عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

التوريث والتمكين والائتلاف الكبير

شهدت مصر خلال فترة زمنية تقل عن ثلاثة أعوام سقوط نظامين وهما نظام الحزب الوطني ونظام الإخوان المسلمين وهو ما يثير التساؤل عن مستقبل النظام السياسي في مصر في الفترة القادمة، خاصة مع وجود استحقاقات سياسية مهمة تشهدها البلاد قريباً وتتمثل في الاستفتاء على الدستور والانتخابات التشريعية والانتخابات الرئاسية بهدف تحقيق الاستقرار السياسي، ويمكن في هذا الإطار الإشارة إلى الملاحظات التالية:

أولاً: أن هناك أخطاء قاتلة يمكن أن ترتكبها النظم الحاكمة وتعجل بانهيارها وخصوصاً إذا اقترنت بعوامل أخرى مثل الفساد بأشكاله المختلفة والخضوع لقلة من أصحاب المصالح وعدم اتباع سياسات اقتصادية واجتماعية لها جاذبية وتقبل شعبي، وعدم الاهتمام بالمطالب والرغبات الشعبية في بعض الأحيان والنظر إلى الشعب باعتباره منعدم التأثير أو يمكن التحكم فيه وتوجيهه بسهولة، أو عدم استقلالية القرار السياسي بمعنى خضوعه لضغوط ومؤثرات خارجية أو لتحالفات مصلحية في الداخل، فضلاً عن وضع عراقيل وعقبات أمام إمكانية التغيير السياسي بالطرق السلمية المشروعة والرغبة في التمتع بمزايا وعوائد السلطة إلى أطول فترة زمنية ممكنة وهو ما لم يعد مألوفاً في عالم اليوم والذي شهد انهياراً واسعاً للنظم السلطوية والتحول نحو الديمقراطية، كذلك من الأخطاء الفادحة التي تقع فيها بعض النظم وتعجل بانهيارها عدم تطبيق القواعد المؤسسية في اتخاذ القرار بمعني أن القرار يكون فردياً من جانب فرد واحد، أو لا يكون مستقلاً بمعنى أن يخضع لتوجيه من خارج المؤسسة الرئاسية على سبيل المثال.
ثانياً: إن سقوط نظامين في مصر في فترة زمنية وجيزة يمكن تفسيره بتواجد هذه العوامل والأخطاء السابقة أو بعضها خصوصاً إذا ما اختلطت بتوجهات وسياسات أخرى مثل التوريث في نظام الحزب الوطني السابق والتمكين في نظام الإخوان السابق، حيث يمكن القول إن مخطط التوريث للسلطة والذي كان يدور بخطوات متسارعة في السنوات الأخيرة من نظام الحزب الوطني قد عجل بالسقوط وذلك لما أثاره من تحديات للنظام وتجميع واحتشاد للمعارضة، فضلاً عن إحداث تحولات جوهرية في طبيعة نظام الحكم الذي كان جمهورياً من الناحية الرسمية ولكنه تحول إلى سمات النظم الملكية من الناحية الواقعية نظراً لاستمرارية تولي المنصب الرئاسي لفترة زمنية طويلة تقدر بقرابة ثلاثة عقود من الزمان، ثم الاستعداد لتوريث المنصب مما يغلق الطريق أمام إمكانية التغيير السلمي وتبادل الأدوار بين الحكومة والمعارضة مما جعل من الثورة البديل الوحيد لإحداث التغيرات المطلوبة السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي عجز النظام القائم بأساليبه وسياساته ومؤسساته أن يحدثها ولذلك يمكن النظر إلى التوريث باعتباره العنصر الحاسم في اسقاط نظام الحزب الوطني.
ثالثاً: ويلاحظ إنه إذا كانت سياسة التوريث هي العنصر الحاسم في إسقاط نظام الحزب الوطني فقد كانت سياسة التمكين هي العنصر الحاسم في إسقاط نظام حكم الإخوان، ويقصد بالتمكين العمل على السيطرة على كافة مؤسسات ومصالح ومفاصل الدولة

المصرية وفي أقصر فترة زمنية ممكنة وهو ما حدث على مستوى المجلس التشريعي على سبيل المثال والوزارة والمحافظين والأجهزة البيروقراطية المختلفة والإعلام وغيرها، وهو الأمر الذي يصعب تحقيقه في دولة مثل مصر ذات السلطة المركزية والجهاز البيروقراطي العريق الذي يرجع إلى آلاف السنوات، وقد أدت سياسات ومحاولات التمكين وفي فترة زمنية قصيرة إلى الاستعانة بعناصر غير مؤهلة وغير معدة الإعداد اللازم لتولي المناصب المهمة فكانت النتيجة الطبيعية هي الفشل وقصور الأداء على مختلف المستويات السياسية والاقتصادية والأمنية مما أثار مشاعر عدم الرضاء والاستياء لدى قطاعات واسعة من الشعب، وتوحدت المعارضة لأسقاط نظام الإخوان.
رابعاً: ويمكن القول تأسيساً على ذلك إن خبرة السنوات القليلة السابقة تثبت أنه من الصعب لفريق أو فصيل وحيد أن يسيطر على مصر ويحكمها بمفرده، وهو ما يثير التساؤل عن مستقبل النظام السياسي في مصر وتطوره وكيفية تحقيق الاستقرار السياسي في المستقبل القريب.
وتتمثل الإجابة عن هذا التساؤل في اعتقادي بالأخذ بفكرة الائتلاف الكبير، ويقصد بذلك أن مصر تعرف تعددية حزبية مفرطة أو مبالغ فيها حيث يتجاوز عدد الأحزاب السياسية 80 حزباً، وبالتالي فلن يستطيع أي حزب بمفرده أن يحصل على الأغلبية اللازمة لتشكيل الحكومة، ولذلك فقد يكون من المرغوب فيه أن تحدث تكتلات وائتلافات في مرحلة أولى بين الأحزاب ذات التوجه السياسي الواحد (ائتلاف بين أحزاب اليسار، وائتلاف بين الأحزاب اليمينية وائتلاف بين الأحزاب القومية وهكذا)، وبحيث يتواجد عدد معقول من هذه الائتلافات الحزبية تعبر عن التيارات السياسية المختلفة، ويمكن لهذه الائتلافات الحزبية في مرحلة لاحقة (عقب الانتخابات التشريعية) أن تتكتل معا فيما يعرف بالائتلاف الكبير، فمشاكل الوطن متعددة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وأمنياً، ولن يستطيع أي حزب أو فصيل بمفردها أن يقدم لها العلاج المناسب، وقد يكون الأخذ بفكرة الائتلاف الكبير بديلاً مناسباً لحل مشاكل الوطن وعبور أزماته.