رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

الهيئة العليا للرقابة والمساءلة

عود علي بدء، فلقد سبق تناول عدد من الموضوعات المتخصصة والمرتبطة، نشرت علي صفحات هذه الجريدة الموقرةٌ تحت العناوين التالية:
• الدور المنتظر من برلمان الثورة في المرحلة القادمة.
• الدور المنتظر من أجهزة الرقابة في المرحلة القادمة.

وتلخص هذا الدور في المقال الأول، في الرقابة أولاً، ثم التشريع، بمعني أن وظيفة البرلمان الأولي يجب أن تكون الرقابة، ثم تأتي الوظيفة الثانية من ثنايا الرقابة، وهي التشريع، أما الدور المنتظر من أجهزة الرقابة في المرحلة القادمة، لمعالجة الفساد المتفشي في النظام المؤسسي المصري، فهو توحيد هذه الأجهزة في هيئة عليا للرقابة والمساءلة، مع سرعة الإنجاز للمزيد من الردع والزجر، لمن تسول له نفسه العبث بالمال العام، إذ يؤدي كثرة هذه الأجهزة، وتداخل إختصاصاتها، مع غياب التنسيق فيما بينها، إلي إهدار نتائج الرقابة، هذا من ناحية
ومن ناحية أخري، فإن فكرة العدالة الناجزة تقتضي منا الأخذ بنظام المحاكم المتخصصة، والمثال العملي لذلك هو قضاء مجلس الدولة، فهو نوع من التخصص أُخذ من النظام القضائي الفرنسي، وأخذت به مصر منذ عام 1946، وأثبت جدارة لا تنكر.
ورؤيتنا حول توحيد أجهزة الرقابة وإنشاء المحاكم المتخصصة لمواجهة الفساد المستشري في مصر تتلخص في الآتي :  [ لمزيد من التفصيل حول هذا المقترح، راجع ملحق رقم 1 برسالتنا للدكتوراه في موضوع الرقابة المالية علي الأموال العامة في مواجهة الأنشطة غير المشروعة، كلية الحقوق، جامعة المنوفية، 2006].
أنه فى ظل النظام القضائى المزدوج المطبق فى مصر يجب أن يستقل القضاء الإداري بكل ما يتصل بالمال العام ( أشخاص عامة وأموال عامة ) ، ويختص القضاء العادى بكل ما يتصل بالمال الخاص ( أشخاص خاصة وأموال خاصة ) ، فليس هناك من داع لتحقيق المخالفات المالية فى النيابة الإدارية ، وإحالة الجريمة الجنائية التى تتصل بالمال العام إلى النيابة العامة والقضاء العادى ، فكلهم رجال وعلى نفس القدر من العلم والثقافة القانونية ، ويتمتعون بثقة الدولة شأنهم شأن بعض ، بل ربما يكون عمل أعضاء النيابة الإدارية والقضاء الإداري فى الحقل الإداري، قد أكسبهم خبرة ودراية لا تتوافر لدى أعضاء النيابة العامة والقضاء العادى ، الذين اكتسبوا خبرة ودراية هم الآخرون فى مجال العمل المدنى والجنائى، لا تتوافر لأقرانهم من القضاء الإداري .
لذا نري أن منطق العدالة الناجزة يقتضى الأخذ بنظام التخصص القضائى، لا سيما وأن السياسة الإقتصادية، الحالية والنظام الاقتصادى، يقتضيان إنشاء محاكم اقتصادية متخصصة فى شئون المال والإقتصاد، وأن يتبع هذا الفرع من التخصص مجلس الدولة .
ومن ثم فإن طموح  الباحث يتلخص فى توحيد أجهزة الرقابة فى مواجهة الأنشطة غير المشروعة ، وإنشاء المحاكم المتخصصة فى شئون المال والإقتصاد، ولسرعة الفصل فى قضايا الأموال العامة ، وحماية نزاهة الوظيفة العامة ، يضع الباحث المؤشرات التالية أمام المسئولين للإسترشاد بها حالة قبول الإقتراح والرغبة فى تنفيذه :  
أولا : توحيد أجهزة الرقابة :
يتطلب منطق العصر الحالى والإتجاه الذى تسير فيه الدولة نحو التحرر الإقتصادى ، فضلا عن تفشى ظاهرة الفساد وانتشار الأنشطة غير المشروعة فى معظم القطاعات بالدولة إنشاء هيئة عليا للرقابة والمساءلة، تضطلع بمهمة الرقابة الشاملة والمساءلة ، وتجمع بين جنباتها أهم وأخطر أجهزة الرقابة القائمــة ( الجهاز المركزى للمحاسبات وهيئة الرقابة الإدارية ومباحث الأموال العامة ) للقضاء على عملية ازدواج العمل الرقابى، وتوفير الوقت والجهد والنفقات ، وذلك للعمل بروح الفريق الواحد، بداية من كشف المخالفة أو الجريمة المالية أو الإقتصادية، وحتى تنفيذ الحكم الصادر بشأنها من المحكمة الإقتصادية المختصة على النحو التالى :
(1)- دمج الأجهزة الرقابية المشار إليها فى هيئة عليا للرقابة والمساءلة، تتكون من ثلاثة أقسام أو أجهزة هى :
( أ )    جهاز المعلومات والضبط .
(ب)    جهاز التفتيش والمحاسبة .
(ج)     جهاز البحث والتنفيذ .
ويلاحظ فى هذا الصدد أن الباحث يقترح دمج أجهزة الرقابة المشار إليها وليس إلغاؤها، وذلك للحفاظ على الرصيد المتراكم من الخبرات المكتسبة لهذه المؤسسات ولأعضائها الأجلاء فى هذا المجال ،وهذا الدمج من شأنه أن يجمع شتات الأفكار والمجهودات المبذولة تحت رئاسة واحدة، للعمل بروح الفريق الواحد، من أجل توفير الوقت، والجهد، والنفقات، وإستغلال حصاد الخبرات المتوافرة، فى الحفاظ على المال العام، وحماية نزاهة الوظيفة العامة .
هذا ويكون تعاون الأقسام السابقة والتنسيق بين أعمالها على الوجه التالى :
( أ)  يتولى جهاز المعلومات والضبط بالهيئة المشار إليها، القيام بجمع المعلومات من مصادره المختلفة، فيما يتصل بالاعتداء على المال العام، أو استغلال السلطة، أو النفوذ، أو الرشوة، أو التربح من المال العام ... إلخ، والعمل على تحليل هذه المعلومات، واتخاذ ما يلزم، إما لضبط الواقعة فى حالة التلبس، أو زيادة توثيقها من خلال التعاون مع قسم التفتيش والمحاسبة، وقسم البحث .
( ب)  يتولى جهاز التفتيش والمحاسبة إجراء الفحص والتفتيش اللازم على الأعمال المالية والمخزنية، ومراجعة مستندات الصرف، بكافة قطاعات الدولة وفحص المناقصات والمزايدات وقسائم التحصيل، وممارسة كافة أوجه الرقابة الأخرى، بما يحقق الرقابة الشاملة على أوجه النفقات والموارد العامة للدولة، وذلك بالتنسيق فيما بين الأقسام المختلفة للهيئة من خلال تبادل المعلومات، والمستندات الثبوتية، والمأموريات المشتركة، والعمل بروح الفريق الواحد، فى مواجهة الفساد المستشرى بقطاعات الدولة المختلفة .
(جـ)  يتولى جهاز البحث والتنفيذ، إجراء التحريات والبحث اللازمين، فيما يطلب منه، أو يكلف به، من الأقسام الأخرى، مع القيام بمتابعة تنفيذ الأحكام الصادرة عن الدوائر المختلفة للمحكمة الإقصادية، فيما يتصل بالمال العام .
(2)  أن يتم منح هذه الهيئة الصلاحيات اللازمة لضبط المخالفات والجرائم المالية، ومساءلة مرتكبيها، وتقديمهم للعدالة المتمثلة فى المحاكم الإقتصادية المتخصصة فى الشئون المالية والإقتصادية .
(3)  أن تكون تبعية هذه الهيئة إلى مجلس الشعب، باعتباره ممثلا للشعب فى الرقابة على أموال وممتلكات الشعب .
(4)  يتحقق من وراء هذا النظام المزايا التالية :
( أ ) القضاء على الإزدواج الرقابى وما يترتب عليه من تضارب فى النتائج تؤدى إلى إهدار عمل أجهزة الرقابة لبعضها البعض .
( ب)  توفير الوقت والجهد والنفقات، من حيث تلاشى تكرار الرقابة على العمل الواحد من أكثر من جهة رقابية، فضلا عن وقع الرقابة وتكلفتها بالنسبة للجهات التنفيذية.
( جـ) تولى الهيئة العليا للرقابة أمر المخالفة أو الجريمة المالية الواحدة منذ اكتشافها، وحتى تنفيذ الحكم الصادر بشأنها ، دون ترك الأمر للجهة التنفيذية للتلاعب، أو الإهمال فى تنفيذ الأحكام القضائية بالعدوان على المال العام .
( د ) سرعة الفصل فى قضايا العدوان على المال العام عند تقديم الأدلة الثبوتية من أجهزة متخصصة، اجتمعت فى هيئة واحدة لتقديم أدلة متساندة، بعد قيامها بالفحص والتفتيش والمساءلة، مع إلغاء الحواجز والمعوقات التى تحول بين أجهزة التحقيق والمحاكم، والإستعانة بأعضاء الأجهزة الرقابية .
ثانيا : إنشاء المحاكم الإقتصادية المتخصصة :
فى ضوء ما أسفرت عنه دراستنا المتخصصة لهذا الموضوع، وما رأيناه من أمثلة واقعية، بان منها أن تباطؤ إجراءات التحقيق والمحاكمة، كانت أحد العوامل الهامة التى تقف حائلا دون تفعيل نتائج الرقابة .
يقترح الباحث إنشاء محاكم ذات اختصاص محدد، تضطلع بالفصل فى المخالفات والجرائم الإقتصادية، التى تمس الأموال العامة ، وتقدح فى نزاهة الوظيفة العامة ، وذلك لعودة القدسية والإحترام الكاملين للمال العام والموظف العام، على السواء ، وفيما يلى تصور الباحث لهيكل هذه المحكمة وتشكيلها :
( 1) النيابة الإدارية :
يرى الباحث أن تضطلع النيابة الإدارية بالدور الكامل فى تحقيق المخالفات والجرائم المالية والإقتصادية، فتباشر كل ما يتصل بالمال العام من الأشخاص العامة والأموال العامة ، مع توفير الصلاحيات اللازمة التى تمكنها من أداء هذه الرسالة على خير وجه ، لكى تمثل المجتمع الإداري وتنوب عنه فى حفظ وصيانة الأموال والممتلكات العامة .
( 2) المحكمة الإقتصادية :
- تتألف هذه المحكمة من عدد من الدوائر يكفل شمول جميع التخصصات الإدارية والمالية والإقتصادية بالدولة، وبما يسمح بسرعة إنجاز القضايا المعروضة فى الوقت المناسب .
- يتم مباشرة الإدعاء أمام هذه المحكمة بواسطة أعضاء النيابة الإدارية .
- تتشكل كل دائرة بهذه المحكمة من ثلاثة أعضاء على النحو التالى :
     (الأول) عضو من مجلس الدولة .                          رئيسا .
     (الثانى) عضو من الهيئة العليا للرقابة والمساءلة            عضوا .
     (الثالث) عضو فنى من الجهة التنفيذية .            عضوا (من المشهود لهم بالخبرة والنزاهة) .
- أن تتبع هذه المحكمة مجلس الدولة ، وأن يطعن على أحكامها أمام المحكمة الإدارية العليا (التى تتضمن تشكيلا فنيا من بين أعضائها ).
- أن ترسل الأحكام الصادرة من هذه المحكمة للهيئة العليا للرقابة والمساءلة لمتابعة التنفيذ، من خلال جهاز البحث والتنفيذ بها ، ولا يكون هناك ثمة وجه للطعن على أحكام هذه المحاكم من جهات الرقابة، حيث تم تمثيلها ضمن تشكيل هذه المحكمة ( كما هو الحاصل اليوم لدى طعن الجهاز المركزى للمحاسبات على أحكام المحاكم التأديبية ).
  والجدير بالذكر أن الباحث لا يأتى بدعا من القول، أو يدعى سبقا فى مجال تشكيل بعض محاكم مجلس الدولة فى هذا الصدد ، بل يحاول فقط تفعيل نصوصا قائمة وموجودة ولكنها مهملة ، وهى نصوص المواد 18 ، 19 من القانون رقم 117 لسنة 1958بإعادة تنظيم النيابة الإدارية والمحاكمات التأديبية وتعديلاته بالقانون 47 لسنة 1972 بشأن مجلس الدولة ، واللتان تقضيان بإنطواء تشكيل المحكمة التأديبية على عضوية أحد موظفى ديوان المحاسبة، أو ديوان الموظفين ضمن تشكيل هيئة المحكمة .
تلك رؤيتنا للدور المنتظر لأجهزة الرقابة في المرحلة القادمة، إذا أردنا بحق مكافحة الفساد المستشري في التنظيم المؤسسي المصري، أما دعاوي إنشاء هيئات تنسيقية، أو إستراتيجيات وطنية، أو تغليظ العقوبات الجنائية، فهي دوران في حلقة مفرغة، لا طائل من ورائها، سوي المزيد من التكاليف، والمزيد من الفساد، مع تضخم في حجم أجهزة الرقابة، وترهل في الجهاز الإداري للدولة، بينما الحل يكمن في كلمتين "التفعيل والردع" أي تفعيل أجهزة الرقابة، وسرعة العقاب، من خلال العدالة الناجزة،وما أريد إلا الإصلاح مااستطعت، وماتوفيقى إلا بالله،عليه توكلت،وإليه أنيب.

--
وكيل وزارة بالجهاز المركزي للمحاسبات 

المحاضر بالجامعات المصرية