رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

مصر والإخوان

عندما أنزل الله كلمته إلى الأرض على مر العصور، اختص مصر بالتأثر والتأثير المباشر فى تثبيت هذه الرسالات، وجعلها نقطة الانطلاق لنشر تعاليمها فى بقاع الأرض.

كانت مصر وشعبها أحد أهم الروافد التى سخرها الله لنصرة أنبيائه واعتناق دينه. فهذه السيدة هاجر، وهذا طور سيناء، وهذه السيدة العظيمة آسيا، وتلك الرحلة المقدسة للسيد المسيح وأمه فى ربوع مصر، وهذه ماريا القبطية زوجة المصطفى خاتم الرسل الذى أوصى كل المصريين خيراً بمصر، وأن يجعلوها فى قلوبهم وعلى رؤوسهم، وفى مقدمة صفوفهم إلى قيام الساعة.
مصر كما وصفها الإمام الشعراوى هى البلد الذى صدر علوم الإسلام إلى البلاد التى أنزل فيها القرآن، وإذا كانت مصر الآن تمر بمنعطف خطير فى واقعها ومستقبلها، فإن حارسها وحافظها هو الله، الله الذى قدر لها أرضًا وشعبًا أن تكون هى الحاضنة التى تستوعب أكبر النماذج الإنسانية للتغيير والإصلاح.
ذلك أن مصر دائماً كانت تعمل وفق مبدأ الأفضلية بين الحسن والأحسن، ليس بين السيئ والأسوأ، مع كل الأفكار والحركات والجماعات.
وأقرب مثال تشهده مصر الآن هو جماعة الإخوان المسلمين التى ظلت منذ نشأتها تراهن دائماً على أنها الخلاص من الأسوأ، وثبت فى أذهان الناس تلك المعادلة التى لا تتفق أبداً مع طموحات وتاريخ وطريقة تفكير المصريين، فلم ينفع الإخوان، أو يشفع لهم قوة التنظيم، ومتانة الالتزام به على مدى ما يقرب من ثمانين عاماً. فكان التمدد ضعيفًا بين جموع الشعب.. وأصبح أكثر ضعفًا بعد ثورة 25 يناير عندما عادت روح الشعب المصرى للمقارنة والاختيار.. فالشعب يريد استعادة الدور الحضارى بالنكهة المصرية وليس الإخوانية.
عندما جرت انتخابات مجلس الشعب الأخيرة فاز فيها الإخوان، ولكنهم لم يفطنوا تماماً لسبب فوزهم وبالتالى لم يحسنوا التعامل مع مقتضيات هذا الفوز مما كان لذلك تداعيات تنذر بالخطر، عندما اعتبر الإخوان أن فوزهم جائزة من الشعب تقديراً لهم ومبايعة خرجوا من مبدأ المشاركة إلى سياسة المغالبة وفرض الوصاية. وهذا لم يؤثر فقط فى منافسيهم من الوطنيين المخلصين، ولا لأنه أعطى الفرصة لخصومهم من الكيد لهم فى سياق دعوة الحق التى يراد بها الباطل.. لكنه كان مؤلماً جداً لأولئك الذين تجمعهم بهم الأرضية المشتركة فى الأهداف والمبادئ.
إن الحقيقة الناصعة فى انتخابات مجلس الشعب الأخيرة أن الشعب المصرى صوت لما يعتقد أنه الأحسن لحاضره ومستقبله، فذهبت أصواته للجيش باعتباره ضمانة الحاضر من حيث الآتى: يعلم الشعب المصرى بموروث ذكائه الحضارى أن ثورة 25 يناير كانت قائمة فى نفوس كل المصريين منذ سنين طويلة. ويعلم أيضاً أن بعض من خطط ودفع لقيام الثورة، وخصوصاً من القوى الخارجية وحلفائها أرادوا أن يسبقوا انفجار الشعب المصرى تلقائياً بعد أن وصل الغضب العارم فى النفوس إلى الحلقوم، ويعلم هؤلاء أن هذا الانفجار لو حدث طبيعياً فلن يبقى لهم سلطاناً ولن يذر. ولن يحجب الشعب المصرى عن استعادة دوره ومكانته شيئاً حينئذ. وبموروث ذكائه الحضارى أيضاً قام الشعب بالثورة كمرحلة أولى للخلاص، ولكن عندما جاءت المرحلة الثانية مرحلة المقارنة بين الحسن والأحسن، قارن بين كل من قاد ثورته واصطفى منهم الجيش المصرى الأقرب لتلبية طموحات الحاضر وضمان الانتقال السلمى السلس للمستقبل، اختار الجيش بضمانة التاريخ فى الماضى والحاضر المشرق والمشرف.
ولما كان الجيش لا يمثل فى الانتخابات ذهبت أصوات الناس للإخوان الذين كانوا فى حالة تحالف وود مع الجيش فكانت الصناديق تملأ للإخوان إكراماً للجيش.
وكان العامل الثانى فى التصويت هو عامل الدين الذى يمثل حجر الزاوية فى حياة المصريين مسلمين ومسيحيين وبعد الثورة كان الدين نقطة ارتكاز رئيسية للصوت الانتخابي.
بالنسبة للمسلمين كانت غالبية من أعطوا الدين رشحوا السلفيين، ذلك لأن الارتياح المصرى العام لشفافية السلفيين فى التعبير عن مواقفهم وفى إظهار نواياهم وبراءة سلوكهم جعلهم يحصدون كل هذا العدد غير المتوقع بالنسبة لقصر الفترة الزمنية لممارستهم للسياسة، بالإضافة إلى حجم الاضطهاد والتشويه الرسمى والنخبوى لهم على مدى عقود كان أغلبهم فيها وراء القضبان دفاعاً عن عقيدة فكرية دينية، وليست مغانم سياسية.
أما بالنسبة للمسيحيين فقد اختاروا أيضاً

بعيداً عن مفهوم الثورة والثوار، فذهبت أصواتهم بناء على تعليمات وأوامر كنسية مباشرة من البابا شنودة لحزب لم يكن مؤسسه يوماً ثورجيًا ولا حتى سياسياً ولكنه كان دائماً حريصاً على الاحتفاظ بعلاقات حميمية مع سدنة الكنيسة وكهنتها فكان الدين طريقه ليقتنص مقاعد فى البرلمان لم يفز بها أحزاب كثيرة لها أصل فى النضال وأثر فى الثورة، هذه هى الخريطة السياسية المصرية بعد الانتخابات.
وبعد أن مارس الكل دوره على مستوى الداخل والخارج فى جغرافية هذه الخريطة وبعد شهور عديدة من الممارسة السياسية لكل القوى السياسية بأفكارها وارتباطاتها وتشابك أهدافها كانت المحصلة ما يأتى:
الإخوان لم يمكنوا عندما تحولت علاقتهم بالجيش وما يتبعه من مؤسسات الدولة من حالة الالتحام إلى حالة الاختلاف والخصام، ولم يعد لهم ظهير حتى القوى المدنية خسروها ولم يبق بينهم إلا حالة التربص والانفصام.
لقد وقع الإخوان فى فخ كبير نصب لهم بليل على مستوى دولى عظيم الخبرات بذهنية الإخوان التاريخية بالتعاون مع مستوى محلى شديد التحفظ والريبة فى نظرته لأهداف الإخوان المرحلية هذا الفخ نجح فى اصطياد الإخوان لمحاربة أنفسهم وإنهاك شعبيتهم وتشويه ثمانين عاماً من النضال بأيديهم جعلتهم يشهرون سيوفهم لمحاربة طواحين الهواء.
وبناء عليه فإن الإخوان الآن بهذه العقلية وهذا السلوك فى التعامل مع المرحلة الحالية يخسرون ويتقهقرون بقوة مؤلمة على مستوى التفاعل المجتمعى وبالتالى على مستوى الفعل العام وقوة التأثير فى حركة الوطن بمختلف الطبقات وعلى مختلف الأصعدة.
وإذا ما أصروا على قناعتهم بمنطق الوصاية فإن مؤشر التقهقر سيرتفع، وليعلموا أن ما يفقد فى هذه الظروف وبهذه الطريقة لن يعود بسهولة ولا فى وقت وجيز وقد لا يعود أبداً.
وليعلموا إذا كانوا حسنى الظن بأنفسهم وبسلوكهم وهم أعلم بذلك وإذا كانوا (على الأقل) عند حسن ظننا بأهدافهم وأملنا فيهم أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يقول لأصحابه بعد الانتصار فى الحرب وقبل أن يجف عرقهم أو تندمل جراحاتهم أو حتى تكتمل فرحتهم بشهدائهم، رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر.
إن الذين تعاملوا مع مصر بمنطق الوصاية سقطوا جميعاً.
ومن أراد بمصر خيراً فليعمل بمنطق كلنا رعاة وكلنا مسئولون عن رعيتنا، ومصر أرضًا وشعبًا هى الأمانة الكبرى التى استودعنا الله إياها.
يا إخوان ليس التميز أن أُحلِق منفرداً بفكرى ونبل عقيدتى ولكن التميز أن أساعد أهلى فى الدين والدم والوطن ودون كلل أو ملل ليصبح الجميع متميزاً بالإيمان بنبل العقيدة أو على الأقل محبًا لأهدافها وداعماً لها.
من هنا يأتى رضا الله ودعمه وبركته، عندها فقط تعود مصر إلى قيادة العالم بنكهة مصرية لخيرى الدنيا والآخرة، وليس مهماً وقتها من يحكم مصر المهم أن تكون مصر هى القائدة.

----
بقلم: عبدالسلام الإمبابى