رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

هوية الرئيس المرتقب


تراجع المطلب الشعبي للديمقراطية أمام استعادة الأمن والاستقرار

مع اقتراب انتهاء سباق المنافسة على منصب رئيس الجمهورية، بدأ المصريون حسابات اختيار الرئيس القادم. لأول مرة في تاريخ مصر الحديث لن نعرف من هو الرئيس القادم إلا بعد فرز أصوت الناخبين، ولكن يبدو أن المرشح العسكري، وإن كان في لباس مدني،في هذا السباق هو الحصان الأسود، الذي يراهن على صدارته قطاع عريض من الناخبين.

حين أخفقت ثورة 25 يناير2011 في مواكبة ثورة التوقعات الشعبية المصاحبة لها، تراجع المطلب الشعبي للديمقراطية أمام مطلب استعادة الأمن والاستقرار. عدمقدرة بعض شرائح المجتمع على تحمل أعباء المرحلة الانتقالية من اضطرابات أمنية وسياسية واقتصادية ولدت من رحم ثورة يناير قد تدفعهم إلى الإدلاء بأصواتهم لصالح المرشح العسكري - أو لدقة التعبير مرشح مدني ذو خلفية عسكرية - ، لما يتسم به العسكريين من حسم وانضباط تراهما هذه الشرائح أنهما ضروريان لإعادة الأمن والاستقرار بينما تريالساسة المدنيون في صورة نمطية سلبية يتهموهم فيها بعدم الانضباط و الحزم الكافيين لإدارة شئون البلاد في هذه المرحلة الحرجة التي تمر بها.
بتفهم واغتفار، هذا موقفطبيعيي: هناك نماذج عديدة لثورات شعبية أعيدت فيها إنتاج أنظمة الحكم العسكرية السابقة مرة أخرى. فعلي سبيل المثال، حالة الفوضى التي تبعت الثورة البرتقالية في أوكرانيا عام 2004 خلفت بيئة سياسية تراجع فيها المطلب الشعبي  للديمقراطية أمام مطلب استعادة الأمن والاستقرار فخاض فيها الرئيس العسكري السابق يانوكوفيتش المعركة الانتخابية الرئاسية التي أجريت عام 2010 و فاز، هذا بالرغم من أن إسقاطه هو ونظامه كان على رأس قائمة مطالب الثوار.
لكل ثورة عظيمة كلفة أمنية، وسياسية، واقتصادية باهظة يدفعها الشعب مؤقتا حتى بلوغ  الثورة غايتها، فيسيطر اليأس على البعض فيتنازلون عن أهداف الثورة الهامة طويلة المدى في مقابل إشباع حاجات ملحة وأولها استعادة الأمن في الشارع وتحقيق الاستقرار الاقتصادي. وليكن التاريخ شاهدا، فبعد عامين من اضطرابات ثورة يوليو 1952، وتحديدا في 28 مارس 1954، خرج عمال النقل في تظاهرات حاشدة حول مباني القصر الجمهوري و البرلمان ومجلس الدولة رافعين شعارات من قبيل "تسقط الديمقراطية...تسقط الحرية"، الأمر الذي شجع القائمين على إدارة المرحلة الانتقالية حين ذاك على العدول عن قرارات 25 مارس المعنية بتأسيس إجراءات التحول الديمقراطي. هذه الأحداث كانت أول إمضاء للشعب المصري على عقد مع الجمهورية العسكرية وهاهنا التاريخ يعيد نفسه اليوم فيتراجع المطلب الشعبي للديمقراطية أمام مطلب استعادة الأمن والاستقرار على يد المرشح العسكري.
ولكن أن يفوز مرشح عسكري هو إعادة لإنتاج نظام يوليو 1952 العسكري ولا تحتمل مصر المزيد من الإدارة العسكرية فهي تمثل خطرا داهما على فرص التحول الديمقراطي.فقد حان وقت التغيير، فإن جاز تلخيص مطالب ثورة 25 يناير 2011 في مطلب واحد: هو التغيير، فالثورة قامت لتغيير الجمهورية العسكرية، لا لتجديدها.
تحتاج مصر إلى رئيس مدني، فقد عانت طويلا من حكم الرئيس العسكري مطلق الصلاحيات منذ إقامة - ما نسميه في العلوم السياسية ب - "الجمهورية العسكرية الأولي" في عام 1952م: مع كامل الاحترام للتاريخ العسكري لكل مرشحي الرئاسة العسكريين، ولكن تجربتنا مع الأداء السياسي لكل الرؤساء العسكريين السابقين لم تكن على نفس مستوى أدائهم العسكري فسيرتهم في كتب تاريخ التحول الديمقراطي للشعوب ليست زاخرة فقد قدموا لمصر القليل من التقدم الديمقراطي. فعلينا إذا إعادة النظر في الربط المعياري بين إنجازاتهم العسكرية وأدائهم السياسي المرتقب. فالثورة قامت للإطاحة بالرئيس العسكري، لا لتبديله بآخر.
تحتاج مصر إلى رئيس مدني، لا يدير فيها العسكريين دولة داخل الدولةيولي مهام إدارة المؤسسات الاقتصادية العسكرية الحالية إلى القطاع الخاص فيسهل عملية عودة الجيش إلى ثكناته ليمارس عمله المهني الاحترافي الأصلي في الحفاظ على أمن مصر، بعيدا عن الاقتصاد: علما بأن المؤسسة العسكرية هي الوحيدة القادرة على حماية سلطاتهم كما تستطيع هي وحدها أيضا الانقلاب عليهم، عملرؤساء مصر العسكريين السابقينعلى كسب ولاء المؤسسة العسكرية بإعطائها مزايا اقتصادية كتوفير فرص عمل ذات دخل مرتفع لضباط القوات المسلحة بالمعاش وجعلها صاحبة مصالح في الاقتصاد القومي. القوات المسلحة المصرية تمتلك ترسانة اقتصادية، يجمع أساتذة الدفاع القومي أنها تشكل ما بين 10% إلى 15% من الاقتصاد القومي المصري. من مصانع ضخمة تنتشر في كافة أرجاء البلاد من حلايب وشلاتين  لشرق التفريعة وتوشكي والعلمين، تنتج كل أنواع المنتجات، من مواد غذائية كالزيت والزيتون واللبن وحتى الخبز والمياه المعدنية، إلى الأسمنت والبترول والأجهزة المنزلية كالبوتاجازات والغسالات والسخانات وغيرها، إلى السيارات الشيروكي والرانجلر بشراكة مع شركة جيب الأمريكية. هذا بالإضافة إلى امتلاكها أغلى سلعة تملكها مصر وهي أراضي الدولة التي تحول إلى منتجعات خضراء مسورة، لا يستطيع السكن فيها إلا النخب فقط. وقد يجادل العسكر(إلى جانب القطاع السالف ذكره المتحفز لانتخاب رئيس عسكري) بأن هذه المنشات تدار بكفاءة إدارية عالية، فعلي سبيل المثال بعث اللواء محمود نصر، مساعد وزير الدفاع للشئون المالية في نهاية شهر مارس الماضي برسالةتحذيرية مباشرة مفادها أن مشروعات الجيش الاقتصادية تدار بكفاءة إدارية عالية و لن يديرها إلا العسكريين حتى لا "تخرب" على حد تصريحاته، مؤكدا  بلهجة صارمة أن "الجيش لن يسمح لأية جهة بالتدخل في مشاريعه الاقتصادية أو حتى الاقتراب منها"، وأنه "سيقاتل من أجلها"، معتبرا إياها بمثابة "أمن قومي."  ولكن للتدقيق،  الكفاءة التي يتحدث عنها السيد اللواء هي كفاءة على الطريقة السوفيتية التي تركز على تحقيق إنتاجية معينة دون النظر إلى هامش الربح، فالقطاع الخاص بالضرورة أكفأ، لاسيما إن أعطي المزايا التنافسية التي يتمتع بها الاقتصاد العسكري من إعفاء ضريبي، أراضي ومصادر طاقة مجانية، وعمالة مجندين من خيرة شباب مصر شبه مجانية. الثورة قامت - جزئيا - لبناء اقتصاد السوق الحر العادل، لا اقتصاد الدولة الشمولي المخطط.
تحتاج مصر إلى رئيس مدني، يكتب في ظل رئاسته دستور يضع الجيش في قالبه الصحيح، فتقتصر صلاحياته في الدفاع عن أمن مصر ويعود معززا مكرما من توغله في نشاطات الدولة المختلف إلى عمله الاحترافي في ثكناته،بعيدا عن السياسة والاقتصاد. فكما نجحت دولة كولومبيا في عام 1991، وغيرها من الدول، في التحول إلى نظام ديمقراطي بفصل ميليشيات الراسترويوس عن القوات المسلحة وتقليل تدخلها في نشاطات الدولة، كذلك تستطيع مصر. فالثورة قامت لبناء الاقتصاد القومي، لا لتفويض القوات المسلحة لبنائه.
في ظل غياب الدستور تحتاج مصر إلى رئيس مدني، نستطيع تحديد صلاحياته ومحاسبته سياسيا من خلال أدوات ضغط شعبية إن لم يرقى طموحات الشعب. فإذا كان التعجل في كتابة الدستور أو "سلق الدستور" لتحديد صلاحياته في أقل من شهر يمثل خطرا حقيقيا على فرص التحول الديمقراطي، كذلك انتخاب رئيس عسكري. فالثورة قامت للإطاحة برئيس مطلق الصلاحيات وانتخاب آخر محدد الصلاحيات.
تحتاج مصر إلى رئيس مدني لا يتحول إلى دمية جديدة تحركها واشنطن كما تشاء: رئيس مدني لا يتصل بعلاقة وطيدة بالنخبة العسكرية في البنتاجون ولا يملك القدرة بمفرده على تنفيذ أوامر الولايات المتحدة الرامية إلى تحقيق مصالحها في منطقة الشرق الأوسط دون طرحها للنقاش العام. لما كان نجاح عملية التحول الديمقراطي يتطلب تقبل المجتمع الدولي وعلى رأسه الولايات المتحدة، هناك  من الأسباب ما يدفعها إلى تقبل رئيس عسكري على رأس السلطة في مصر لعل من أهمها غياب بديل مدني ليبرالي متحمس للعلاقات

الثنائية القائمة على أساس التحالف بين البلدين، فالخيار الوحيد غير العسكري المرتكز إلى دعم شعبي على قائمة المرشحين هو منبثق عن تيار الإسلام السياسي، وهو من وجهة نظر واشنطن تيار "خطر" على مصالحها.  وهنا تلتقي مصلحة المجلس العسكري لإنقاذ نظام يوليو العسكري الآيل للسقوط بمصالح واشنطن الغير متحمسة لتحول مصر إلى دولة ديمقراطية يسيطر فيها تيار الإسلام السياسي على مقاليد الحكم. ومن هنا يبدو أن الأمريكان مهيئين لاستقبال نظام يوليو العسكري من جديد وإن كان بغطاء مدني، ولكن الثورة قامت لتقيم حكم الشعب المصري، لا الأمريكي.
تحتاج مصر إلى رئيس مدني يتمتع بشرعية دولية في وقت لم يتبقي فيه إلا كوريا الشمالية وفيجي و بيسو وبعض الدول الإفريقية يحكمها قائد عسكري: رئيس مدني يعود بمصر إلى السياسة العادية،التي تحركها حقائق العالم الحديث فيعبر بها أحد أهم التحولات في تاريخها ليضعها في مكانها الصحيح في مصاف الدول المتقدمة، لتقود قاطرة التقدم في المنطقة. فالثورة قامت لاستعادة مكانة مصر في الخارج، لا لتقزيم مصر على الساحة الدولية.
تحتاج مصر إلي رئيس مدني لا يتحالفمع المجلس العسكري، بل يرسي أسس التعاون المدني-العسكري على الدمجالمتوازن بين الاعتبارات العسكرية مع غير العسكرية مثل الدبلوماسية، والسياسة الداخلية والاقتصادية في صناعة القرارات المصيرية. في حواره مع قناة الجزيرة مباشر، عبر الفريق أحمد شفيق عن رأيه في أن رئيس الدولة لابد أن يكون رجل عسكري حتى يتفهم طبيعة قيادات القوات المسلحة فيستطيع التعامل معها، وأضاف أن أي رئيس مدني لن يستطيع التعامل بشكل سلس مع المجلس العسكري. وهنا نري مؤشرات تحالف سياسي بين المؤسسة العسكرية والرئيس العسكري. ولكن الثورة قامت لإنهاء الوصاية العسكرية وانتخاب رئيس مرجعيته هي الشعب المصري، لا المجلس العسكري.
تحتاج مصر إلى رئيس مدني لا يتعامل بطريقة الأوامر والتعليمات والمراسيم دون مسائلة أو محاسبة، فلا تدار المؤسسة العسكرية إلا بهذه الطريقة، أما المؤسسة الرئاسية إن أديرت بهذه الطريقة يتحول الرئيس إلى ديكتاتور والمواطن إلي جندي يتلقى الأوامر وينفذها دون نقاش؛ يؤمن بدولة مدنية ديمقراطية فيستمع للرأي والرأي الآخر؛ يعود للشعب في الأمور المصيرية؛ يقبل المسائلة وتداول السلطة فيشغل المنصب فترة أو فترتين ثم يتيح الفرصة لبديل؛ يحترم من يعمل معه فلا يخافوا الاختلاف معه؛ يسند  فيها بعض الملفات إلى أهل المشورة؛ يعمل فيها كفرد في فريق فإدارة دولة بحجم مصر بها من مساحة ما يتسع لأكثر من فرد. فالثورة قامت لتقيم حكما ديمقراطيا، لا ديكتاتوري.
تحتاج مصر إلى رئيس مدني لا يلجأ إلى قانون الطوارئ إلا في حالة حماية أراضي مصر وبحارها وأجوائها من عدوان مسلح داخلي أو خارجي. فديكتاتورية هتلر قامت على أساس دستوري لقانون واحد وحيد، هو قانون التمكين المماثل لقانون الطوارئ. فالثورة قامت لتقيم دولة القانون، لا دولة قانون الطوارئ.
تحتاج مصر إلى رئيس مدني يؤمن بدولة المؤسسات، دولة المؤسسات المدنية إلى جانب المؤسسة العسكرية: يفهم أن مؤسسات المجتمع المدني بدورها كوسيط بين الحكومة والشعب هي شريك في النهوض بالوطن، فيعمل معها ويفتح أدوات ضغط مؤسسية أخرى غير الخروج إلى الشارع لتحقيق مطالب سياسية فيمنع حدوث أزمات مثل ماسبيرو، محمد محمود، والعباسية وغيرها؛ يعرف أن للمؤسسة التشريعية دور رقابي على سلطاته التنفيذية ويؤمن بسيادة القوانين الناتجة عن عملها التشريعي. فالثورة قامت لدعم دولة المؤسسات المدنية بالتوازن مع المؤسسة العسكرية.
تحتاج مصر إلى رئيس مدني يؤمن بالشفافية، لا يتخذ قراراته خلف الأبواب المغلقة كما هو الحال في المؤسسة العسكرية بحجة تعزيز الأمن القومي: يعترف بحق المواطن المصري الذي انتخبه في المعرفة والاتصال والمحاسبة و تداول المعلومات، فالانفتاح على الجمهور من خلال الأدوات الإعلامية المختلفة يقدم فرص للمراجعة والتدقيق، لاسيما ميزانية الجيش، التي لا نعرف حجمها إلى الآن بالتحديد - ولا حتى البنك الدولي يعرفها -  فالأرقام المتداولة محل جدل؛ يساند لجنة الموازنة بمجلس الشعب في قانون حرية المعلومات ومراجعة وتدقيق الميزانية فيلزم القوات المسلحة على تقديم كشف حسابها سنويا؛ يدعم الشفافية في التصرف في موارد الدولة، فيري كل مصري أين تذهب حصيلة ضرائبه. كل هذا يفتح مجالا للحوار والمناقشة البناءة تصب في خانة الصالح العام ويعظم من فرص مشاركة المواطن في العملية السياسية فيخلق ديمقراطية تشاركية كدول شمال أوروبا. الشفافية هي المرتكز الأساسي للديمقراطية الصحيحة. فالثورة قامت لإقامة نظام حكم شفاف، وليس معتما.
تحتاج مصر إلى رئيس مدني، لا صاحب ضربات جوية ولا أرضية ولا فضائية ، يعرف أننا انتخبناه هو، و ليس هو وعائلته، فكما أن حكم الفراعنة قد انتهى، كذلك يجب أن ينتهي حكم العسكر. فأغلبية الديكتاتوريات العسكرية في العالم تشكلت بعد انقلابات عسكرية وليس بعد ثورات شعبية، فثورة يناير قامت لتقيم حكم الشعب لا حكم الفرد.
من سيختار المرشح العسكري أخفق في تقدير الثمن السياسي لاختياره، وعليه أن يعيد النظر.

[email protected]