رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

دروس من الانتخابات البرلمانية

كنت متابعاً جيداً للانتخابات البرلمانية قبل ثورة يوليو 1952 وبعدها.. وكثيراً ما كنت أصر علي تطبيق القانون أمام البوليس أو رئيس اللجنة الفرعية أو المستشار رئيس اللجنة العامة إذا ما قام أمامي دليل علي تزوير الانتخابات.. وكان الأمر يصل أحياناً إلي محكمة النقض التي قضت فعلاً بمسئولية المستشار رئيس اللجنة العامة عن تزوير الانتخابات.

ولم أكن أقبل بأن أبيت ليلتي مظلوماً أو مكسوراً من الغيظ بسبب تكرر التزوير في الانتخابات فأنهض فوراً من الفراش لأكتب مقالاً أنشره في الصحف أندد فيه بجريمة التزوير والمسئولين عنها في تسلسل - في سلسلة مقالاتي التي تجاوزت الألف - بأن هو المسئول الأول عن جريمة تزوير الانتخابات طالما يحكمنا بنظام الحكم الرئاسي.. وأحياناً يصل بي الغلب إلي استجلاب غضب الله علي الظالمين مثلما ورد في عنوان مقالي بجريدة الشعب في 21 أبريل 1987 «اللهم ربنا أنزل علينا صاعقة من السماء».. وقد نزلت الصاعقة فعلاً علي نظام حكم استمر ثلاثين سنة وأسقطت رئيسه وألقته راقداً علي ظهره في قفص محكمة الجنايات حتي اليوم.. وكان الدرس الأخير الذي سبقته دروس.
الدرس الأول: قبل ثورة 23 يوليو 52 أجريت انتخابات للبرلمان تنافس فيها حزب الوفد مع أحزاب أخري نذكر منها حزب السعديين الذين كان مرشحهم يتخذ مقراً له في مدرسة ابتدائية، أما الوفد فقد أقام سرادقاً هائلاً لمرشحه عبدالفتاح باشا الطويل، وكان الشباب يذهب إلي مرشح السعديين حيث يوزع عليهم ساندويتش وزجاجة مياه غازية، فيأكلون ويشربون وهم يضحكون لأنهم سيعودون لانتخاب مرشح الوفد الذي فاز بأغلبية كاسحة.
وكان ذلك أول درس تعلمناه بأن الرشاوي الانتخابية لا تفيد أمام مرشح مضاد يتمتع بشعبية كبيرة في دائرته كما حدث بعد ذلك في نفس الدائرة بعشرات السنين عندما ترشح فيها الأستاذ عادل عيد المحامي أمام أمين الحزب الوطني الحاكم بكل ما حوله من سلطان ومغريات، ومع ذلك فقد فاز عليه وعلي مرشح الإخوان الذي كان يوزع الشيكارة علي الناخبين.. إذ كان للأستاذ عادل عيد رحمه الله رصيد عظيم عند شعب الدائرة.
وقد ورد في جريدة الأهرام يوم الاثنين الماضي بالصفحة الثالثة حديث عن مضاعفة الرشاوي الانتخابية التي ستقدم في الانتخابات البرلمانية القادمة، خاصة بعدما نص الدستور علي مشاركة حقيقية للبرلمان مع الرئيس عبدالفتاح السيسي وللحد من انطلاقاته.. وتلك الرشاوي الانتخابية القادمة من الخارج تستطيع السلطات المختصة تتبعها وإيقاف توزيعها كما يملك المرشحون والناخبون الإبلاغ عن متلقي تلك الرشاوي الانتخابية.
الثاني: في انتخابات دائرة قسم الرمل بالإسكندرية كان مرشحاً الشيخ محمود عيد إمام المسجد وقد أناب عنه مدرساً مساعداً بكلية هندسة المنصورة، وقال لنا هذا المدرس إنه لاحظ وغيره من المندوبين أن الصول الذي يحمل مع الجنود صندوق الانتخابات كان يعاني من ثقل الصندوق وهو يدخله إلي اللجنة فثار شك في أن الصندوق ممتلئ بأوراق التصويت لصالح مرشح الحزب الحاكم فطلبوا من الصول فتح الصندوق فرفض فجذبوه منه بقوة حتي سقط وانفتح علي الأرض واندثرت فيه أوراق التصويت التي تم تسويدها لصالح مرشح الحكومة.. فقام الشيخ محمود عيد بالسير في شوارع الدائرة معلناً في الميكروفون أنه سحب ترشيحه من الانتخابات.
والنصيحة أن تكون صناديق الاقتراع شفافة، فإذا كانت غير ذلك فيجب فتحها والتأكد من خلوها تماماً من الأوراق.
الثالث: الحرص علي وجود مندوب لكل مرشح

في الانتخابات وأن يبقي في اللجنة أثناء الإدلاء بالأصوات ثم ينتقل مع الصندوق إلي اللجنة العامة للفرز في حضوره أو في حضور المرشح حتي تنقطع سبل التزوير الذي واجهناه عندما دخلنا اللجنة ولم نجد غير مندوب مرشح الحكومة وعلمنا أن الضباط طردوا باقي المندوبين مما سهل تزوير الأصوات في الصندوق.. وهو ما أصررنا علي إثباته في محضر أمام المستشار رئيس اللجنة العامة وكان لذلك أثره في إبطال التصويت في تلك اللجنة وغيرها بحكم المحكمة.
الرابع: كان طلابي يقولون بعد كل انتخابات إنهم وغيرهم لم يذهبوا للإدلاء بأصواتهم لأن الحكومة تقوم بهذه المهمة نيابة عنهم حسب زعمهم.. وقد تعمدت أن أذهب إلي اللجنة قبل نصف ساعة من إغلاقها فحاول ضابط الشرطة والمسدس في وسطه أن يمنعني من الدخول، وأمام إصراري بعد الكشف عن شخصيتي فقد تركني أدخل اللجنة في إضاءة خافتة جداً، وكان رئيسها الإداري منكفئاً علي الكشوف لا يريد أن يكشفها أمامي فطلبت منه أن أوقع أمام اسمي بالكشف فأزاح يديه أمام الرقم فوجدته قد وقع نيابة عني بل ووقع أمام جميع الأسماء بالكشف بما يفيد حضورهم والإدلاء بأصواتهم لمرشح الحكومة فاتهمته بأعلي صوتي بأنه مزور وحررت له محضراً بذلك ومذكرة أمام المستشار رئيس اللجنة العامة الذي اتهمه مرشحون بالتزوير فكانت قضية وصلت لمحكمة النقض التي قضت فعلاً بمسئولية ذلك المستشار عما وقع من تزوير وسجل المستشار يحيي الرفاعي رحمه الله حكم محكمة النقض في كتابه بعنوان: «استقلال القضاء ومحنة الانتخابات» طبعة عام 2000 صفحة 44 وما بعدها.
الخامس والسادس والسابع يطول شرحها وعرض مآسيها والجزاء الدنيوي والرباني عليها.. وقد لخصنا ذلك في عبارة موجزة بكتابنا عن قانون حقوق الإنسان.. تقول: «إن قانون حقوق الإنسان (ومن بينها حقه في انتخابات حرة نزيهة) لا تحميه وتذود عنه الجزاءات الوضعية في مصادره الدولية والوطنية والدينية فحسب، بل تحميه وتذود عنه أيضاً ردود أفعال تتمثل في الثورات والتمردات والانتفاضات التي يزخر بها تاريخ الأمم قديمها وحديثها، مما يجعل لقانون حقوق الإنسان حرمة لا يقربها إلا جاهل أو غافل عن سوء المصير دنيوياً ودينياً».
وما أكثر هذا وذاك في عالمنا المعاصر الذين أصبحوا عبرة لمن يعتبر.