رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

سباق الحرب والسلام في سوريا

شهدت الفترة القصيرة الماضية تهديدات بتوجيه ضربة عسكرية لسوريا وخصوصا من جانب الولايات المتحدة الأمريكية، ويأتي هذا التهديد عقب أكثر من عامين من اندلاع الصراعات الداخلية في سوريا والتي تحولت إلى ما يشبه الحرب الأهلية، وكذلك عقب فترة وجيزة من توجيه اتهامات للنظام السوري باستخدام

الأسلحة الكيماوية ضد المدنيين وضرورة معاقبته ويثير ذلك تساؤلات عديدة تتعلق بموعد الضربة العسكرية والتي حددها البعض بأيام والبعض الآخر بساعات، وما تأثير ذلك على الأمن القومي المصري وعلى أمن المنطقة عموما، وموقف القوى الإقليمية والدولية في حالة توجيه هذه الضربة العسكرية، ولماذا تتخذ الولايات المتحدة هذا الموقف المتشدد تجاه سوريا وما علاقة ذلك بالاستراتيجية الأمريكية في المنطقة وتأثير ذلك على أمن اسرائيل، ويمكن في هذا الإطار الإشارة إلى الملاحظات التالية:-
أولا:- أن كل ما يحدث في سوريا من تطورات يرتبط ويؤثر تأثيرا مباشرا على الأمن القومي المصري، ولا تستطيع مصر أن تعزل نفسها عن الأحداث والتطورات التي تشهدها سوريا وتخبرنا عبرة التاريخ بأنه من الناحية الاستراتيجية فإن الدفاع عن مصر لا يكون عند الحدود المصرية فقط بل يكون من الشمال أي من منطقة الشام وسوريا، ولذلك فإن الانتصارات الهامة التي حققتها مصر عبر التاريخ كانت من خلال التحالف والتعاون الوثيق مع سوريا، كذلك فإن الضغوط والتهديدات التي تواجه سوريا ربما تعبر أيضا عن تهديد غير مباشر لمصر، ويتطلب الأمر دورا نشطا للدبلوماسية المصرية وعلى وجه السرعة لمحاولة احتواء التداعيات، وربما يتطلب الأمر أيضا التنسيق مع الصين والاتحاد السوفيتي وتوضيح ضرورة أن تكون القرارات المتخذة متسمة بالرشادة والعقلانية.
ثانيا: إن التهديدات ضد سوريا والرغبة في توجيه ضربة عسكرية لها لا تنفصل عن المشروع الأمريكي لتقسيم الشرق الأوسط أو الشرق الأوسط الجديد والذي يهدف إلى إثارة الاضطرابات والصراعات الدينية والعرقية في المنطقة لتحقيق التقسيم والتفتيت وذلك من خلال التركيز بصفة خاصة على الصراع السني الشيعي سواء كان ذلك الصراع داخليا أي داخل الدولة الواحدة مما يؤدي إلى التجزئة والتفتيت، أو صراعا اقليميا أي بين دول المنطقة، وبحيث يصبح الصراع السني الشيعي في هذه الحالة بديلا عن الصراع العربي الإسرائيلي وهو ما يحقق أحد الأهداف الهامة للسياسة الخارجية الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط وهو ضمان أمن إسرائيل والذي يتحقق من خلال انهاء الصراع العربي الإسرائيلي من جانب، وتفتيت دول المنطقة من جانب آخر، وبحيث تتحول المنطقة إلى دويلات صغيرة يكون لإسرائيل التفوق عليها، ولذلك فإن بعض الدول في المنطقة قد قسمت فعلا ويمكن الإشارة في ذلك إلى السودان والصومال، أو قد تواجه خطر التقسيم مثل العراق وليبيا واليمن وسوريا ولذلك يجب التنبه لهذا المخطط وتفويت فرص نجاحه.
ثالثا: إن التدخل العسكري في سوريا يثير الكثير من الحسابات المعقدة سواء على المستوى الدولي أو على المستوى الإقليمي، فعلى المستوى الدولي يتطلب الأمر لكي يكون التدخل مشروعا بموافقة مجلس الأمن على هذا التدخل وفقا للفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة وهو الأمر الذي يصعب حدوثه نظرا لأن روسيا والصين وهما من الدول ذات العضوية الدائمة في مجلس الأمن ستستخدمان حق الفيتو للحيلولة دون إصدار مثل هذا القرار،وهو ما يدفع الولايات المتحدة إلى التدخل تحت مظلة الناتو وربما بمظلة من بعض الدول العربية بحجة حماية المدنيين والاعتبارات الإنسانية

،خاصة أن المنظمة الدولية قد تبنت فكرة التدخل لحماية المدنيين الذين يواجهون الإبادة الجماعية أو جرائم ضد الإنسانية منذ عام 2005،وإن كان الأمر يتطلب في هذه الحالة الانتظار للتعرف على نتيجة التحقيق أو لجنة تقصي الحقائق بشأن تحديد المتسبب في استخدام الأسلحة الكيماوية، كذلك فإن الموقف الإقليمي شديد التعقيد لأنه بالإضافة لإيران وهي الحليف الرئيسي للنظام السوري في المنطقة يوجد حزب الله في لبنان وما يمكن أن يمثله من تهديد لإسرائيل،اضافة إلى القدرات العسكرية السورية والتي يحتمل استخدامها في حالة الضرورة ضد إسرائيل، فضلا عن وجود قاعدة بحرية روسية كبيرة في طرطوس في سوريا مما يجعل من روسيا طرفا  هاما في الأزمة.
رابعا: فلسفة الضربة العسكرية ضد سوريا، على الأرجح أن الضربة العسكرية ضد سوريا في حالة حدوثها سيكون هدفها إضعاف القدرات العسكرية للنظام السوري وتقوية المعارضة والتي يمكنها في فترة لاحقة اسقاط النظام وهو ما يمثل نوعا من تكرار السيناريو الليبي، وعلى الأرجح سيتم اختيار أهداف عسكرية محددة ويتم استهدافها جوا أو بالصواريخ دون إنزال قوات برية على الأرض السورية ،أي أنها ستكون ضربات محسوبة وليست حربا شاملة أو احتلالاً ولعل هذا ما أكده الرئيس الأمريكي في خطابه الأخير، وإن كانت قضية الرجوع للكونجرس تثير بدورها تساؤلات عديدة في حالة إقرار الكونجرس الأمريكي لخطة الرئيس في  توجيه ضربة عسكرية لسوريا وتأثير ذلك على شعبية الحزب الذي ينتمي إليه الرئيس وهو الحزب الديمقراطي في الانتخابات القادمة.
خامسا: الدروس المستفادة بالنسبة للعرب والتي تتمثل في أنه من غير المرغوب فيه من حيث المبدأ أن يحدث أي تدخل خارجي في أي دولة عربية لأن ذلك يؤثر على الأمن العربي ككل تأثيرا سلبيا ،فالتدخل الخارجي لا يمكن أن يصب في المصلحة العربية، كذلك يكون من المرغوب فيه حل الصراعات العربية في مستوياتها المختلفة في اطار عربي لأن الفشل في ذلك يتيح الفرصة للتدخلات الخارجية، كذلك فإن الفشل المتكرر للجامعة العربية في حل بعض الأزمات الهامة يثير التساؤل عن جدواها أو على الأقل ضرورة تفعيلها أو إعادة هيكلتها لكي تصبح أكثر قدرة على التأثير في الشأن العربي وليست مجرد مرآة تعكس الانقسامات العربية.