«الدستور لا تملكه الأغلبية»
بمناسبة تشكيل اللجنة التأسيسية لوضع دستور مصر الجديدة بعد ثورة 25 يناير 2011 انتشرت في الآونة الأخيرة في بلادنا عبارة أن «الدستور لا تملكه الأغلبية»، وذلك بعد أن تبين سيطرة التيار الإسلامي في مصر علي تشكيل اللجنة التأسيسية لوضع الدستور في ضوء الانتخابات التي أجريت لاختيار أعضاء تلك الجمعية، إعمالاً للمادة 60 من الإعلان الدستوري الصادر في 30 مارس 2011،
وقد شغلني التفكير في هذه المقولة «الدستور لا تملكه الأغلبية».. وسألت نفسي: إذا كان الدستور يحدد هوية المجتمع وماهيته والمبادئ الأساسية للمجتمع وحقوق الأفراد واجباتهم فيه ونظام الحكم في المجتمع وسلطاته.. فهل يمكن أن يحدد كل ذلك إلا رأي أغلبية مواطني هذا المجتمع؟ وإذا كان الدستور لا يمكن أن يوجد أو يكتسب قوته الالتزامية إلا إذا حاز علي موافقة أغلبية مواطني المجتمع.. فهل هناك أي طريقة تلزم مجتمعا ما بدستور معين دون الاحتكام إلي رأي غالبية مواطني هذا المجتمع؟ وهل ما يحدث في الثورات من خروج الأغلبية من مواطني المجتمع علي الحاكم وإسقاطه وإسقاط دستوره ليس إلا دليلاً علي أن دستور أي مجتمع ونظام الحكم فيه هو رهن إرادة أغلبية أفراده إن أرادوا الاحتكام إليه أو قاموا عليه وأسقطوه؟ وهل لو طالب أصحاب الأغلبية أفراد المجتمع برفضهم الموافقة علي الدستور وامتثلت الأغلبية إلي هذا الطلب.. فهل هناك قوة علي الأرض تستطيع أن تفرض هذا الدستور علي المجتمع؟
فإذا أضفنا إلي كل ما تقدم أنه حتي لو صدر الدستور بموافقة الأغلبية عليه.. ألا تملك تلك الأغلبية أن تعدل ذلك الدستور؟ فالمعروف أن الدساتير من حيث القابلية للتعديل تنقسم إلي قسمين.. الأول، الدساتير المرنة وهي التي يمكن تعديلها بسهولة عن طريق المجالس النيابية أو السلطة الحاكمة، وبنفس الطريقة التي تعدل بها التشريعات العادية ومن أمثلة ذلك: الدستور الإيطالي والدستور الأيرلندي ودستور الاتحاد السوفييتي (قبل حله) والدستور الإنجليزي العرفي، والقسم الثاني: هو الدساتير الجامدة التي لا يمكن تعديلها بنفس طريقة تعديل التشريعات العادية، بل لابد من الالتجاء إلي إجراءات خاصة، ومعظم دساتير مصر من هذا النوع الجامد اعتباراً من دستور 1923 حتي دستور 1971، فإذا كان القاسم المشترك
-----
بقلم: المستشار حسني السلاموني
نائب رئيس مجلس الدولة