رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

يا متصوفي مصر : العالم يتغير

لا يعنينا مما يجري في تركيا أن نظهر الشماتة في رجب طيب أردوغان الذي يرفع يده بإشارة رابعة كمراهق عجوز مثل محمد البلتاجي أو صفوت حجازي. ما يعنينا هو أن نفهم من يكسب ومن يخسر هناك لكي نرشد الرأي العام إلى مستقبل العلاقات مع هذه الدولة المهمة. ما يجري في تركيا اليوم قد يكون نهاية اردوغان بعد أن لم يعد عنده جديد يقدمه وبعد أن

توارت إنجازاته مع ارتفاع نسبة البطالة، وبعد أن لم يعد يثق فيه حليفاه الرئيسيان أمريكا وإسرائيل، بسبب طيشه على المستوى الإقليمي ،خاصة بعد تورطه مع قطر في تحالفات مع قوى غير عقلانية وغير منضبطة في سوريا ولبنان وليبيا ومصر، وبعد تورطه مع الصين وإيران في ألاعيب مالية تتحايل على النظام الدولي. هذا ما يقوله الخبراء الأتراك والغربيون، لكن العبد لله يرى أن في العمق يكمن فشل أردوغان في حل المشكلة الكردية. اقرأ هذه العبارة للدارس الإسرائيلي (المتحمس لإردوغان) غابرييل ميتشيل من جامعة القدس، وهي من بحث منشور في فصلية «تيركش كوورترلي» في اسطنبول هذا الشهر: «ربما فشل أردوغان في تجسير الهوة بين الأتراك والأكراد لكنه لا يزال قادرا على استعادة مصداقيته كصانع سلام بين الشعبين». تأمل كلمتي «فشل» و«الشعبين» لتفهم كيف ساعد أردوغان على تنمية الهوية الكردية، فأصبح في تركيا اليوم ،بفضل جهوده، «شعبان»، ولأنه «فشل» في جمعهما تحت راية واحدة ،فلن يستريحا سوى بالانفصال. وهذا ما قد يعجب من صنعوا أردوغان في واشنطن ولندن والقدس لكنه لن يرضي القوى الوطنية في تركيا، وفي مقدمتهم الجنرالات في أنقرة. صحيح أنهم لن يتدخلوا، علي المكشوف، لكن للوطنية التركية – ولكل وطنية في كل بلد- طرقها الخفية في الدفاع عن نفسها.
بعيدا عن كل هذه التكهنات أمامنا أردوغان يحاول أن يتخلص من شراكته مع الصوفيين بقيادة محمد فتح الله غولن لكنه يفاجأ بأن شريك الأمس وعدو اليوم والغد لاعب ماهر قادر على فضح نظامه فمن هو هذا الصوفي ؟ إنه الرجل الذي يرفض تسييس الدين لأنه، بكلماته هو «يحول العلاقة الغامضة بين ما هو إنساني وما هو مقدس إلى أيديولوجية. والدين هو علاقة الناس بالخالق. والشعور الديني يعيش في أعماق القلب. فإذا حولته إلى استعراض شكلي قتلته». هذا كلام عظيم.
لكن كما يقال «أسمع كلامك يعجبني أشوف أمورك أستعجب». فهذا الرجل ،كما يقول محللون أتراك وغربيون ، ليس مجرد سنيد درويش لسياسي داهية مثل أردوغان بل هوصاحب قوة مهيمنة على الشرطة والقضاء حتى أن الخبير الاجتماعي والاقتصادي التركي داني رودريك يحمل جماعة غولن المسئولية عن تلفيقات الشرطة والنيابة العامة ضد خصوم غولن ويتهم الجهتين بالتستر على أتباعه . ويرى مراسل دير شبيجل في اسطنبول دانيال ستينفورث أن الركيزة المالية لجماعة غولن تتمثل في بنك آسيا الذي يساهم فيه ستة عشر مستثمرا، هم من أهم رجال الأعمال في تركيا ومرتبطون بهذه الجماعة التي يقوم نشاطها – حسبما ذكر ستينفورث -على الشكل «التنظيمي للجماعات الصوفية الدينية التي تعود إلى العصور الوسطى أيام الخلافة العثمانية. وهذه الطرق الصوفية عاشت في الفترة الكمالية دون أن تحصل على صفة قانونية. وقد التحق فتح الله

كولن بطريقة الصوفي سعيد نورسي، تلك الطريقة التي تنوء بنفسها عن التيار الإسلامي المتشدد. كما أن كولن رحب بسقوط نجم الدين أربكان عام 1997. ونصح بتوجه تركيا نحو أوروبا وليس نحو إيران أو السعودية».
ويضيف ستينفورث: «في مارس 1999 سافر الخطيب كولن إلى أمريكا فجأة ، وبعد ذلك بثت إحدى محطات التلفاز التركي خطبة مصوّرة سريا يطالب فيها كولن أنصاره بـ «العمل في صبر والتسلل إلى مؤسسات الدولة للاستيلاء على الحكم». وعلى التو قام المدعي العام بالمطالبة بسجن كولن عشر سنوات بتهمة (تكوين منظمة تعمل على إطاحة الحكومة العلمانية وبناء دولة تقوم على أسس ثيوقراطية) وقد وصف كولن تلك التسجيلات بـ(المفتعلة) ورأى أتباعه أنها حملة تشويهية. وفي يونيو 2008، بعد مرور أعوام، تمت تبرئته من كل التهم التي وجهت إليه. مع ذلك فهو لا يزال يقيم في منفاه بولاية بنسلفانيا في الولايات المتحدة (لأسباب صحية) على حد قوله. كما يؤكد أصدقاؤه عدم معرفتهم بموعد عودة (المعلم) والذي يخشاه الكثيرون، داخل تركيا وخارجها أن تكون عودته كعودة الخميني إلى إيران في 1979». لكن نحن لا نقوّم غولن هنا. نحن نسأل : لمن المستقبل في تركيا؟
قد تكون أمريكا وأوروبا اليوم تستعدان لغسل أيديهما من صيغة «حسن البنا - الخوميني» بعد أن فقدت العثمانية الجديدة أهميتها بدخول روسيا حظيرة النظام العالمي، منهية بذلك «اللعبة الكبرى» بين روسيا والغرب، بدليل المواءمات التي تجري بين الغرب وروسيا في إيران وسوريا وأوكرانيا وغيرها. وبالتالي فقد يكون عالم المستقبل أكثر ترحيبا بالحركات الصوفية .ليس من الضروري أن يكون كل زعيم صوفي غولن جديدا .يمكن أن نتعلم من غولن فنأخذ حسناته ونترك سيئاته. وأهم حسناته أنه لم يترك الملعب للسلفية الإخوانية. وأيا كانت التطورات في هذا العالم الذي يتغير كل ثانية، فلابد أن نتذكر أننا لا نستغني عن تركيا، وإذا انزاح أردوغان فلابد أن نرحب بمن يحل محله، وأن نبحث عن نقاط التواصل معه. لا أوجه كلامي هذا للدولة، فلست على تواصل معها، لكني أوجهه للصوفيين المصريين لأني تشرفت بلقاء بعض أقطابهم. فمارأي شيوخنا الأجلاء؟