رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

«الدستور لا تملكه الأغلبية»

بمناسبة تشكيل اللجنة التأسيسية لوضع دستور مصر الجديدة بعد ثورة 25 يناير 2011 انتشرت في الآونة الأخيرة في بلادنا عبارة أن «الدستور لا تملكه الأغلبية»، وذلك بعد أن تبين سيطرة التيار الإسلامي في مصر علي تشكيل اللجنة التأسيسية لوضع الدستور في ضوء الانتخابات التي أجريت لاختيار أعضاء تلك الجمعية، إعمالاً للمادة 60 من الإعلان الدستوري الصادر في 30 مارس 2011،

وقد شغلني التفكير في هذه المقولة «الدستور لا تملكه الأغلبية».. وسألت نفسي: إذا كان الدستور يحدد هوية المجتمع وماهيته والمبادئ الأساسية للمجتمع وحقوق الأفراد واجباتهم فيه ونظام الحكم في المجتمع وسلطاته.. فهل يمكن أن يحدد كل ذلك إلا رأي أغلبية مواطني هذا المجتمع؟ وإذا كان الدستور لا يمكن أن يوجد أو يكتسب قوته الالتزامية إلا إذا حاز علي موافقة أغلبية مواطني المجتمع.. فهل هناك أي طريقة تلزم مجتمعا ما بدستور معين دون الاحتكام إلي رأي غالبية مواطني هذا المجتمع؟ وهل ما يحدث في الثورات من خروج الأغلبية من مواطني المجتمع علي الحاكم وإسقاطه وإسقاط دستوره ليس إلا دليلاً علي أن دستور أي مجتمع ونظام الحكم فيه هو رهن إرادة أغلبية أفراده إن أرادوا الاحتكام إليه أو قاموا عليه وأسقطوه؟ وهل لو طالب أصحاب الأغلبية أفراد المجتمع برفضهم الموافقة علي الدستور وامتثلت الأغلبية إلي هذا الطلب.. فهل هناك قوة علي الأرض تستطيع أن تفرض هذا الدستور علي المجتمع؟
فإذا أضفنا إلي كل ما تقدم أنه حتي لو صدر الدستور بموافقة الأغلبية عليه.. ألا تملك تلك الأغلبية أن تعدل ذلك الدستور؟ فالمعروف أن الدساتير من حيث القابلية للتعديل تنقسم إلي قسمين.. الأول، الدساتير المرنة وهي التي يمكن تعديلها بسهولة عن طريق المجالس النيابية أو السلطة الحاكمة، وبنفس الطريقة التي تعدل بها التشريعات العادية ومن أمثلة ذلك: الدستور الإيطالي والدستور الأيرلندي ودستور الاتحاد السوفييتي (قبل حله) والدستور الإنجليزي العرفي، والقسم الثاني: هو الدساتير الجامدة التي لا يمكن تعديلها بنفس طريقة تعديل التشريعات العادية، بل لابد من الالتجاء إلي إجراءات خاصة، ومعظم دساتير مصر من هذا النوع الجامد اعتباراً من دستور 1923 حتي دستور 1971، فإذا كان القاسم المشترك

الأول بين الدساتير المرنة والجامدة هو القابلية للتعديل مع اختلاف في درجة السهولة في ذلك.. فإن القاسم المشترك الثاني هو أن الشعب مصدر السلطات، وهو أعلي من كل السلطات جميعاً.. فالشعب أعلي من السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية والسلطة القضائية.. وهو أعلي أيضاً من السلطة التأسيسية أو اللجنة التأسيسية التي تضع الدستور.. وكل هؤلاء يستمدون سلطتهم من الشعب.. فإذا أراد هذا الشعب أن يضع دستوراً جديداً أو يعدل دستوراً قائماً أو يقسطه فإنه صاحب الحق وحده في ذلك حتي لو اضطره الأمر للثورة وإسقاط النظام بالكامل.. وكل ذلك لا يمكن أن يتم أو ينجح إلا إذا أيدته غالبية أفراد المجتمع.. فلا يمكن وضع دستور أو إسقاط دستور إلا بموافقة أغلبية الشعب علي ذلك.. فإذا كان هناك تيار فكري معين يعتنقه أفراد هذا الشعب.. ألا يمكن لهذا التيار عن طريق تلك الأغلبية أن يتحكم في الدستور ويظل هذا التحكم قائما طالما بقيت له تلك الأغلبية؟ وهل تستطيع أي أقلية مهما كان وجاهة منطقها أن تجبر الأغلبية علي وضع دستور لا ترضي عنه تلك الأغلبية..؟ وهل السماح بتعديل الدساتير سواء أكانت مرنة أو جامدة ليس إلا طريقاً لمواجهة المتغيرات والمستجدات التي تطرأ علي المجتمع ومنها تأرجح الأغلبية في المجتمع بين هذا التيار أو ذاك؟، فهل بعد كل هذا مازلت تعتقد يا صديقي أن «الدستور لا تملكه الأغلبية»؟!

-----

بقلم: المستشار حسني السلاموني

نائب رئيس مجلس الدولة