عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

أصحاب الزمان: «منصور» و«السيسي» و«صباحي»

صاحب الزمان هو ذلك الذي يملأ الأرض عدلا، بعد أن امتلأت ظلما، هو ذلك الذي يكون ظهوره كانبلاج الفجر بعد ليل طويل وثقيل.. يسميه السنة والشيعة من مسلمي العالم المهدي المنتظر، ويسميه المصريون الديمقراطيون الذين يؤسسون ديمقراطيتهم على مبادئ من ثقافتهم ،وفي القلب منها إيمانهم بالله وبملائكته وكتبه

ورسله، لا يفرقون بين أحد من رسله، يسمونه «ابن الشعب». وقد بدأت هذه الظاهرة في القرن التاسع عشر عندما اعتبر الشعب المصري ،بمسلميه ومسيحييه، بل بمواطنيه والمستوطنين في أرضه، أن صاحب الزمان هو «أحمد عرابي باشا»  الابن البكر للوطنية المصرية، وأطلقوا عليه اسما جميلا هو «الوحيد». كان هذا هو الاسم الشائع على ألسنة الناس الذين تقاطروا عليه يحملون إليه التفويضات والشكاوى والالتماسات حتى قبل أن يكون صاحب سلطة.وبين ليلة وضحاها أصبح عرابي باشا ملء الأسماع والأبصار والقلوب. لكن حاقت به الهزيمة عندما أحبط جهوده غدر الخديو و ضغوط النظام الدولي وخيانة أصدقائه الليبراليين الإنجليز الذين باعوه للصهيونية وممثلها «روتشيلد» مهندس الاحتلال البريطاني لمصر والرجل الذي اشترى 6000 فدان في الجولان السورية في عشرينيات القرن الماضي.
ووجد المصريون بعد ذلك في عباس حلمي باشا حبيبهم وقائدهم ،وعندما وضع ثقته في مصطفى كامل باشا أحبوا الباشا الشاب وساندوا كفاحه ضد القسوة البريطانية. ومات مصطفى كامل شابا ونفي الخديو العظيم، وظلت مصر تبكي الخديو وتنتظر عودته، وكان الأطفال يهتفون في شوارع مصر «الله حي عباس جي»حتى أنساهم جمال عبدالناصر من قبله ومن بعهده. وبين العظيمين عباس حلمي الثاني وعبدالناصر الكبير ،منح الشعب كل حب وتقدير لشيخ الوطنية المصرية «سعد باشا» وقالوا «مكتوب على ورق الفول سعد زغلول».
لكن فترة السبعين عاما التي انقضت بين غروب شمس عرابي باشا وانبلاج الصبح الناصري الذي أنهى ثلاثة آلاف عام من الاغتراب بين المصريين والسلطة السياسية، هذه الفترة كرست، في زعامة عرابي وفي زعامة ناصر، أسطورة الشخصية التاريخية الواحدة التي يتجه إليها الحب كله وتنعقد عليها الآمال كلها. كان هذا أمرا اندفعنا وراءه بقوة الثقافة المصرية التي تؤمن إيمانا عميقا بالمخلّص في صورة المهدي المنتظر (صاحب الزمان) وفي صورة سيدنا المسيح (له المجد) العائد في آخر الدهر. وهكذا فكل شعب في العالم لديه حلم بمخلص واحد، ولدينا حلمان بمخلصين اثنين. وهذا لم يضرب فكرة المخلص بل عمقها. وجاء توفيق الحكيم بروايته الساذجة «عودة الروح» ليضفي على فكرة المخلص مسحة سياسية عصرية.
كرست جمهورية يوليو فكرة المخلص الفرد ،وجعلت منها أساسا لمركزية خانقة في القرار السياسي، ولتحييد القوى الشعبية، في إطار أسماه الأستاذ هيكل، بعد هزيمة 196 «ديمقراطية الموافقة». لكن جمهورية يوليو جددت نفسها في 2011عندما وقف الجيش، ركيزتها الأساسية  ،ظهيرا استراتيجيا للقرار الشعبي، وحارسا للمجتمع المدني الذي أراد الظلاميون اختطافه وترويضه. ومنذ وقف الجيش وراء الشعب ،انفتح الباب لتعددية، لم تتحقق بعد، وإن كنا نرى في ثلاثة من عظماء اللحظة الراهنة إرهاصا بها.
نرى اليوم، في مشهد الانتقال إلى رئاسة جديدة، أن التوجه للتعددية السياسية يتجلى في وقوف ثلاثة كبار يقتسمون مجد اللحظة التاريخية الراهنة: فخامة الرئيس عدلي منصور، والرئيس المنتخب عبدالفتاح السيسي، وزعيم المعارضة الشعبية التي سوف تصبح معارضة مؤسسية مع تشكيل مجلس النواب حمدين صباحي. في الصورة اليوم

ثلاثة رجال: ليسوا شركاء كما كان عرابي وزميلاه ،ولا هم شركاء كما كان سعد باشا ورفيقاه، ولا هم على الصورة التي خرج فيها عبدالناصر على الشعب يحيط به أحد عشر كوكبا سجدت لهم شمس الاحتلال البريطاني وقمر سراي عابدين، الاختلاف بين أدوار الثلاثة وبين خلفياتهم المهنية والمستقبل الذي يمضي إليه كل واحد منهم، هو مظهر من مظاهر «الوحدة والتنوع» الذي أشار إليه صباحي في خطابه التاريخي الذي كرس به مركزه المهم كمعبر عن تيار شعبي يدرك الفارق بين «المشاركة بالمعارضة» وبين «المفارقة بالمعارضة». الأولى ترشد القرار وتنطق بلسان الشارع، لكنها لا تسعى لتعميق الخلافات بغرض الهدم، والثانية تسعى للتشرذم وإطلاق الصراعات وصولا لحروب أهلية.
أرجو أن يكون تاريخنا قد تجاوز هذا الخطر باتجاه تعددية تضمن الوحدة وتعززها. فأمامنا اليوم رئيس عظيم رعى المسيرة الديمقراطية من دون أطماع شخصية أو حزبية أو طائفية، ورئيس منتخب سيحمل عبء مرحلة حافلة بالأخطار وسياسي شاب أعطى الجميع درسا في احتواء تناقضات اللحظة ومحاولة تخليق إيجابيات باقية من رحم التناقضات العابرة. كل التحية والإجلال للزعامات الثلاث. ليس بين الثلاثة من يريد أو يستطيع أن يكون صاحب الزمان. الثلاثة معا هم أصحاب الزمان.
وأتوجه إلى أولهم، وأقربهم إلى قلبي باعتباره حلما تحقق، وليس أملا ينتظر التحقق، مثل زميليه، أتوجه إلى الرئيس منصور متمنيا عليه ألا يعود قاضيا بل أن يصبح العضو المؤسس لجماعة توقعت ظهورها،في مقال لي في المصري اليوم سنة 2006، انها جماعة «آباء الأمة المصرية».
أتمنى لو أن الدولة أنشأت مقرا يضم كل رئيس جمهورية سابق، وكل رئيس حكومة سابق. في إسرائيل توجد مؤسسة مشابهة تضم رؤساء الحكومات السابقين. أما نحن فنريد مؤسسة لرؤساء الجمهورية السابقين ولرؤساء الحكومات السابقين، من 2011 وما بعدها. بهذا المعنى فسوف يتعين أن ينضم لها السادة: أحمد شفيق وعصام شرف وكمال الجنزوري وابراهيم محلب. لكن العضو المؤسس هو فخامة الرئيس عدلي منصور عندما يترك الرئاسة ليصبح «المواطن المصري الأول» في الزمن الجديد الذي نتمنى أن نوفق فيه إلى تحقيق الأهداف التي لها معنى: الاستقرار، والازدهار المادي الذي يعم الجميع ،ولو بدرجات متفاوتة ،وسيادة القانون.