رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

من المقاطعة للمشاركة: حينما يدعو شيوعيُ لدعم مُرشح الإخوان

مع مرور الوقت يزداد المشهد السياسي المصري تعقيداً، فالمصالح مُتشابكة مُتداخلة تتوافق تارةً و تتصارع تارات؛ و لا تملك أيٌ من القوى المتصارعة القدرة على حسم الصراع لصالحها؛ فنحن أمام حالة شبه مثالية من توازن الردع، فكلُ لديه أسلحته، فللجنرالات مُدرعاتهم، و للإخوان تنظيمهم الفولاذي المُستعد دائماً، و لجماهير الثورة ميادينهم الغاضبة.

و من خلال هذا المنظور المُجرد المبني في الأساس على قراءة خريطة صراع المصالح و تشابكها، سأعرض ما أراه معقولاً بخصوص مسألة مقاطعة جولة الإعادة للإنتخابات الرئاسية؛ و لكن قبل ذلك سأعلق على نتيجة الجولة الأولى من الإنتخابات؛
تصيبني الدهشة حينما أسمع البعض يتحدث عن تفاجئه و إحباطه من نتيجة الجولة الأولى، فلا أعلم عن أي مفاجأة يتحدثون؛ هل مفاجئة تصدر مرشح أقوى تنظيم سياسي-إجتماعي في الشرق الأوسط لنتيجة الإنتخابات ؟
أم مفاجئة أن الدولة المصرية العميقة القميئة ما زالت مُحافظة على دوائر نفوذها و سطوتها ؟ لقد كان كل ذلك متوقعاً و مفهوماً، أما عن المفاجئة النسبية، فقد تمثلت في إختيار دولة الفساد و الإستبداد لشفيق، الضعيف، على حساب عمرو موسى، الأكثر جاذبيةً و لمعاناً، ليكون مرشحها في الإنتخابات؛ و لكني أيضاً اتفهم ذلك، على إعتبار أن التحكم بشخصية مُترهلة كشخصية شفيق، أسهل كثيراً من التحكم بشخصية كاريزمية بتركيبة شخصية عمرو موسى.
هذا بالإضافة إلى النتيجة الغير متوقعة التي حققها حمدين صباحي، بخلاف ذلك، فقد جاء كل شيء حسب المُقَرر؛ فصوتت جماهير الثورة لصالح من ظنوا أنه معبراً عنها، و صوتت غالبية جماهير التيار الديني لصالح مُرشح الإخوان المسلمين و ألقى الفلول بثقلهم وراء رئيس وزراء اخر وزارات الدكتاتور.


انتهت الجولة الأولى، و وصل المصريون إلى نقطة الإختيار بين مرشح الإخوان و مرشح دولة مبارك؛ و يا له من مأزق، تعامل معه البعض بإعلان المقاطعة، بينما عزم غيرهم على إبطال أصواتهم، و أعلن آخرون دعمهم لمحمد مرسي باعتباره أخف الضررين. 
في البداية، و قبل أن أعرض ما أراه معقولاً بخصوص المشاركة في جولة الإعادة من عدمها، يجب أن أوضح أني كنت من المقاطعين للجولة الأولى من الإنتخابات، فقد رأيتها مسرحية بطلها المرشح التوافقي الذي عرّفته بأنه المُرشح الذي لن يخشاه الجنرالات، و لن يرفضه مكتب الإرشاد.
و بالرغم من ذلك، فأنا أدعو كل من يقرأ هذة السطور إلى النزول و إنتخاب محمد مرسي رئيساً لمصر !
سيصرخ في وجهي أحدهم و يقول: " ايه التناقض ده ؟ ازاي كنت مقاطع الجولة الأولى اللي كان فيها مرشحين يميلون للثورة أكثر من غيرهم، و جي تشارك في جولة الإعادة اللي مفيهش غير مرشح فلول و التاني إخوان ؟"
أظن إن السبيل الأنسب لتفسير موقفي هو توضيح المُتغيرات التي أرى أنها طرأت على المعادلة التي حكمت كل ما جرى في مصر منذ خلع مبارك، معادلة تحالف الإجبار لا الإختيار، التي فرضتها الظروف الموضوعية المُجردة على أكثر أطراف الصراع تماسكاً و تنظيماً، و هما مؤسسة الجيش مُمثلة في المجلس العسكري–فالجيش المصري لا يقف عند كونه أحد مؤسسات الدولة كباقي جيوش العالم الأول و الثاني، بل يتجاوز ذلك بمراحل، فهو دولة داخل الدولة- و جماعة الإخوان المسلمين.
فكلاهما يحتاج الآخر، فالإخوان في حاجة للإستناد إلى الذراع القمعية للدولة و هو الجيش في الأساس؛ بينما يحتاج العسكر إلى الغطاء الشعبي الذي توفره لهم جماعة الإخوان ليؤمنوا مصالحهم المُتشعبة.
السؤال المطروح هنا هو، هل ما زالت تلك الحالة التوافقية حاكمة لعلاقة العسكر بالإخوان ؟
الإجابة لا، أو على الأقل ليس كما كانت من قبل، يتضح لنا هذا من خلال نتيجة الجولة الأولى للإنتخابات، فكلنا يعلم الأن أن أحمد شفيق هو مرشح المجلس العسكري الذي سخرت له ماكينة الحزب الوطني المُنحل كل طاقتها في الحشد و توجيه الناخبين، و لم يتوقف الأمر عند هذا، فقد شاب الإنتخابات العديد من شُبهات التزوير و التلاعب بالأصواتبالأصوات، فلا أحد يعلم كيف ارتفع عدد من يحق لهم التصويت من 42 ل 50 مليوناً في ظرف ما لا يزيد عن ستة أشهر !
الأزمة هنا تتمثل في أن شفيق لا تنطبق عليه شروط المرشح التوافقي؛ صحيح أن الجنرلات يتمنوه، و لكن الإخوان يرفضونه؛ فهو عسكري، يرفض أي حديث عن تطبيق الشريعة، و يمثل تجسيداً حرفياً لكل ما كرهه الإخوان في نظام مبارك؛ دلالة ذلك هو أن الجنرالات قرروا أن يُعجلوا بلحظة الصدام مع الجماعة.
فتحالف العسكر مع الجماعة لم يكن يوماً تحالفاً مُصمتاً جامداً بل على العكس من ذلك، فهو تحالف يسمح بالكثير من الشد و الجذب من خلال التصريحات و الجعجعات، لكنه لا يسمح بمجيء شخص كشفيق رئيساً للجمهورية.
سيرد عليا أحد المتحمسين و يقول: " و فيها ايه لما العسكر يصطدموا بالإخوان ؟ اللهم اضرب الظالمين بالظالمين، كدة كدة الثورة مستمرة "
و في ردي على ذلك، أولاً، أود أن أوضح أن مساواة الإخوان بالعسكر أو بفلول الدكتاتور، تعتبر سُخفاً و نوعاً من أنواع الهرتلة؛ الإخوان المسلمون تيار إصلاحي مُحافظ بما يحمله ذلك من معاني الإنتهازية و الرجعية و الجُبن، و لكنهم لم ينهبوا الوطن و لم يسفكوا دماء شبابه كما فعل الدكتاتور و جنرالاته، لذا فالمساواة ظالمة مُجحفة.
ثانياً و الأهم بخصوص إصطدام العسكر بالإخوان و اثره على الثورة، تبرز خطورة ذلك على الثورة في حالة إنتصار العسكر على الجماعة في صراعهم -أي في حالة تنصيب شفيق رئيساً للجمهورية- فيما هو أكثر تعقيداً من فكرة أفضلية "ظروف النضال" تحت حكم مُرشح الإخوان عنها تحت حكم مرشح العسكر؛
لأن ذلك – أي تنصيب شفيق رئيساً- سيترتب عليه إختلال عنيف في توازنات القوى الراهنة، فوقتها سترجح كفة العسكر في كل صراع و ستعود دولة الفساد و الإستبداد إلى قمة عنفوانها و بطشها بكل من يقف أمامها، و ستبدأ عملية سحق سريع لكل ما يمت للثورة بصلة –و قد شهدنا مقدمة لذلك بالأمس في قنا، حينما خرج أنصار شفيق بالأسلحة النارية لتفريق مظاهرة مُناهضة له، و يكفينا ظهور كائن طُفيلي كعبد الرحيم الغول من جديد بعد سقوطه المُهين في الإنتخابات البرلمانية.
و لكن كيف سيحدث هذا و برلمان الإخوان هو من سيحدد صلاحيات الرئيس ؟ بسيطة، يصدر حكم الدستورية العليا بحل البرلمان و يتهاوى الإخوان و تتهاوى معهم حالة توازن القوى.
فوز مرسي بإنتخابات الرئاسة سيؤجل حدوث كل هذا و لو مؤقتاً، فللإخوان مصلحة من تحقيق بعض أهداف الثورة؛ كنزاهة الإنتخابات –المُهددة بشدة حالياً- و القضاء على دوائر نفوذ أعضاء حزب الدكتاتور و خلافه.
يجب علينا أن نلاحظ أن في كل مناسبات تجرأ العسكر على الثوار، في مجازر محمد محمود، و مجلس الوزراء و

أخيراً العباسية، كان هناك عاملاً مُشتركاً فيما بينها، و هو عدم تواجد الإخوان المسلمين في مواقع الإشتباك، سيندفع القارىء و يقول: " ما هو عشان كدة بالظبط، احنا هنقاطع و مش هندعم مرشح الكيان اللي سكت على قتلنا "
و للرد على هذا أعود و أكرر أن هذا التخاذل المُتواطىء يرجع إلى طبيعة تركيبة الإخوان الرجعية الغير تصادمية، و الأهم من ذلك هو أن هذا حدث في سياق لحظة التحالف، أما الأن فنحن على بعد شهور أو حتى أسابيع من لحظة الصدام الحتمية بين العسكر و الإخوان –طبعاً أقول كل هذا في سياق الوضع الراهن و قد يتبدل كل شيء في أي لحظة قادمة.

يعود قارىء ما سبق من سطور و يسأل: " ما حتى لو قوى الثورة دعموا محمد مرسي قدام شفيق، ايه اللي هيحصل يعني، احنا مش كتلة تصويتية كبيرة، فحتى لو نزلنا و صوتنا لمرسي، فا ده مش هيمنع تنصيب شفيق بالتزوير "
لا بل سيمنعه، صحيح أنه لن يمنع التزوير نهائياً، و لكنه سيحصره في أضيق النطاقات، كيف سيكون هذا ؟
لن يجرأ العسكر على التزوير الكُلي لإنتخابات جولة الإعادة إلا إذا شعروا أن الإخوان وحدهم في المعركة، صحيح أن قوى الثورة لا تمتلك قوة عددية، و لكنها تمتلك تميزاً نوعياً يتمثل في قدرتها على التحرك الثوري على الأرض بما يحمله ذلك من تهديد لجنرالات المجلس العسكري، فبهذة الميزة النسبية، نجحنا في الإطاحة بمبارك و هم يدركون ذلك جيداً؛ فإصطفاف القوى الثورية -المؤقت- وراء مرشح الجماعة، سيحد من قدرة العسكر على التزوير الفج الصريح.
كما أن وجود الإخوان كقوة لها ثقلها في سيرورة الصراع، يُحجم من سطوة الجنرالات و يتيح للثوار فرصة الإستفادة من حرب تكسير العظام الدائرة بين الجماعة و المجلس العسكري.
يتبنى بعض المقاطعين موقفاً أراه غريباً، يقول هؤلاء أن وصول الإخوان للحكم سيعني بقائهم فيه، و يسترشدون بالحالة الإيرانية للبرهنة على طرحهم؛ و في هذا الطرح أكثر من نقيصة، فالمقارنة غير دقيقة بالمرة، ففي الحالة الإيرانية كان هناك ميليشيات مُسلحة داعمة للخميني –تحولت تلك الميليشيات فيما بعد إلى نواة تكوين الحرس الثوري- و كانوا اليد القمعية لنظامه الناشىء التي دحرت كل منابر معارضته.
و هنا يكمن الإختلاف الجوهري، فالإخوان لا يملكون أي ذراع قمعي، كل ما لديهم هو ملايين رجال الأعمال المُنتمين للإخوان و حماس قواعدهم من الشباب المُخلص لما تقوم عليه الجماعة من مبادىء.
النقيصة الثانية المُتعلقة بهذا الطرح تتمثل في إغفال و تجاهل ما ستخوضه الجماعة من صراعات مع قطاعات واسعة من طبقات المجتمع المُتنفذة، بالإضافة إلى صراعهم الأساسي مع العسكر حتى و إن ظفروا بالرئاسة؛ لذا فالإخوان لا يملكون القدرة القمعية للبقاء في الحكم بل انهم لا يملكون القدرة القمعية للوصول للحكم من الأساس.


هل أقصد بكل ذلك أن فوز مرسي بانتخابات الرئاسة هو شرط إستمرار الثورة ؟
بالقطع لا، فالثورة مُستمرة تحت أي ظرف، فالثورة كالمادة لا تفنى و لا تُستحدث من عدم، و لكنها تتحول من صورة إلى أخرى؛ و تلك هي النقطة المحورية فيما أطرحه، فالثورة في حالة تنصيب شفيق رئيساً، قد تتحول لحالة من التنفيس الدموي عن آبار الغضب الدفين في صدور الفقراء و المسحوقين و المُهمشين؛
سيرد علي أحد الرفاق و يقول: " طب و ايه المشكلة في ده ؟ "
و عليه أرد و أقول أن المشكلة في ذلك تتمثل في أن تلك الثورة لن تنجح في تحقيق مجتمع العدل و الإنصاف، لأنها ستفتقد إلى الوعي السياسي المطلوب لترشيد غضبها و توجيه تحركها. أما في حالة وجود محمد مرسي في منصب الرئيس، سيستمر الجنرالات و قيادة الإخوان –و أنا أقصد استخدام تعبير "قيادة الإخوان"- في صراعهم بينما يعمل الثوار على تجذير الثورة مُجتمعياً و طبقياً في ظل حالة توازن الردع التي سيحققها فوز محمد مرسي بانتخابات الرئاسة.
الموقف يشبه كثيراً حالة التردد و " المرقعة " التي أصابت جماهير الثورة حينما توجه الحازمون للإعتصام أمام وزارة الدفاع، و تخاذل حينها عدد ليس بقليل من جماهير الثورة عن دعم المعتصمين في أول الأمر، بحجة أن "تلك ليست معركتنا" و "أن هؤلاء لم يكونوا معنا في محمد محمود"، في النهاية، نزل الجميع و لكن بعد أن حدثت المجزرة !
و لينتهي المقال بمقولة الرفاق في "الإشتراكيين الثوريين":  مع الإسلاميين أحياناً .. ضد الدولة دائماً،،

----

بقلم: فادي محمد