عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

الموقف الشعبي بين الإخوان والدولة

يخطئ من يتصور أن غالبية الشعب المصري لم تكن منحازة إلى جمال عبدالناصر في صراعه مع الإخوان. ومخطئ من يتصور أن الإخوان كان بوسعهم تحقيق الانتشار الذي حققوه محليا ودوليا من دون الهامش الواسع الذي منحهم إياه أنور السادات والهامش الأوسع الذي حصلوا عليه في زمن حسني مبارك.

أنا أعرف الموقف الشعبي من صراع عبدالناصر مع الإخوان جيدا فقد كنت منحازا للإخوان ضد عبدالناصر تأثرا بوالدي وبكل الجو الذي كان محيطا بي. .وقد كان الناس يتجنبوننا في 1965 بعد اعتقال والدي الذي كان محبوبا من كل من عرفوه. لم تكن المسألة مجرد خوف من السلطة بل كانت احتراما للدولة ونفورا من الخروج عليها ومن كل من يشتبه في تورطه في الخروج عليها. كان الخروج على عبدالناصر خروجا على مشروع وطني تنموي سيطر على كل العقول والقلوب. ولهذا فتعاطف الناس معه ضد كل من خرج عليه كان أمرا مفهوما.لكني سمعت من والدي حكاية أثبتت لي أن احترام المصريين للدولة لم يولد مع عبدالناصر ولا مع جمهورية يوليو.
ففي عام 1948 كان أحد الوعاظ الذين كانت لهم شعبية كبيرة في قريتنا(البتانون/منوفية) والقرى الصغيرة المحيطة بها موجودا في شعبة الإخوان المسلمين عندما أذيع قرار رئيس الوزراء محمود فهمي النقراشي بحل الجماعة. وعلى الفور نهض الواعظ واقفا وقال لأعضاء الشعبة: الآن وقد صدر قرار بحل الجماعة فوجودي هنا صار أمرا مخالفا للقانون، وأستأذن منصرفا. وعندما كان أبي يروي لي هذا الحادث كانت تخالط صوته رنة لوم لهذا الرجل الورع والشجاع ولأمثاله ممن تخلوا عن أصدقائهم من أعضاء الجماعة وصاروا يتجنبونهم بمجرد صدور قرار من حكومة الملك فاروق بحظر الجماعة.
لهذا تعجبت عندما قرأت ما كتبه الدكتور محمد أبو الغار في المصري اليوم (الثلاثاء 26 نوفمبر): «في جميع المرات التي اصطدمت فيها السلطة أيام الملك فاروق وعبدالناصر والسادات ومبارك مع الإخوان كانت جموع الشعب إما صامتة وغير مبالية أو متعاطفة مع الإخوان». هذا الكلام غير صحيح، بالمرة. وهذا تصوير غير دقيق للتاريخ السياسي المصري. السلطة في العالم السني شبه مقدسة، بكل تعقيدات القداسة التي صورها سيجموند فرويد في كتابه «الطوطم والتابو». وإن كانت مصر– على الأقل منذ سقوط الفاطميين في النصف الثاني من القرن الثاني عشر الميلادي – هي قلب العالم السني فهي أقوى أو من أقوى حصون الحكم المركزي- كفلسفة حكم- ربما في العالم كله.
لم يكن الإخوان مهمين أيام الملك لكي يتأثر الناس بما جرى لهم سلبا أو إيجابا،ولم يكن كثيرون يأخذون الإخوان ومصر الفتاة والحزب الوطني (فتحي رضوان) مأخذ الجد، فقد كان الوفد يملأ الدنيا وشاغل الناس. ومقابل الوفد أحزاب الأقلية التي استخدم الملك الإخوان لصالحها كمهيجين ومحرضين لا ككيان سياسي محترم. بقي الإخوان كومبارس حتى مجىء عبدالناصر واهتمامه بالإسلام السياسي في مقاومته لتأثيرات لشيوعية، في مرحلتين (ابتداء 1954 كمرحلة أولى، ثم بعد تخوفه من تأثير وجود الخبراء المدنيين والعسكريين السوفيت عقب هزيمة 1967 كمرحلة ثانية) واستخدامه لقيادات من الإسلام السياسي مثل الباقوري وكمال الدين حسين وطعيمة وعبدالعزيز كامل وعلاقاته القوية والمحترمة مع الشيخ شلتوت. ولكي يعرف شباب هذا الجيل قيمة شلتوت

أقول لهم إن الشيخ الشعراوي كان يفخر بأن شلتوت كان يخاطبه بقوله: يا ولد.
وطوال عصر ناصر والسادات ومبارك لم يحرز الإخوان أي تقدم إلا برضا من رأس الدولة ومن أجهزته الأمنية. ورغم اهتزاز ما يمكن تسميته «عقيدة الدولة» عند المصريين منذ أحداث يناير 1977 وحتى نهاية عهد مبارك، واشتداد هذه الهزة بعد 25 يناير 2011 فمازالت عقيدة الدولة -البيت الوطني– التي يقاس عمرها بعشرات القرون، أهم عند معظم المصريين من الطائفة والطبقة والتيار السياسي والحزب. وهذه هي روح المدنية بغض النظر عن كل موضات ما بعد الحداثة.
وعندما نقول الدولة فنحن لا نقصد النظام أو الحكومة، فهذه متغيرات تروح وتأتي، والدولة ثابتة بجيشها وشرطتها وقضائها وأزهرها وجامعاتها كمؤسسات تحمي ما هو أهم من المؤسسات: التكامل الإقليمي للتراب المصري ووحدة الشعب المصري وسلامه الاجتماعي وأمنه وأسلوب حياته السمح والتضامني. دارت مناقشة قصيرة بيني وبين أستاذنا السيد ياسين على هامش «ملتقى القاهرة الثاني» الذي انعقد الشهر الماضي في دار الأوبرا. لقد اعتبر الأستاذ أن هبة 30 يونية هي انتصار لليبرالية وللمثقفين. لكني اعتبرت أنه انتصار لعقلانية الدولة ضد اللاعقلانية السلفية الإخوانية العنيفة. نحن عندنا دولة عمرها آلاف السنين وهم يريدون تفكيكها ليقيموا ما يسمونه «أستاذية العالم». والشعب بأغلبيته لا يرضى بتفكيك وتذويب دولته الوطنية من أجل وهم إخواني لا يعدو كونه شعارا فارغا. باختصار: لقد خسر الإخوان في كل مرة حاربوا فيها الدولة. فما هو الجديد؟
الجديد هو أن الشعب هو الذي أعطى الإشارة للدولة، ممثلة بأقوى مؤسساتها وهو الجيش، لوضع نهاية للمشروع الفوضوي anarchist الذي يتبناه الإخوان (علما بأنه لو توطد حكمهم لكان كل anarchist في مصر على قائمة الإعدام) الشعب سبق الدولة هذه المرة في النزول للميدان. لم يعد الجيش طليعة الشعب المسلحة، كما كان حقا أيام عبدالناصر. الجيش الآن يأتمر بأمر الشعب. هذه الحقيقة الجديدة لم تضرب جذورا عميقة لا في الوعي ولا في أرض الواقع بعد.لكن 30 يونية هي البداية. الشعب منذ ذلك التاريخ أصبح على طريقه إلى أن يكون، حقا وصدقا، القائد والمعلم.