى معروف، فالمحسوبية تصنع الغُصة فى حلوق الآخرين والغضب فى نفوسهم، والرشوة تُضيع الحقوق الآدمية وأولاها حق المساواة فى الحقوق والواجبات، أضف إلى ذلك لعنة النبى الكريم ( ) للمرتشى والراشى والرائش الذى يسعى بينهما، فتلك القيم هى من موجبات الإسلام، ومن موجبات الإنسانية، فإذا ما توافرت لدينا لساهمنا فى حل معظم مشكلات مجتمعاتنا الشرقية بجدية، ولخرجنا من خندق التأخر والتخلف، حتى لا نصبح لقمة سائغة فى أفواه ضارية لا ترحم.
فهل نعى تلك القيم وأهميتها وضرورة التخلق بأخلاق العمل واحترام القيم المنظمة له حتى نتدارك مستقبلنا ونصنع حاضرنا وننتفع بماضينا، لعل الله أن يلهمنا حب العمل، وحب أخلاق العمل حتى ترتقى أمتنا ونصنع نهضتها، وكان ربك قديراً.