عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

ما بين الاستقطاب والمعادلات الصفرية

عرفت مصر، كما عرف شعب مصر طوال تاريخه بالاعتدال والوسطية والمرونة والليونة - بغير إفراط ولا تفريط - فى كل شىء، ولم يكن حتى مجرد التطرف، أو التشبث بالمواقف ديدن أى فصيل أو جماعة سياسية أو اجتماعية أو حتى فرد عادى من أفراد المجتمع المصرى، وذلك لأن، ومما هو معروف بالضرورة، أن التشبث بالمواقف، وفرض الرؤى بالقوة - سواء كانت ناعمة أو خشنة - يقود إلى، فضلاً عن التخلف والفساد والاستبداد، إلى الجمود فى المكان والزمان، ومن ثم الضمور، والهلاك فى نهاية المطاف.

ولعل تلك الميزة، أو بالأحرى المزية، التى تكاد تكون متأصلة جينياً، أو وراثياً بالفعل، فى الوجدان المصرى الفردى  والجمعى، وعلى مر العصور، كانت بمثابة  ما يمكن تسميته، بشفرة الاستمرارية الحضارية غير المنقطعة لمصر وللشعب المصرى منذ عهد الفراعنة وحتى الآن.. فكما يذكر العديد من المؤرخين العرب والأجانب، فضلاً عن المستشرقين، أن كل الحضارات الأخرى التى وفدت إلى مصر منذ الدولة الإغريقية مروراً بالرومانية، فالبيزنطية وحتى الفتح الإسلامى لمصر، قد انصهرت وذابت جميعاً فى أصول وروافد الحضارة المصرية، وليس العكس، وغابت هى وبقيت مصر! 
وإذا كان أصحاب الرؤى المفروضة بقوة السلطة والنفوذ، أو ما يسمى بالأكثرية فى الشارع السياسى، أو غيره من شوارع وحوارى وزقاق أخرى - وذلك فى أى عهد من عهود تاريخ مصر الحديث - ودون أية حجية منطقية وعملية، أو «براجماتية»، أو نفعية، تستند إلى الواقع، يرون أن ما يفرضونه هو الفضيلة المطلقة، أو العدل المطلق، أو الحقيقة المطلقة، أو ما يسمى بـ «الدوجما»، ومن ثم فإنه واجب النفاذ والتطبيق، ورغم أنف الجميع، فإن ذلك سوف يكون مآله، وفي نهاية المطاف، أحد الأمرين، أو كلاهما معا، فإما أن يلفظ جينياً، أو وراثياً، على المستوى الفردى والجمعى، أو أن يثور كافة أفراد وطوائف الشعب معا ضده، وفى وقت واحد، وذلك بدون أى  تنسيق أو اتفاق أو حتى تخطيط وترتيب مسبق، وكما حدث إبان ثورة 25 يناير، وما يمكن أن يليها من ثورات أخرى محتملة الوقوع.. فيا ليت، ومن الآن، أن يعتبر كل من يريد أن يعتبر بغير تكرار نمطى وممل - ومكلف بطبيعة الحال - وغير موفق، أو غير حصيف، للأخطاء، وذلك لأن الكلفة فى هذه الحالة  لن تكون على حساب فرد، أو جماعة بعينها، بل سوف تتحملها مصر كلها، وليس فقط على حساب الأجيال القادمة، ولكن أيضاً من تاريخها!
إذن ما نراه الآن على الساحة المصرية، ومن كافة الفصائل «المتناحرة» هو غريب، وبعيد كل البعد عن طبائع مصر والمجتمع المصرى، فضلاً عن حركة التاريخ ذاته، فليس من المقبول وفى ظل تلك الأجواء المشحونة، وتلك الحالة الاقتصادية المزرية التى وصلت إليها البلاد، أن يصر كل فصيل سياسى على موقفه، أو مبدأه تاركاً أنصاره فى الشارع ككتل بشرية تموج فى جغرافيا مصر،

ولا تعوق فقط حركة المواصلات، ولكن أيضاً حركة الاقتصاد المصرى ذاته، الذى هو فى أمس الحاجة الآن إلى بعض الاستقرار - ولا أريد أن أقول، والعياذ بالله، إلى غرفة الانعاش! - لجلب وجذب وتشجيع الاستثمار الخارجى للاستثمار الحقيقى فى مصر، وليس فقط عن طريق بيع أذون الخزانة، التى هى عملية اقتراض فى جوهرها وليس استثمار، ومن ثم فهى تشكل عبئاً، وفى نهاية المطاف على الاقتصاد المصرى، تتمثل فى تسديد أعباء تلك السندات، التى منها الفائدة السنوية المفروضة، أو المضروبة عليها!
إذن ليس من العيب، كما ليس من التنازل المعيب، ومن ثم الهزيمة، فى شىء، أن يتنازل كل طرف من أطراف العملية السياسية فى مصر على كل، أو جل، ما ليس عليه إجماع، أو توافق واتفاق بين النخب ذاتها من ناحية، وكذا كافة أفراد وطوائف المجتمع المصرى من ناحية أخرى، ودون أية إقصاءات، أو «استخفافات»، بأى طرف، أو فصيل، أو حتى مجرد فرد عادى من أفراد المجتمع، وذلك للوصول إلى حلول، أوحتى حل وسط A compromise متوافق عليه، يمكن أن يقود مصر وشعبها، إلى بر أمان خلال تلك المرحلة الإنتقالية الصعبة والحرجة التى تمر بها البلاد، التى نتمنى أن تقل حتى عن الستة أشهر التى أعلنتها مؤسسة الرئاسة، إن أمكن.
أما الاحتكام إلى المعادلات الصفرية الإقصائية الضيقة - ولا نتجاوز حتى إذا قلنا الشيطانية - التى يتمسك كل طرف فيها بمواقفه، أى إن كان هذا الطرف، أو هذا الفصيل، فإما أن تقبل كلها - ويرفض وفى ذات الوقت كل ما يطرحه الآخر - أو ترفض كلها ويكون عندئذ التهديد بكل الوعيد والموت والثبور وعظائم الأمور لكل من اعترض عليها وحال دون تلبيتها، فلن تقود إلا أصحابها فقط، وفى نهاية الأمر، إلى الانزواء، أو حتى الاندثار من الحياة السياسية، وحتى الضمير الجمعى للمجتمع المصرى فى الأجل المتوسط، والبعيد، على السواء!


[email protected]