رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

الفول و الفلول

إنه أول يوم أنام فيه بعد صلاة الجمعة مباشرة غيظاً مما شاهدته من إعتداء نائب قنصل مصر على صديقنا الصحفى السيد موسى. و أنا فى مرحلة ما بين النوم و الإفاقة، قررت كتابة هذا المقال و لكى أختار عنوانه جلست أرتشف كوباً من الشاى أفكر و أفكر ثم أفكر و أفكر حتى توصلت إلى عنوانه بعالية. و عند إختيار مواد مضمون المقال تذكرت على الفور مقولة الإعلامى الكبير الأستاذ يسرى فوده عندما كتب "أنه لا يمكنك أقناع القردة بأن للمانجو مذاقاً أطيب من مذاق الفول السودانى و الأصعب أنه لا يمكنك أن تقنع العبد بأن الحرية هى أفضل بكثير من الضرب على القفا".

فى صيف عام 2011 دعانى السفير يوسف زاده قنصل مصر بنيويورك إلى زيارته بمكتبه. و إتصلت به ذات يوم من أيام يوليو الحارة و دخلت عليه مكتبه الفخم الرحب المكيف. و جلسنا نتبادل أطراف الحديث و عتبت عليه عنف أفراد القنصلية معى يوم 2 فبراير 2011 عندما حاولت تسليمه رسالة بإسم الثورة الشعبية المصرية أدعوه للإنضمام إلى الثورة ضد الطاغوت. و قتها و بأسلوب فج ووقح تعامل معى العاملين بالقنصلية و قال لى أحدهم "ما إسمك يا ولد" فقلت له إسمى و إسم جدى و إننى أتمتع بحرية هم لا يتمتعون بها. وقلت له أنتم تخشون ما تتمتعون به من ميزة مهمة و هى البطش بعباد الله.
و أنكر السفير معرفته بهذا الأمر كذباً و بهتاناً، و سأل رجل أمنه “علاء ماضى” فذكره بالواقعة, و أخذ “زاده” فى إلتهام الشيكولاتة بشراهة و كأنه لم يراها من قبل، و دعانى لتناول حبيبات الشيكولاتة و تناولنا القهوة التركية التى طلبتها, و تحدثنا عن موضوع الساعة فى مصر و هى مرحلة ما بعد الثورة. فقلت له إنه الإستقرار, و إن هذا الأمر لن يتحقق إلا بتحقيق الثورة لأهدافها كاملة و تطهير البلاد من كل رموز النظام الذى ثار عليه الشعب المصرى. و قلت له هذه هى أدبيات أى ثورة فى أى مكان فى مجرة الدبانة التى تقع مصر على أرضها، و إن ثورة مصر لا تختلف عن مثيلاتها فى العالم. بل إنها أهم ثورة شعبية نظيفة حتى الآن. و قلت له بأننى مدمن تاريخ و خصوصاً التاريخ الفرعونى و قلت له بأن الشعب المصرى ثار من قبل على سدنة معبد آمون فى تل العمارنة من قبل بعد طرد الهكسوس من مصر و حطموا تمثال رمسيس الذى مازال حتى يومنا هذا مهشماً مكسراً فى موقع تل العمارنة كأثر على ثورة مصرية شعبية منذ الفراعنة. و قلت بإن عودة الأمن مرهونة بتحقيق أهداف الثورة. لأن الأهداف الحقيقية للثورة هى سلسلة مترابطة لا يمكن إنفصال حلقة من حلقاتها إى على رأى المصريين "لكشه واحده".
و قلت له أتمنى أن يدرك المجلس العسكرى أن تسليم السلطة هو أمر مفروغ منه، و أن الإستعجال بها سيمنع إراقة دماء كثيرة قد تسيل من أجل تحقيق هذه الأهداف، و إن الثورة المصرية ككل الثورات متى إندلعت فلن يوقفها إى أمر إلا بتحقيق أهدافها كاملة، و لن يلتف عليها أحد. و للحق أقول: كان الرجل يتحدث بأدب و إستماع جم، و لكن لا أعلم إذا كان عن قناعة أم إنه أعتبر حديثى مجرد دردشة على المصطبة. و دعانى فى نهاية الجلسة إلى دعم تكوين بيت العائلة المصرى, فقلت له إن عائلتى هناك فى مصر، و لا يمكننى أن أقيم لهم بيتاً هنا فى المهجر قبل أن يستقر بيتهم فى مصر, و قلت له بأنه عرض نفس الأمر على بعض المصريين فى بداية يناير 2011 عقب حادثة كنيسة القديسيين، و وقتها قلت للمجتمعين عن طريق الإعلامية آيات عرابى بأن البيت المصرى الحقيقى هناك فى مصر و ليس هنا و يجب أن نطهر البيت هناك أولاً ثم نقيم بيتاً حقيقياً هنا فى المهجر. و دعوتهم لدعم الثورة المصرية المرتقبة حيث كنا ننشر مواعيد و أماكن إنطلاق الشباب فى الثورة المصرية العظيمة.
تذكرت كل هذا عند مشاهدتى فيديو الإعتداء على الأخ الأستاذ السيد موسى بقنصلية مصر بنيويورك. السيد موسى الذى كان ينقل أخبار فعاليات الجالية المصرية إبان الثورة المصرية و قلت فى نفسى هل هو إعتداء مقصود على أحد ثوار 25 يناير أم هى مجرد مشادة بالصدفة. و لكن عندما عرفت بأن الإعتداء تم من رجل المخابرات الذى يعمل مساعداً أمنياً للقنصل يوسف زاده، تيقنت بأن ما جرى هى بداية تصفية حساب مع من وقف و دعم و نقل أخبار ثوار مصر فى أمريكا. بداية تصفية حساب مع السيد موسى لأنه فضح تحيز قنصل مصر للمرشح عمرو موسى. و قلت: يجب أن لا تمر هذه الحادثة مر الكرام بالإعتذار و كأننا على مصطبة عمدة قريتنا فى أرياف مصر مع الإعتذار لأهلنا فى الريف التى تعرف معنى التسامح. أما هؤلاء فلا يعرفون إلا لغة القوة القانونية يجب أن يتم السير فى الإجراءات القانونية التى قام بها السيد موسى سواء هنا فى أمريكا أو فى مصر بل يجب على كل وسائل الإعلام و الصحافة أن تبرز هذا الإعتداء الهمجى من رجل أمن لا يعرف إلا لغة الإرهاب التى كانت تمارس

ضد الشعب المصرى فى عصر اللامبارك اللعين، و بدورى كرجل قانون سادعمه بكل ما أوتيت من معرفة.
و قلت إنه الفول الذى تعود عليه المصريين منذ مئات السنين و إلى يومنا هذا يأكله الغنى و الفقير و بإستمتاع غريب حيث اصبح الفول إحدى مكونات كروموسومات الخلية التى تبنى أجسام المصريين و يتم توريثها لأولادنا جيلاً بعد جيل لدرجة أننا فى أمريكا نستورد الفول المعلب من مصر و نأكله و تتناوله أجيالنا المولودة فى المهجر و بشراهة و إستمتاع غريبين. الفول أصبح أهم معلم فى الشخصية المصرية سواء فى مصر أم خارجها. إذا سألت أى مواطن أمريكى أبيض أو أسود عن عدد المرات التى تناول فيها الفول، فبالقطع ستكون الإجابة صفر مربع و بالثلاثة. أنه إدمان المصريين الذى تعودنا عليه موروثاً عن أجدادنا فأصبح لصيقاً بنا. هكذا يتعامل معنا بقايا النظام السابق "الفلول" و منهم أعضاء القنصليات و السفارات التى يتعين تطهيرها كأحد متطلبات الثورة المصرية العظيمة التى نادت "الشعب يريد تطهير البلاد"، و سفارات مصر و فنصلياتها لم تصلها الثورة بعد. أدمن الموظفون الإعتداء على العبيد و نسوا بأن العبيد قد تحرروا بعد ثورة عظيمة أزهلت العالم بطهارتها.
و لكن ماهى العلاقة بين الفول و الفلول؟. دعونا نبدأ بالفول فهو نبات ينتمى إلى البقوليات الغنية بالبروتينات النباتية التى تعادل بروتينات اللحم البقرى، و يزرع الفول فى مصر مع بداية فصل الربيع أى شهر مارس و يتم حصاده فى شهر يونيو, و للفول زهرة غريبة جداً نصفها أبيض و النصف الأخر أسود لدرجة إن فلاحى مصر أطلقوا على الدجاج ذى الريش الأبيض و الأسود "فرخة نوار الفول". فأهم ميزة فى نبتة الفول هى زهرتها. أبيض و اسود فى نفس الوقت. هذا الإندماج بين المتناقض من الألوان لا يجتمع إلا فى زهرة الفول العجيبة، فهل هذا التناقض هو الذى أصاب بعض أفراد الشعب المصرى. فمنهم من أخذ من الفول نصف زهرته البيضاء و النصف الأسود كان من نصيب أقلية إعتقدت بأنها ستحول الشعب المصرى إلى قردة يجب عليهم أكل الفول السودانى طوال عمرهم. و أن يوهموهم بأن الكافيار ضار جداً بهم.
أما الفلول فهم بقايا النظام اللامباركى اللعين الذى أطاح به أعظم شعب فى العالم فى ثورة لونها هو لون نصف زهرة الفول الأبيض. إعتقد الفلول بأنهم سيتمكنون من جمع أشلائهم المترهلة و العودة مرة أخرى إلى موضع المقصلة للإطاحة برؤس المصريين ممن قالوا لهم إرحلوا لن نستعبد بعد اليوم. و ما الإعتداء على السيد موسى سوى فصل بسيط من طموحات "زاده" و فلوله فى وزارة الخارجية الذين ينتشرون فى كل سفارات و قنصليات مصر بالخارج. فهل سينجح الفلول فى تزوير الإرادة الشعبية و تقديم جلادى الشعب المصرى على طبق من ذهب لشعب قاسى و عانى من ظلماتهم؟ هل سيعى الشعب المصرى بأن الثورة هى كتلة كبيرة يجب أن تتحقق تطلعاتها كاملة بما فيها إزاحة كل سفراء و قناصل مصر بضباط أمن الدولة الذين يعملون فى السفارات لإرهاب الشرفاء؟.
إن الإعتداء على السيد موسى هو مؤشر خطير على تعامل قنصلياتنا و سفارتنا مع من ثار ضد الطغيان و الفساد. و فى النهاية أقول يجب علينا إلتهام الفول و بشراهة لأنه مكون من مكونات شخصيتنا المصرية العظيمة و الثورة على الخارجية المصرية عن طريق الدعوة إلى وقفات حول العالم للمطالبة لتطهير الخارجية و سفاراتها و قنصلياتها من الفلول وليحيا أكلة الفول الشعب المصرى العظيم،

----

بقلم: الدكتور /سعيد عفيفى