رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

لا ماليزيا ولا تركيا: باكستان هي النموذج

قرأنا جميعا عن مهاتير وعن تجربته الفريدة، وقد قابلت مهاتير أربع مرات في ماليزيا وخارجها، وبما أنه موجود في مصر وأنا أكتب هذا المقال فلابد من المقارنة بين تجربتنا وتجربتهم. بداية فقد نجحت ماليزيا بعد ان وقفت على شفا الحرب الأهلية لكن الوحدة الوطنية انتصرت وأصبحت حجر الأساس الذي قامت عليه ماليزيا.

وعندنا في مصر وحدة وطنية قديمة قدم الدهر وكان يمكن أن تكون أساسا لنهضة حقيقية، لكن النخبة الموجودة في الحكم الآن يرتبط حاضرها وماضيها بالعمل المتواصل على تفتيت الوحدة الوطنية. الإخوان المسلمون والجماعات التي خرج من عباءتهم أساتذة في الترويج للأحقاد الطائفية، فكيف يمكن لنا أن نقتدي بماليزيا الوطنية الموحدة والمشروع السياسي الراهن طائفي تفتيتي؟
لنتذكر أيضا أن ماليزيا نهضت بمساعدة من كوريا الجنوبية تحت إشراف من اليابان التي رعت الدولتين وفي إطار نهضة إقليمية عامة في الدول المجاورة شملت تايلاند وإندونيسيا. فهل يتخيل أحد أن تركيا ستأخذ بيد مصر كما أخذت اليابان بأيدي شقيقاتها الآسيويات؟ بالقطع لا. تركيا لاتزال على أول طريق النهضة. لم تحقق التراكم الذي تمتعت به اليابان قبل أن تبدأ باستنهاض شقيقاتها الآسيويات. وتركيا ليست بحاجة إلى جارات قويات بل هي بحاجة إلى «مجال حيوي» بالمعنى الاقتصادي، أي إلى بلاد تستثمر فيها وتغتني من ورائها. كما أن نهضة تركيا لا تقوم على إجماع وطني يماثل الإجماع الذي قامت عليه تجربة اليابان أو الصين أو كوريا الجنوبية أو ماليزيا.
لا أقصد هنا ان أردد الكلام الأهبل الذي يروج له الإخوان – نقلا عن معلقين غربيين سطحيين - من أن الأردوغانية معادية للكمالية . الأردوغانية تطوير للكمالية، والعثمانية الجديدة أساسها موجود في أدبيات الكمالية، بكل وضوح، ويقوم على «خلافة إسلامية روحية، لا علاقة لها بالسياسة، وجهاز دولة محايد» ولو فكر أردوغان بغير ذلك فسوف يختفي هو وحزبه من الوجود.
قد نعود لتوضيح حقيقة التجربة التركية فيما بعد لكن يكفي الآن أن نقول إن مصر لن تجد في تركيا النصير الذي وجدته ماليزيا في اليابان وكوريا الجنوبية. ومن يتصور ان قطر تسد هذا النقص عبيط، فمع احترامي لقطر فهي تملك المال ولا تملك الخبرات الفنية والسياسية والموقع الإقليمي والدولي  اللازم لرعاية نهضة إقليمية. من يتصور أن المصريين أو السوريين ينظرون للقطريين بنفس نظرة الماليزيين لليابان او كوريا الجنوبية؟
أضف إلى ذلك أن المحيط الإقليمي الذي نشأت فيه تجربة ماليزيا كان مستقرا برعاية الولايات المتحدة. لكن الرعاية الأمريكية لنهضة في منطقتنا لن تمر إلا عبر التسليم بقيادة إسرائيل للمنطقة، وربما كانت تركيا وقطر تعملان على إزالة العقبات من طريق إسرائيل لكن إسرائيل ،حتى وإن رضخ العرب لكل ما تريد، هي دولة أبارتهايد مراهقة، أسوأ من  جنوب أفريقيا قبل مانديلا، وبالتالي فهي لا تعرف كيف تتعايش فكيف تتوقع منها أن تعرف كيف تقود؟كيف يكون القائد للمنطقة دولة يكرهها كل من في المنطقة؟
ومن المؤكد ان التنازل  عن 720 كيلومترا مربعا لإسرائيل كي تعطيها لغزة لن يكون طريقا للسلام،

بل قد يكون بداية لعقد كامل من العواصف السياسية في مصر وحولها، وهي عواصف ربما يزيد عنفها عن العواصف التي انفجرت عندما رضخ السادات لمطالب إسرائيل في السبعينات. وليعلم الجميع أن من يتجاهل المشاعر الوطنية المشتعلة ويتساهل مع الخصم سيكون مصيره القتل، كما جرى لشركاء التساهل المتبادل: السادات ورابين وعرفات.
والمقدمات واضحة في هذا الاضطراب الذي قد يتصاعد حتى تكتمل الأجواء اللازمة لتمرير تنازل إقليمي خطير تحقق به إسرائيل رؤيتها للمرحلة الراهنة من صراعها مع الوطنية الفلسطينية. إسرائيل تريد الآن الانتقال من فكرة حل الدولتين (دولة لليهود وأخرى للعرب على أرض فلسطين التاريخية) إلى حل الدول الثلاث، وربما الدول الأربع: دولة لحماس في غزة، وأخرى لفتح في الضفة الغربية، ودولة إسرائيل، وربما أيضا دويلة بدوية في سيناء.
وقد يتوهم أي ناصح على قمة السلطة من هواة الحكم الإخوانيين أن دولة الضفة ستتحد مع الأردن ودولة غزة ستتحد مع مصر. وقد يسهل له هذا الوهم التنازل «الآن» عن أرض في سيناء حتى تعود لنا وفوقها غزة «فيما بعد». وبغض النظر عن هذه الأوهام فالمؤكد أن الأجواء ليست أجواء نهضة بل أجواء ترتيبات إقليمية تثير الاضطراب والفوضى: بين المسلمين والمسيحيين ، بين السنة والشيعة، بين الصوفية (من عشرة إلى خمسة عشر مليونا في مصر) والسلفيين، بين سيناء والوادي، بين النوبة وغيرهم من المصريين.
هذا يجعلنا أقرب إلى النموذج الباكستاني حيث كل جماعة وطنية تتربص بالجماعات الأخرى، والشعب والدولة في احتراب متصل. في لحظة ميلاد باكستان قال شاعرها الأكبر محمد إقبال: «دولة الإسلام تبقى أبدا». لكن باكستان انقسمت بانفصال بنجلاديش بحرب أهلية بشعة. ثم هي اليوم تعاني من اضطرابات عرقية وإثنية لا تهدأ.. لماذا؟ لأن الإسلام دين وليس دولة. ولهذا فتاريخها المعاصر يعكس كل التاريخ الدموي للقبائل العربية الحربية التي حاولت جعل الدين دولة وفشلت.
لكن هواة الحكم الإخوانيين في بلادنا مصرون على إعادة إنتاج الفشل لتحويل مصر إلى باكستان جديدة. فهل نتركهم يواصلون العبث الدموي؟