عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

دموع الكــلام

قال لها أهلها إنها جميلة. نظرت إلى المرآة وكانت صبية تفتح عينيها على الحياة. فوجدت نفسها جميلة. بيضاء طويلة ممشوقة القوام. ذات عينين آسرتين.
وعرفت مبكراً أن جمالها هو سلاحها الأول وربما الوحيد. فى هذه الدنيا الغابة. التى لا محل لأخلاق الإنسان فيها. دنيا المظاهر التى تقدس الشكل المزيف. وتنكر المضمون الصادق.

وكانت وهى لم تزل تلميذة فى المدرسة يسعدها أكثر أنها تفوق زميلاتها فى الجمال. أكثر مما يفرحها أنها تفوقت فى مادة دراسية. وعرفت كيف أن العيون تحيط بها وتترصدها عن قرب أو بعد. وأينما كانت. لا لشىء إلا لأنها جميلة!
ومبكراً أيضاً عرفت للجمال ثمناً. أو هكذا آمنت. بأن على الآخرين أن يدفعوا لها ثمن النظر إليها أو التحدث معها. أو الاقتراب منها. فتعلمت كيف تبرز مفاتنها ومواطن الحسن. وزادت على ذلك بأن تدربت على وسائل أخرى فعالة.
وإلى جوار جمال منظرها حفظت عن ظهر قلب. كيف تجيد استخدام نبرات صوتها وهى تتحدث خاصة إلى الرجال. متى يكون صوتها خفيضاً فى حياء. ومتى يكون ضعيفاً فى إغراء. ومتى يرحب صوتها ومتى يصد!
وألقى بها هذا الجمال وهذا التفكير إلى عالم آخر لا علاقة له بالبراءة. عاشت دنيا الألوان والمظاهر والنفاق. وبهرتها فكرة الحصول على المطامح والأهداف. دون بذل مجهود أو تضحية. وأدمنت فكرة أن يكون الناس من وجهة نظرها. مجرد وسيلة تصل بها إلى أهدافها!
وراحت بها الدنيا وجاءت. عرفت كل شىء وجربت كل شىء. واكتشفت أن الدنيا فيها من هن أكثر جمالاً منها. وأكثر شطارة. وأكثر حرفة. فأصابها الاكتئاب والإحباط وتولاها اليأس والجزع.
ولم تنم الليل من أحاسيس الفشل والهزيمة وعندما ولد الصباح قفزت من فراشها وقد وجدت الحل. إنها سوف تهجر تماماً عالم الزيف والخداع. وسوف تضع

قدميها على أول الطريق إلى الهداية والنور.
قالت لنفسها إن كل حياتها كذب فى كذب. وأنه لا سبيل لها سوى العودة إلى الله. وترك أحلامها القديمة. وأسرعت ترتدى «الحجاب» لأول مرة فى حياتها. وأصبحت تؤدى الصلوات فى أوقاتها وازدحمت مكتبتها بكتب الفقه والتفسير والسيرة والحديث. وتعودت على أن تزور أضرحة أولياء الله. تصلى وتقرأ الفاتحة وهى تمسح على ضريح الولى!
وذات يوم عادت إلى أصحابها القدامى. فرحبوا بها وتندروا على حالة « الدروشة» التى انتقلت إليها فجأة. ووضعوا الأسى فى عيونهم الكاذبة وهم يسألونها على أصحابها وجعلها تبدو أكبر سناً وهى لم تزل فى ريعان الشباب. سألوها عن وجهها الذى مثل القمر وشعرها الطويل الحرير الأسود كالليل.
وأيضاً لم تنم الليل. ظلت ساهرة تفكر فيما قالوه لها. ويتردد فى أذنيها وذهنها. وقالت لنفسها إن عندهم الحق. وإنها بالفعل تنازلت عن جمالها القديم. وجعلها التزامها مثل عجوز مريضة سجينة.
وطلع الصباح الأسود. وهذه المرة قفزت من فراشها وهى عاقدة العزم. وارتدت ملابسها القديمة. وغادرت البيت. لكن بلا حجاب!
ذهبت لتصبغ شعرها باللون الأصفر. وتقصه قصة «آلا جرسون» الفرنسية. حتى تبدو أكثر جمالاً. وأكثر شباباً. وأكثر حياة!