رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

مصر وروسيا والقطاع الخاص

عندما سأل الإعلامي اللامع توني خليفة ضيفه الدكتور بطرس غالي عن رأيه في الزعيم الروسي فلاديمير بوتين قال له غالي ما معناه إن سألتني عن ليون تروتسكي أو يوسف ستالين فسوف أجيب ،أما عن بوتين فيجب أن ننتظر قبل أن نعطي تقييما له لأنه لم يمر عليه وقت كاف في موقعه. وقد يبدو هذا القول غريبا عندما يقال عن سياسي يحمل أعباء الحكومة والدولة منذ 1999 حتى اليوم. لكن حديث الدكتور غالي الذي أشارت زوجتي إليه وهي تتحدث إلى ولدينا أحمد وكريم ،يوم اختياره سكرتيرا عاما للأمم المتحدة وهي تقول لهما بكبرياء وطني: «هذا جدكما بطرس غالي»، هو حديث رجل حكيم يعرف عما يتحدث، ولهذا فعندما سأله توني خليفة عن رؤيته للعلاقات بين مصر وروسيا طرح تصورا مزدوجا مفاده، أولا: أن مصر وروسيا اليوم تغيرتا عما كانتا عليه أيام ناصر والسوفيت، والعالم من حولهما تغير، ولابد من رؤى ومسارات جديدة لهذه العلاقة، وثانيا، أن انفتاح مصر على العالم كله ،بما فيه روسيا وأمريكا وغيرهما أمر ضروري.

ويبقى أمر مهم لابد لنا أن نتذكره عندما نتحدث عن روسيا الجديدة وعن علاقاتنا بها، وهو أمر يتناساه المعلقون الذين ترتبط روسيا في أذهانهم، بالاقتصاد الكليmacroeconomy وباحتياجات الدفاع، وهذان أمران مهمان سوف أعود إليهما، لكن من المهم أيضا الانتباه إلى أهمية العلاقة بين قوى القطاع الخاص في البلدين.
نعود لما قاله الدكتور غالي عن ضرورة التمهل عند تقويم سياسات معينة في بلد مثل روسيا. كيف نفهم هذا الكلام؟ لابد أن نعرف أن التاريخ في روسيا - وفي مصر أيضا - يصنع على مهل وأن الحاضر لابد أن يولد من رحم الماضي وإلا تمزق الكيان الوطني واضطربت أحوال المجتمع. ونموذج بوتين، كما أراه ،هو نموذج الوسط الذهبي بين التحفظ السوفيتي الثقيل الحركة الذي بلغ ذروة التباطؤ والجمود في عهد ليونيد بريجينيف وبين الاندفاع الصادم الذي مثله بوريس يلتسين. هو نموذج يأخذ من خبرة بريجينيف التروي والالتزام بمصالح الدولة والمجتمع ويأخذ من خبرة يلتسين الجرأة والانفتاح على العالم. الخبرة الوطنية عند هذا الرجل مصدرها خدمته العسكرية التي أنهاها برتبة مقدم في الاستخبارات الروسية،أي أنه رجل معلومات من البداية. وعندما نشير لخبرته العسكرية يجب أن نقول إنه حقق عبر رئاسته للوزراء إصلاحات هائلة في السلكين العسكري والشرطي. ومساندة بوتين لكتاب مدرسي عن تاريخ العسكرية الروسية يوحي لي بضرورة أن تتبنى مصر فكرة كهذه لأن تاريخ العسكرية المصرية الذي تقاطع مع تاريخ العسكرية الروسية في مراحل عدة، بداية من عهد علي بك الكبير في النصف الثاني من القرن الثامن عشر،هو اليوم بأمس الحاجة لكتاب تدرسه الأجيال.
أما انفتاح بوتين على العالم الخارجي فتجده نابعا من ارتباط تاريخه في العمل المدني بخبرة التفاعل الدولي، منذ احتل، في البدايات، منصب مدير العلاقات الخارجية في إدارة العاصمة بطرس بورغ. ولابد أن نضيف لهذا الانفتاح على العالم الخارجي اهتمام بوتين بمشكلات القطاع الخاص،فنحن في هذا المقال نركز على التعاون بين القطاع الخاص في البلدين. وقد التفت العالم لإفراج بوتين عن رجل الأعمال ميخائيل خودوروفسكي وتباينت ردود الأفعال إزاء هذا الحدث الذي لن نخوض فيه بعمق لأننا عرب ولأن

خودورفسكي يهودي. لكننا نقف أمام أمرين: أولا ،أن من يقلل من الدلالات الإنسانية للإفراج عن خودوروفسكي يربط قرار الإفراج برغبة روسيا في تحسين صورتها قبل بداية الألعاب الأوليمبية الشتوية في فبراير. يعني قرار يعزز مصالح الدولة. وبرأينا فهذا أمر طيب. وثانيا، من هو خودوروفسكي؟ أول صفة له في ويكيبيديا (روح الثقافة الشعبوية الغربية الجديدة) هي أنه oligarch. وهذه هي الصفة المهذبة لزعيم عصابة سياسية أو بيزنسية.
لكن قضية رجل الأعمال رسلان تيلكوف لم يثر حولها خلاف بل اعتبرها الرأي العام العالمي من نيويورك تايمز لغيرها من المطبوعات والمواقع الإليكترونية دليل علاقة جديدة بين الدولة الروسية وبين قطاع الأعمال الخاص، وامتدحت دور إدارة بوتين في حل مشكلته .هذا الرجل أرهقته وحبسته الممارسات البيروقراطية الموروثة وخلصه منها بوريس تيتوف وهو المفوض الرئاسي لشئون القطاع الخاص. وبناء على ماكتبته نيويورك تايمز عن هذا الرجل فهو يرفع تقاريره إلى فلاديمير بوتين مباشرة ومهمته هي «محاربة الفساد وإزالة العقبات التي تعترض رجال الأعمال». وهذا أيضا أمر مهم بالنسبة لمصر التي عانت في عهدي مبارك ومرسي ،كما عانت روسيا قبل بوتين، من الفساد الذي نشأ عن زواج رأس المال بالسلطة. وحتى لا يتحول الخوف من الفساد إلى مطاردة جنونية لكل ناجح بغرض ابتزازه أو الحد من نفوذه لأسباب غير مشروعة، فربما يكون من المفيد أن تكون لدينا آلية مشابهة لآلية المفوض الرئاسي لشئون القطاع الخاص لكنني أكتفي بمجرد الإشارة للموضوع وأتركه لعناية خبراء مثل الوزير السابق جودة عبد الخالق والزميل أحمد النجار وأستاذه – أستاذنا جميعا – سمير أمين، هذا الأستاذ الذي علمنا أن مأساة مصر وأكبر عائق بوجه تقدمها هو ما يسميه عن حق «رأسمالية المحاسيب» أوconnivance capitalism.
وهذا يعيدنا إلى الاقتصاد الكلي وإلى ضرورات الدفاع لنقول إن الاقتصاد الكلي في مصر وفي روسيا مرجعه الأساسي العدل كمبدأ لاغنى عنه لتحقيق قوة شاملة وقادرة ليس على مواجهة ضغوط الخارج فقط، بل وقادرة على تعامل صحي ومحترم مع العالم الخارجي. وهذا يربط الاقتصاد بالدفاع الذي يقوم هو أيضا على العدالة والقوة الشاملة لضمان علاقات صحية بالعالم الخارجي.