رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

المحاكمة الزاهرة فى تاريخ مصر والقاهرة

لو اجتمع ابن إياس والشهرستانى مع القرطبى والمقريزى والجبرتى لوضع تصور وتحليل تاريخى للحدث الذى جرى منذ عدة أيام على أرض المحروسة بمحاكمة أحد وربما آخر سلالة فرعونية من الحكام الطغاة لما وصل بهم خيالهم الأدبى وإدراكهم لحركة التاريخ لوضع هذا التصور بالشكل الذى شاهدناه ويقيناً أن السبب

فى عدم إدراكهم لذلك الحدث التاريخى أنهم ربما لم يرصدوا على طول ومدى ما رصدوا وأرخوا لأحداث جسيمة وفارقة فى التاريخ الإنسانى خاصة فيما يتعلق بالحكام والولاة والسلاطين فلم تسجل كتبهم أن شعباً قد ثار على حاكمه الطاغية لكنه لم يقتله فى مكيدة أو يغتاله فى مؤامرة أو ينقض عليه ولده ليرث الحكم عنوة بل قدمه ليد العدالة والقانون والتاريخ.

وهكذا أطل علينا المشهد الدرامى وكأنه قد خرج لتوه من أضابير كتب المؤرخين وهم يسجلون لنا أحداث التاريخ البشرى فى باب الحكام الطغاة والبغاة فصل الثورات الكبرى.. وباعتبار أن مصر هى أطول دول العالم حضوراً فى التاريخ الإنسانى وأنها أول حضارة أخرجت للناس عرفت النظم السياسية فقد منيت أيضاً بتاريخ طويل من الحكم الفرعونى المتدثر بالحكم الإلهى والأبوى فكان سجلها حافلاً بالحاكم الفرعونى أو ظل الإله على الأرض.. مانح الماء والأرض والحياة مروراً بالملك والسلطان والباب العالى وأفندينا انتهاء بالفرعون الرئيسى والفرعون الابن.. كل هؤلاء سمعت صوتهم المنكسر المتهدج وشاهدت صورهم المتعجرفة وشعرت بعزتهم المنهزمة وهم بلا حول ولا قوة.. لا صوت ولا سوط.. لا صولجان ولا هيلمان.. لا مسرور ولا هامان.

كل هذا تجلت صورته أمامي حين نادى قاضى العدل والتاريخ «المتهم محمد حسنى السيد مبارك» فيأتيه الجواب بصوت تتردد مع صداه أصوات كل من بغى وتجبر وأساء لهذا الوطن «أفندم.. أنا موجود» كان المشهد الدراماتيكى حمال أوجه كل خطايا و جرائم كل من حكم مصر فبغى واستكبر وصار من الأعلين.. إن ذلك الذى يقول الآن من محبسه «أفندم .. أنا موجود» ظل مع أسلافه وأمثاله على مدى الآف السنين هو أفندينا ويرى في نفسه الوجود ذاته ونحن إما عبيد ألوهيتهم (أنا ربكم الأعلى) وإما عبيد إحساناتهم وميراث عائلاتهم النبيلة الذي ورثوه عقاراً واقطاعيات وأبعاديات.. إذن فلندعو كل مؤرخ ووطنى معاصراً راصداً لأحداث التاريخ الحديث أن يسجل للمصريين صفحة جديدة تخصهم فى كتب التاريخ المهمة إنهم من بين العرب والمسلمين على مدى تاريخهم الطويل أول من ثار على حاكمه فحاكمه وأسلمه ليد القانون ومحكمة التاريخ وليس إلى المقصلة أو المحرقة أو حتى المحاكم الاستثنائية أو العسكرية وقد أثارت تلك المحاكمة عدة أسئلة من بينها مدى ما يمكن أن تخلقه من مشاعر الندم أو عذاب الضمير أو تحمله من دروس وعبرات سواء للمتهم نفسه أو لمن سيأتى بعده من حكام.

والحقيقة أن ما يهمنى أكثر هو الدرس والعظة التى يجب أن يتعلمها الشعب المصرى نفسه الذى من المؤكد

أنه أسقط فرعون الأخير لكنه آتراه أسقط الفرعونية نفسها.. وهل مبارك هو آخر الفراعنة الطغاة بالفعل.. إن ملاك هذا الأمر بيد الشعب الذى ثار وانتفض وعليه أن يتمسك بما حققه من إنجاز وألا ينسى أبداً كل عهود الظلم والقهر والاستبداد التى عاشها وعانى منها أجداده.

عليه أن يعرف أن الحرية والعزة والكرامة والديمقراطية هى حق إلهى واستحقاق إنسانى معلق فى رقبة من يناضل من أجله ويضحى فى سبيله.

على الوعى الجمعي للمصريين أن يتخلص من ثنائية العبودية والتأليه وثلاثية الحاكم بأمر القهر والسيف والمحكوم الراضخ لأمر الحاكم والقهر والسيف والوطن الذى تنهار أركانه تحت وطأة الظلم والقهر والسيف.

على الشعب أن يدرك أن الحرية تأتى قبل الخبز دائماً وأن العزة و الكرامة أهم من المسكن والمأكل وأن العدالة هى أساس الملك وأن المساواة هى ميزان العدل.. أما الكادر والزواج والشقة والتثبيت فكلها أمور لن تتحقق إلا بتطبيق تلك القيم النبيلة أولاً وهى التى ستلبى تلك الاحتياجات وتصون تلك الحقوق، فالشعب الحر الذى يملك حق التغيير والثورة وإبعاد حاكمه الظالم لا يمكن أن يكون فقيراً أو جاهلاً أو عاطلاً أو مشرداً، لذلك فعلينا أن نضع من القواعد والقوانين الدستورية ما يرسى بنيان الدولة على أسس قوية من النهج الديمقراطى الأصيل لا المجتزئ أو المبتسر نريد دستورا وتشريعا يكون هو الحاكم الحقيقي الذي يوجه الحاكم الإنسان ويحكمه فلا تخضع الأمة لهوى الأفراد او مزاج أصحاب المصالح او تقع في يد عصابة من معدومي الضمير الذين باعوا الوطن بأرضه وسمائه وبشره بأبخس الأثمان.

نريد حكم الشعب بكل طوائفه وإشكاله المدنية والمجتمعية من مؤسسات ونقابات ومجالس قانونية وتشريعية ورقابية تكون هي يدنا التي نبطش بها وأعيننا التي نراقب بها وضمائرنا التي نحكم بها.

نريد إسقاط الفرعونية من داخل كل فرد فينا حتى لا نرضى بفرعون جديد يكون وبالاً جديداً على مستقبل هذا الوطن.

[email protected]