رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

إعصار تدمير الذكريات والأحلام

عندما جىء بالتلفاز إلي ربوع مصر، وقتها قيل في وصفه، من باب التباهي، إنه ولد عملاقاً، ولأنه ولد كذلك، أي متعملقاً، روعى أن تكون مشاهدة إرساله، غير مدفوعة الثمن، أي مجاناً، كالماء والهواء.

وكان من أثر ذلك السخاء، أن أقبل الناس علي ما يبثه التلفاز، وأغلبه هراء، مما كان سبباً في إشباع الولع بالصورة المتحركة، على نحو أغنى الناس عن ركوب مشاق الذهاب إلي دور السينما.
وبحكم ذلك، كان حتماً، أن يأخذ جمهور تلك الدور في التقلص، شيئاً فشيئاً، مما كان له أثره علي إيراداتها، الأمر الذي اضطر أغلب أصحابها إلي إغلاقها، تجنباً لإشهار الإفلاس.
وهكذا، وعلى مدي أكثر من نصف قرن من عمر الزمان، اختفت من الوجود، مئات دور السينما، لتحل محلها أماكن لوقوف السيارات، وعمارات قبيحة للسكن الإداري وأبراج أكثر قبحاً.
وفي غياب أي سياسة ممنهجة في هذا الشأن لوزارة الثقافة التي لم تحرك ساكناً لحماية دور السينما، مما يتهددها من مخاطر جسام.
فحتي دور السينما التي صمدت، متحدية إعصار التلفاز، مثل دارى سينما مترو، وسينما ريڤولى، وكلتاهما كانت مفخرة معمارية، تستوجب الحفاظ عليها، بوصفها مكوناً من مكونات تراث القاهرة، علي مر العصور تعرضت، هي الأخرى، لمعاول الهدم والتشويه، فدار سينما مترو، التي كانت، قبل سبعين عاماً، أول دار مكيفة الهواء، في شرقنا العربي، جرى تجزئتها علي نحو أفقدها الكثير من جمال معمارها، الذي جعلها متميزة علي جميع دور السينما، في العاصمة المصرية.
أما دار سينما ريڤولى، فقد طمست معالمها تماماً بحيث أصبحت أقرب إلي سويقة، دميمة، طاردة لعشاق فن السينما.
ولعل خير وصف لذلك الإعصار، وما نجم عنه من دمار لدور السينما، بطول وعرض البلاد ما جاء في مقال للأديب السكندري «إبراهيم عبدالمجيد» وصفاً لما خلفه ذلك الإعصار، في الإسكندرية ثاني المدن المصرية.
في وصفه للدمار الذي ألحقه الإعصار، كتب الأديب الأدرى بشعاب مدينته الجميلة، متحسراً:
«مع كل سينما يتم إغلاقها في الإسكندرية من زمان، وأنا أعرف أن هدم دور السينما في كل البلاد العربية عملية مخططة، ليست عشوائية أبداً، وراءها بعض رجال الأعمال الجشعين الذين أرادوا الاستفادة من المكان لبناء عمارات أو أنشطة

تجارية، أكثر ربحًا.
والأهم، أن وراءها أفكاراً رجعية تري فن السينما حراماً لا نعرف نحن مصدر تحريمه.
هؤلاء الذين فعلوا ذلك، لم يعرفوا بالطبع أنهم حرموا طوائف الشعب من أجمل متعة احتفالية، يشارك فيها مئات الناس، ضمن صمت جليل يليق بالفن، وضمن توحيد عميق مع الجماعة من النظارة».
ثم تساءل صاحب المقال قائلاً: «كم داراً للسينما تم هدمها في الإسكندرية؟» لتكون الإجابة «أكثر من ثلاثين داراً» آخرها دار سينما ريالتو، التي جري هدمها، قبل بضعة أسابيع.
وعن شركة الاستثمار العقاري التي اشترتها، وكيف راوغت، فأعلنت كذباً أنها ستقوم بتطويرها وتأكيداً لذلك، وضعت لافتة كبيرة تقول «ريالتو تولد من جديد».
غير أنها علي العكس من ذلك، أطاحت بما تبقي من مبناها، بحيث أصبحت هباء.
عن كل ذلك أخرج محمد نبيل وغادة عصام وسارة سويدان فيلماً قصيراً، تحت عنوان: «كيف تولد ريالتو من جديد؟».
ولقد أعادت سحابة الغبار المتصاعدة من حطام «ريالتو» في الفيلم إلى شاشة ذاكرتى مشهد الختام من فيلم آخر هو «سينما باراديزو» الفائز بجائزة أوسكار أفضل فيلم أجنبي، حيث يعود المخرج، بعد غياب ثلاثين عاماً، إلي قريته، فيشهد وقائع هدم سينما القرية التي ارتبطت طفولته بها، بعد أن تقرر استبدال موقف سيارات بها.
وبينما أهل القرية ملتفون حول دار السينما العتيقة، يعلو صوت تفجير، ثم تتهاوى الجدران، وسط سحابة كثيفة من الغبار ومع الجدران التي لوحتها الشمس لعقود طويلة، تتهاوى كذلك الذكريات والأحلام.