رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

المواجهة الراهنة إلى أين تمضى بنا؟

المواجهة الراهنة بين جماعات «الإسلام السياسي» من جهة وبين المجتمع والدولة من جهة أخرى هي المواجهة الثالثة منذ استدعى الرئيس أنور السادات جماعة الإخوان المسلمين من التيه الذي ألقت بها إليه حماقتها في 1954 وعجزها عن أن تنسى شيئاً أو أن تتعلم شيئاً، حسب تعبير واحد من أهم العارفين بحقيقتها وهو المعلق الراحل جمال البنا.. ولأن العهد الذي انتهى في يناير 2011 هو عهد السادات – مبارك، فنحن نعتبر أن ما يدور اليوم هو المواجهة الثالثة في ذلك العهد أي أن علاقة ما تربطها بالمواجهتين السابقتين: المواجهة الأولى بدأت بحادث الفنية العسكرية وانتهت باغتيال السادات، والثانية بدأت في 1992 وانتهت بمبادرة وقف العنف.. ولابد لقارئ التاريخ أن يفصل هاتين المواجهتين ومعهما الثالثة التي نعيشها اليوم عن المواجهة الأسبق، التي وقعت في الفترة الممتدة من محاولة اغتيال عبدالناصر وحتى عودة الإخوان في عهد وزارة ممدوح سالم.

تحدث كثيرون عن المواجهة المطولة الأولى التي استغرقت سبع سنوات في زمن السادات أما الثانية فوقعت في 1992 بعد أن تبين للدولة، كما يقول ستيفن كوك في كتابه «يتحكمون ولا يحكمون» أن المساحة التي أتاحتها للإخوان اتسعت بأكثر مما تريد.. يقول كوك: «في العام 1992، وبعد عشر سنوات من التعاون غير المعلن، حاولت الحكومة المصرية تدمير جماعة الإخوان المسلمين، التي تراكمت لديها قوة سياسية معتبرة سواء في مجلس الشعب المصري أو في النقابات المهنية ذات المكانة المحترمة في البلاد.. وما ترتب على ذلك كان حرباً من مستوى منخفض بين الدولة المصرية والمتطرفين الإسلاميين.. وفي العام ذاته ألغت القيادة العليا في الجزائر نتائج أول انتخابات تشريعية تنافسية على المستوى الوطني عندما تبين أن الجبهة الإسلامية التي تضم فصائل إسلامية عديدة حازت أغلبية كاسحة في البرلمان.. وكان الصراع الذي أعقب إلغاء نتائج الانتخابات صراعاً شرساً ترك وراءه مائة ألف قتيل من الجزائرين.. وفي تركيا فاز حزب إسلامي يدعى الرفاه بأغلبية الأصوات في الانتخابات العامة في ديسمبر 1995.. وبعد ذلك بستة أشهر أصبح حزب الرفاه هو الحزب الأول بين أحزاب التحالف الحاكم، ورغم ذلك، وخلال عام واحد تهاوت تلك الحكومة تحت ضغط شديد من النخبة الكمالية التركية، خاصة من كبار القادة العسكريين».
لا أوافق ستيفن كوك على تحليلاته ولا على الزاوية التي يصر على أن ينظر من خلالها إلى بلدان الشرق المسلمة.. لكني أستشهد به لأسباب منها أن السطور التي نقلناها عن كتابه تكشف الصلة الوثيقة بين الإخوان المسلمين والجماعات المتطرفة المسلحة التي انتفضت لحماية مكاسب الإخوان في التسعينيات، وبالتالي فالحديث عن معتدلين ومتطرفين هو مجرد تقسيم أدوار، والسبب الآخر هو أن الشعور بخطر الإخوان على الدولة الوطنية ليس شعوراً مصرياً فقط، بل هو موقف دولي يواجه تنظيماً دولياً، وإن كانت كل دولة تواجه حصتها من هذا الخطر بطريقتها التي تقررها خصوصية التاريخ الوطني، والسبب الثالث الذي جعلني أقف أمام هذه السطور هو تصوري أن المواجهة الراهنة قد تستغرق الزمن الذي استغرقته المواجهة السابقة التي وصفها الكاتب بأنها كانت «حرباً من مستوى منخفض بين الدولة المصرية والمتطرفين الإسلاميين» لخمس

سنوات.
لكن هناك فروقاً لا تخطئها عين بين ما جرى في 1992 - 1997 وما يجري الآن: فالتاريخ السياسي لمصر مبارك الذي وسع مشاركة الإسلاميين في الحياة العامة وضع حدودا لأعمال العنف غير الحدود التي تفرضها بنية هذه الجماعات وقدراتها المتواضعة ووقوعها في محيط مصري سني كاره للعنف، اللعبة البرلمانية أذاقت الإخوان حلاوة العمل الشرعي الناجح، وإن كانوا قد بددوا ثمرة هذا النجاح،ولهذا فسوف يبقى العنف محدوداً، وقد يكون مجاله الرئيسي هو المناطق الحدودية وليس وادي النيل.. وإذا كان الإخوان قد تركوا للجماعات التكفيرية الهامشية ممارسة العنف في التسعينيات فانخراطهم المكشوف فيه اليوم يصعب أن يستمر وسوف يبقى محدودا بحدود «الجهاد اللين» بتعبير نبيل نعيم، أو «جهاد الجبناء»  الذي يتلخص في أعمال اغتيال وتفجيرات وإلقاء للصبية من فوق الأسطح، وهي أمور تستفز المجتمع فيسارع إلى اقتلاع مرتكبيها.
إضافة إلى ذلك فالمواجهة اليوم ليست بين دولة وإسلاميين أو بين عسكريين وإسلاميين كما يراها كوك ورجال مثل العريان والبلتاجي وغيرهما، بل هي بين الكتلة المدنية التي انحازت إليها الدولة منذ 30 يونية 2013 وبين فصيل يقدر صديق الإسلاميين جون ماكين بأنه يمثل ثلاثين بالمائة من الشارع السياسي.. وهذه الكتلة المدنية تفتح للمواجهة أفقا ديمقراطيا يمكن أن تستفيد منه كافة الأطراف: الأغلبية والأقلية.
لكن المشكلة الكبرى هي أن السادات ومبارك استدعيا الإسلاميين من التيه من دون وضع إطار سياسي – قانوني معلن وخاضع لرقابة مجتمعية وبرلمانية، إطار يحكم حركتهم وعلاقتهم بالمجتمع والدولة.. جاء الإخوان ومعهم أفكارهم الموروثة عن حسن البنا والتي تحتمل التفسير وعكسه إضافة إلى أفكار سيد قطب المريضة والكارهة للمجتمع والخائفة من حركة التاريخ، وعندما أوكل الإخوان إلى الجماعات المسلحة في 1992 مهمة ترويع المجتمع والدولة اكتفت الدولة بمراجعات اقتصرت على الجماعات وبقي فكر الإخوان وعناصرهم التكفيرية دون مساس، فهل الأفق الديمقراطي الذي اتسع بعد 30 يونية 2013 سيقودنا إلى مراجعة لفكر الإخوان قبل السماح لهم بالعودة إلى العمل المشروع؟.. لابد أن يسبق ذلك استئصال الداعين للعنف والمتورطين فيه وبعدها يكون لكل حادث حديث.