رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

لوتشانا بورساتي: صديقة الحقيقة

عندما نتوجه إلى الغرب يجب أن نتجنب البحث عمن يمكن أن نسميهم أصدقاء مصر لنبحث بدلا من ذلك عن أصدقاء الحقيقة، أولئك الذين لا يكون هدف الواحد منهم إرضاء طرف أو إغضابه وفقا لحسابات يعلمها هو وحده، بل يكون هدفه هو السعي وراء الحقيقة. من هؤلاء الذين يستحقون، عن جدارة لقب «صديقة الحقيقة» الصحفية الإيطالية لوتشانا بورساتي التي أدلت بحديث لمحطة الراديو الإيطالية «تري موندي 3 MONDI»، بعد صدور كتابها عن مصر الثورة بعنوان «ما بعد ميدان التحرير». ورغم أني أشرت قبل أسبوع إلى هذه الصحفية وإلى كتابها، فقد وجدت من واجبي أن أنقل للقراء بعضا مما قالته عن مصر اليوم، حتى لا يتصور القراء أن مصر التي تناهض الاستبداد والفوضى الأصوليين لم تعد تجد من يفهمها في الخارج.

قالت بورساتي – وفقا للترجمة التي تلقيتها لحديثها مع «تري موندي» - تعليقا على خبر إحالة الرئيس المعزول محمد مرسي وأربعة عشر قياديا من جماعة الإخوان المسلمين للتحقيق بقوله إن هذين الخبرين يأتيان ضمن العوامل الأساسية التي يمكن أن تساعد على فهم ما حدث في الشهرين الأخيرين في مصر وإن كان هذا الذي جرى انقلاباً عسكرياً أم لا، وأكدت من جانبها ان العديد من المصريين يعارض بقوة وكبرياء كل من يصف ما جرى بأنه انقلاب. مضيفة «الأمر لا يتعلق بانقلاب عسكري بل هو عبارة عن موقف اتخذته جموع الشعب المصري بقوة حيث نزلت الميادين وأعربت عن مواقفها، الأمر الذي وجد نوعا من الدعم من قبل قادة الجيش المصري حرصا منهم على ألا يتحول الوضع إلى فوضى عارمة وحقنا لدماء المصريين». وأضافت بورساتي «أما بالنسبة لخبر تشكيل  لجنة الخمسين لمراجعة الدستور فهذا يعني أنه على الرغم من أعمال العنف التي شهدتها  مصر في الآونة الأخيرة فهناك تحرك باتجاه الديمقراطية المدنية ونحو عملية انتقالية تُحترم مراحلها المختلفة».
وباعتبارها صحفية أجنبية فقد سعت بورساتي عندما كانت تجمع مادة كتابها إلى لقاء شخصيات مختلفة الانتماءات (السياسية والطبقية) لتستطلع رأيها حول مايجري ولتخرج في النهاية بما يصور خصوصية الوضع في مصر. وقد ساعدتها على لقاء المستشارة تهاني الجبالي والشيخ نبيل نعيم. وفي معرض حديثها عن بعض من قابلتهم قالت بورساتي: «قام ناشط سياسي اعتبره من ضمن أبطال هذا الكتاب، وهو يدير مركزا للدراسات السياسية، بعمل استطلاع للرأي حول أربعة مقترحات للخروج من الأزمة كان بينها مقترح بتدخل الجيش وتسلمه إدارة البلاد خلال فترة انتقالية قصيرة للتوصل إلى إجراء انتخابات رئاسية مبكرة ونزيهة. وبصورة غير متوقعة فضل حوالي 80 بالمائة ممن استطلع المركز آراءهم هذا الحل، لأن الشعب المصري الذي يعاني من مشكلات عديدة ومن فقر مدقع أدرك أن الإخوان لا يملكون القدرة على الحكم  وإدارة البلاد ولديهم رغبة عارمة في الانفراد بالحكم». وفي إشارة واضحة إلى خصوصية الثقافة المصرية قالت بورساتي: «هذا يرجع إلى أن الجيش يجسد الهوية القومية

بشكل لا يمكننا تخيله. وعلى الرغم من التجربة السيئة التي حكم فيها المجلس العسكري البلاد في فترة ما بعد ثورة 25 يناير مازال الشعب المصري يؤمن بقدرة الجيش على إعادة الأمور إلى نصابها في البلاد. والجيش بدوره حريص جدا على عدم تكرار الأخطاء السابقة وعلى عدم الانجراف نحو هاوية أخري تؤثر على ثقة الشعب المصري فيه».
وفي حوار مع أحد تجار القاهرة وجهت بورساتي هذا السؤال: «كيف تغيرت الحياة بعد الثورة؟» ورد الرجل قائلا «أنا واحد ممن وقعوا على نداء حملة تمرد ومن ضمن الذين طالبوا بإقالة مرسي، والذين قاموا بتأييد القادة العسكريين لأنهم هم الوحيدون الذين يستطيعون تمثيل الشعب المصري». وفي موضع آخر نقلت عن صحفية مسيحية قبطية قولها «نحن المسيحيين مستعدون للموت من أجل مصر الدولة المدنية التي تتمتع في ظلها كل الأديان بحقوق متساوية»، كما نقلت عن سيدة سلفية لأنها تريد تطبيق الشريعة مع علمها بأن ذلك يتنافى مع الديمقراطية، في حين نقلت عن سلفي يدعى محمد طلبة قوله إن الجماعة السلفية منقسمة إلى من يتبع خارطة الطريق ومن يؤيد الإخوان المسلمين، أي أن جزءا منها مستعد للتأقلم مع العلمانيين والتعايش مع مختلف الأطياف.
لقد توصلت الكاتبة الإيطالية – وفق الترجمة التي تلقيتها لهذا الحوار الإذاعي إلى ثلاث خلاصات مهمة:
أن للجيش الوطني مكانة في مصر لا يفهمها العقل الغربي، وقد أشرنا لهذه النقطة.
وهي تصل بالخصوصية المصرية.
وأن قسما كبيرا من السلفيين قادر على استيعاب المتغيرات وعلى التأقلم معها.
لكن أهم نقطة في حديثها تتصل بما قالته عن أن «المجتمع المصري يقوم على العرف والتقاليد أكثر مما يقوم على الدين» وهذه نقطة أخرى تصل بخصوصية الثقافة المصرية. وبوسعي أن أقول إن ملايين المصريين يعيشون هذه الحقيقة ويتصرفون على أساسها لكنهم قد لا يكونون واعين بها. نحن في حاجة إلى من ينظر إلى المشهد من الخارج ليرى حقيقتنا، وبوضوح قد لا يتيسر لنا نحن.