رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

الأسرة الإلكترونية.. والمحروقات العضوية!

 

أمس انقطعت الكهرباء 3 ساعات فجلست مع أسرتي واكتشفت أنهم ناس طيبون.. هذه النكتة التي ضحك عليها كثيراً، راودته وهو عائد من رحلة عمل غيبته عن البيت أسبوعاً، فأدمعت عيناه ليس ضحكاً على النكتة، وإنما حسرة على معان عديدة تاهت في عصر الفضاء الإلكتروني!

فقد داهمته ذكريات الطفولة، خاصة عودة والده من السفر وكيف كان الشوق يقفز من عيونه هو وأخوته ووالدته فضلاً عن طقوس ترقب الوصول.. شريط الذكريات أنساب في ذهنه لدى عودته بارداً كشتاء هذا العام، فعندما دخل البيت لم يشعر به أحد، فكل واحد من أفراد الأسرة مشغول بهاتفه أو حاسبه المحمول.. وبعد فترة رفع أحدهم رأسه ليقول للأب: «هو حضرتك وصلت أمتى؟».
الحادثة مزقته ولكنها نبهته إلى ضرورة متابعة تداعيات الأجهزة الذكية على أعضاء أسرته، إذ لاحظ تراجع مساحة الحوار بين الأبناء، بعد أن حل التواصل الإلكتروني مع الغرباء، محل الوصال الأسري بين الأشقاء.
تبين أيضاً أن الأبناء يواجهون صعوبة في استحضار الكلمات بعدما اعتادوا الصمت أمام الشاشات، مما أثمر فقراً في الكلام، وشحا في الصبر فأصبحوا يتشاجرون عند أتفه الأسباب.
لفترات طويلة كانت الزوجة تشاركه الخوف على صحة الأولاد من الجلوس كثيراً أمام هذه الشاشات الصماء، وكان صوتها يجلجل بالتهديد والوعيد لهم بالحرمان من الهاتف أو الكمبيوتر، ولكن رويداً رويداً بدأ هذا الصوت يخفت، ثم اختفي بعد أن انكفأت هي أيضاً على هتافها الذكي، وبدأت تدخل في مفرداتها اليومية كلمات أجنبية مثل: «لايك وشير وشات»!
وأصبحت الصيحات تخرج في اتجاه معاكس، من الأبناء مناشدين أمهم أن تقتطع جزءاً من وقت «الفيس بوك» لإعداد الطعام الذي بدأ يأتي متأخراً عن موعده المعتاد، ولاحقاً باتوا يحذرون الأم من خطورة قضاء أوقات طويلة أمام الشاشات الصماء على نظرها!
ثم توالى ظهور تداعيات هذا الانشغال الإلكتروني، فبدأت تنتشر في البيت رائحة الطعام المحروق أثناء متابعتها لشبكات التواصل الاجتماعي، ورويداً أصبحت هذه الرائحة الخانقة جزءاً من الطقس اليومي بعد أن فشل شفاط المطبخ في السيطرة عليها، وصارت رائحة المحروقات العضوية كالأرز واللحمة والخضراوات تحل محل البخور الذي كانت تطلقه والدته.
وهكذا أصبح الجميع أعضاء في أسرة إلكترونية انقطع فيما بينهم حبل التواصل ورحم الوصال، وأضحى لكل واحد منها عالمه وأصدقاؤه على الشاشة، بعضهم معلوم وزميل دراسة وبعضهم الآخر تعرفه بالفراسة، وأصبح حضور الأبناء في البيت بالجسد فقط، أما عقولهم فقد تم «تشييرها» داخل

الفضاء الإلكتروني!
وتوقف لقاء الأسرة المسائي على الطعام وحتى المسلسلات التليفزيونية لم تعد تجمعهم، إذ بات بإمكانهم مشاهدتها على اليوتيوب، بل إنهم لا يتناولون الطعام في وقت واحد وإذا حدث فلا يجلسون على مائدة واحدة وإذا جلسوا فبصحبة الأجهزة الذكية التي حولتهم إلى كائنات غبية، فإذا نادى الأب على ابنه فلا يرد، بعد أن سد أذنيه بسماعات قوية، وإذا سمع فإنه يعاود الاستفسار مرة أخرى عما طلب، وبعد أن يكرر الأب أو الأم طلبه على مسامعه (الخالية من سماعات هذه المرة)، يفاجأ بأن الابن يلبي طلباً آخر!
وبعد أن فشلت كل المحاولات لجمعهم في مكان واحد وعملاً بوصية التفكير خارج الصندوق، اهتدى الأب إلى طريقة مبدعة لجمع الأولاد بأقصى سرعة وهي فصل «روتر» الإنترنت، فعندها يأتون من كل فج عميق وكأنه حدث زلزال!.. ولكن سرعان ما اكتشفوا اللعبة وصاروا يحضرون لإعادة الروتر ثم يعودون إلى شاشاتهم سالمين!
وبعد أن وجد الأب نفسه وحيداً داخل البيت لم يكن أمامه إلا اللجوء إلى شبكات التواصل الاجتماعي، فأصبح يخاطب أولاده عبر رسائل على الفيس بوك، أما زوجته فكانت أول من استجاب إلى نداء أنصار حماية البيئة ودعوتهم إلى «العمل بلا أوراق» فتوقفت عن تقديم ورقة طلبات البيت التي كانت تكتبها أسبوعياً وأصبحت ترسلها إلكترونياً يومياً كـ «مسجات» على حساب الزوج بالفيس بوك.
هذا السنة الحميدة اتبعها الأولاد أيضاً، أما الزوج فبعد أن زكمته رائحة المحروقات العضوية التي تنبعث من المطبخ، وضاق صدره بسيل طلبات الأسرة الإلكترونية، قام بإلغاء حسابه على الفيس بوك وبدأ يبحث عن أصدقاء حقيقيين على المقهي!


[email protected]