عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

التنوع والاختلاف أساس الديمقراطية

يدعو بعض المخلصين من نشطاء المجتمع إلى توجّه جمعى أو تجميعى فى العمل السياسى فنحن ـ فى رأيهم ـ نحتاج إلى رجل لديه قيم التجميع والجامعية، يبتعد عن « الاستقطاب و الاستبعاد، ويسعى إلى الاصطفاف و الاحتشاد من أجل بناء مصر القوية، مكاناً ومكانة ... إن الخروج من حالة الاستقطاب هدف فى ذاته، و تحقيق الاحتشاد والاصطفاف وسيلة أساسية للخروج من الاختلاف إلى الائتلاف وعدم الوقوع فى مناطق التنازع والفشل» ـ د. سيف الدين عبد الفتاح (الأهرام فى 20 مايو 2012).

صدق النوايا وإخلاص الفكر واضحان بالطبع، على أن الاستناد إلى فكرة الحشد والتجميع فى العمل السياسى لمحاربة الاختلاف أمر يدعو إلى القلق، و هو بنفس الوقت أمر يجافى الطبيعة الانسانية فى التنوع. لقد جرّبنا، و جرّب غيرنا، فكرة تجميع كل القوى فى كيان سياسى واحد مع السماح ببعض التنوع المحدود فى داخله، وكانت النتيجة تصدعاً، ثم تفككاً، ثم انهياراً. إن فكرة التنظيم الواحد الذى يصهر التناقضات والاختلافات فى «بوتقة الوطن الــواحد» قد تبدو جذابة ولكن التطبيق أثبت عدم جدواها بل و فشلها المؤكد.
نتذكر جميعاً أحلام الزعيم جمال عبد الناصر فى تجميع «قوى الشعب العامل» فى تنظيم سياسى واحد، فألغى الأحزاب(!) وأنشأ هيئة التحرير، ثم الاتحاد القومى، ثم الاتحاد الاشتراكى، وكان مصيرها جميعاً الفشل فى الاحتواء الصحى للعمل السياسى، فتصدعت، ثم تفككت.. ثم عاد السادات إلى فكرة التنوع داخل التنظيم الواحد فأنشأ المنابر المختلفة بالوسط واليمين واليسار، وبصرف النظر عن أن هذه التنظيمات حملت عنصر الاصطناع من الحاكم وليست تنظيمات سياسية جماهيرية نابعة من الشارع، فقد كان مصيرها الفشل.. وعدنا إلى الفكرة البسيطة الثابتة وهى فكرة الأحزاب.
وأنا أدهش حقيقة لأن المرشح الرئاسى الدكتور أبو الفتوح ـ على عمق فكره وثراء تجربته وشدة إخلاصه وصدق نضاله ـ يميل إلى طرح نفسه كمرشح لتجميع كل الأطياف وممثل كل الفصائل أوأغلبها، وكانت النتيجة أنه أحياناً يقول الشئ ونقيضه فى نفس الوقت ليعبر عن رأيه، فرآه كثير من الناخبين رجلاً غير صادق، وإنما فقط يقدّم لكل فئة «الطبق» الذى تفضله، فهو يوماً يفتح ذراعيه لكل الليبراليين و«يمثلهم «وهو فى اليوم التالى يؤكد فكرة الأصولى ولا يتنصل منه»، وهو يوماً يقر بأن جماعته الاسلامية تورطت فى العنف، و هو يوماً آخر ينبذ العنف ويؤكد مراجعة فكره و فكر الجماعة. فى كل الأحوال أنا متأكد من إخلاصه، غير أن السعى لأن أكون كل الأشياء لكل الناس فى كل الأوقات فكرة لا تدعم فرص النجاح فى العمل السياسى.. و قد يؤمن البعض بأن الحنكة فى السياسة هى أن تتحدث «على كل لون يا باتستا» لترضى كل الناس على أن ذلك يكون على حساب المصداقية.. والمصداقية فى رأيى مهمة.
إن التنوع فى الفكر أمر طبيعى، وهو أساس الوجود الانسانى وأساس العمل السياسى ومتطلب حتمى فى النظام الديمقراطى، رغم أن البعض يظن أن اجتماع قوى مختلفة واحتشادها خلف مرشح معين يشكل طاقة الجماعة الوطنية وهو نقطة قوة ليس فقط لمرشح الرئاسة وإنما فى برنامج الرئيس الفعلى «فمصر لم تعد تحتمل الشقاق والانشقاق، ولا عناصر الاستقطاب والشجار.. إن الجمع بين سلفيين وليبراليين ويساريين ليس جمعاً بين متناقضات، ولكنه تفاعل بين تنوعات وتوجهات... وتصالح سياسى عام (كى) يحقق تراضياً وطنياً» هذا كلام لا يقوم عليه برهان من الواقع. خذ مثلاً ما فعله البرادعى حين هبط أرض مصر يحمل مشروعاً للتغيير، ثم للثورة، والتف حوله أعضاء النخبة من كل لون، يمين و يسار ووسط، سياسيون ومناضلون وإعلاميون، نساء ورجال و شباب، ثم ماذا حدث؟ فى البداية حماس منقطع النظير، وأحلام جريئة، ومشروعات كبيرة ، ثم مناقشات، ثم صراعات، ثم استقالات، ثم تصدع و تفكك وانهيار.
خذ كمثال آخر فكرة التحالف الديمقراطى التى قدمها حزب الوفد وجماعة الاخوان فى العام الأول للثورة لكى يتم التنسيق والعمل بشكل موحد، «فمصر لا تحتمل الاستقطاب بين إسلاميين وغير اسلاميين».. «ومصر لا تحتمل الشقاق والانشقاق».. بمقولة إن المرحلة «تتطلب تحالف و تجمع القوى الوطنية المخلصة» واستجابت الأحزاب والجماعات من اليمين ومن اليسار ومن الاسلاميين وغير الاسلاميين من الأغلبية ومن الأقلية.. من كل لون... حتى وصلت إلى أكثر من أربعين حزباً. وماذا بعد؟ فى أول محك للعمل السياسى الحقيقى دب الصراع واشتعلت النيران و تصدع المعبد ثم انهار على من فيه، و فاز بالتورتة فصيل

واحد وحوله بعض المستفيدين!
سبب آخر يساند فكرة الجامعية والاحتشاد هو عدم النظر إلى التصنيفات السياسية أو الاعتقادية أو الأيديولوجية باعتبارها ذات أهمية، فتنفتح العقول «لتعبر عن قيمة المرجعية و المواطنة، وتعبر عن خطاب جامع غير مانع، مستقل غير تابع» ويصبح الخطاب السياسى « يستوعب و لا يستبعد.. يجمع و لا يفرق». ومرة أخرى هذا كلام لا يستقيم فى الواقع لدى مواجهة أى اختيار هام فى حياة الأمة. خذ مثلاً فكرة ملكية وسائل الانتاج، لن يتفق السياسيون جميعاً على منهج واحد، وكلهم مخلص فى فكره و رأيه و سوف يدافع عنه و يتمسك به وينتهى الآن عادة إلى تصدّع التجمع الشكلى الذى فرحنا به فى البداية. خذ مثلاً آخر فكرة الضرائب التصاعدية، سيختلف الناس عليها كثيراً، و كلهم مخلص و كلهم له رأى ـ خذ كمثال ثالث فكرة إقصاء رجال النظام السابق عن العمل السياسى.. سيختلف الفرقاء حول ذلك كل الاختلاف.. خذ حتى المسائل المدنية مثل تعليم أو عدم تعليم اللغات الأجنبية، أو اغلاق الأعمال وقت الصلاة ، أو تحديد سن الزواج.. كل هذه الأمور وغيرها كثير تتضمن بذور الاختلاف، فلا تنخدع أبداً بمسألة التجميع والحشد وراء فكرة المواطنة.. فنحن وراء الوطن و لكن كل شخص له رؤيته بشأن كيف ندير الدولة وكيف ننهض بالوطن، ومن حق كل منا أن يتمسك برؤيته حتى يقتنع بخطئها أو يقنع الآخرين بها.. ومن هنا كان التنافس الديمقراطى على جمع الناس وراء فكرة أو عدة أفكار متسقة، أما جمع الناس من البحور المتناقضة فى تنظيم سياسى واحد فهو سعى وراء سراب لا يلبث أن ينكشف.
إن الاختلاف فى الرأى لا يعنى وجوب تصنيف الناس إلى وطنيين، بل إن الاختلاف هو الذى يظهر المعدن الحقيقى للأفكار، فاذا رأيت أنا مثلاً أن دور المعلّم فى المدرسة تربوى قبل أن يكون تعليمياً، و رأى غيرى أن المعلّم دوره فقط تعليم الدروس لأن الوقت غير كاف للتربية الأخلاقية ولأن تأثير الأسرة والاعلام على سلوك الطالب أقوى من المعلّم ، فلابد أن يحترم كل منا رأى الآخر، وسيؤدى بنا الحوار، ثم مقارنة تجارب الأمم الأخرى ، ثم التجربة عندنا بالفعل.. سيؤدى ذلك إلى ظهور أى الرأيين أكثر تحقيقاً لأحلامنا، و يكون لكل منا الحق فى الدعوة لرأيه و السعى لحشد المؤيدين.. وهكذا.. هذه هى الديمقراطية كما أفهمها، ولا معنى مطلقاً لفكرة الحشد والتجميع لكل أبناء الوطن من مختلف التيارات.. فذلك لا يكون إلا فى مسائل الأمن القومى وفى مواجهة الخطر على مستقبل الوطن.. وحتى هنا يمكن أن نختلف على كيفية حماية الوطن، هل بالتحالف مع قوة أجنبية بارزة، أم بالاتحاد مع شركائنا العرب فى التاريخ و المصير، أم ببناء قوتنا الذاتية و لو استغرق ذلك وقتاً طويلاً؟!
آخر سطر
أنا أختلف معك فى الرأى.. ولكنى أدفع نصف عمرى لأمكنك من التعبير عن رأيك.

بقلم - د. صديق عفيفى

[email protected]