رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

تحيا النصبوقراطية

دون الدخول في تفسيرات أو تفصيلات طويلة ومملة، فإن الديموقراطية تعني حكم الشعب للشعب عن طريق ممثليه المنتخبين انتخاباً حراً ونزيهاً، ومع ذلك فإن الديموقراطية لها إيجابيات، وعليها مآخذ، وحتى الشورى وهي البديل الإسلامي للديموقراطية تهاجم من العلمانيين والليبراليين واليساريين، وعندما قامت ثورة مصر العظيمة التي رفعت شعارات العيش والحرية والعدالة الاجتماعية، فإنها أسقطت نظام فاسد مستبد لم يترك لنا سوى الفقر والقهر والدموع،

والآن وبعد أكثر من عام، ورغم جسامة التضحيات وفداحة الثمن، فإن السلطة الانتقالية، والتي أورثها مبارك السفاح الحكم، لم تحقق التغيير الديموقراطي المطلوب، بل الذي حدث هو العكس، سواء بشكل مباشر، كالهجمة على الإعلام، ومحاكمة المدنيين أمام محاكم عسكرية، وتشويه الثورة وبلطجتها، والتدخل في أحكام القضاء، كما حدث في قضية التمويل الأجنبي، في حين يُكافأ السفاحون والمفسدون بمحاكمات بطيئة ومملة أمام محاكم مدنية، ويقيمون في سجون خمس نجوم، ورأينا ولأول مرة في مصر العظيمة ذات العشرة آلاف سنة حضارة من يلبس الزي العسكري وجيش مصر العظيم بريء منه، يسحل الحرائر، ويعريهن من ملابسهن ويرمي جثث الثوار في مقالب الزبالة، ويتبول على المتظاهرين في تصرف غير حضاري أو أخلاقي، ويحرق الممتلكات الشخصية للأفراد، وهو المكلف بحمايتها، ثم يجري كشف العذرية على شريفات مصر في انتهاك واضح لأعراضهن، وليس هناك ما يفسر ذلك، سوى أن السلطة الانتقالية كانت تلف وتدور وتراوغ وتخدر الثوار، وتخدعهم لحين استعادة قوى الأمن القمعية لقوتها، مضافاً لها أرتال الشرطة العسكرية للانقضاض على الثوار، وما صاحب ذلك من انفلات أمني متعمد، وانهيار اقتصادي مخطط له، لتجريم الثورة، وتكفير الجماهير بها، ثم الانقضاض عليها وتصفيتها، بعدما امتنعت هذه السلطة عن تحقيق أهدافها، وكأنك يا بوزيد ما غزيت، ويضيع دماء حوالي ألف شهيد، ومعاناة حوالي عشرة آلاف مصاب هدراً .
ولقد جاءت العملية الديموقراطية في المرحلة الانتقالية منقوصة، مشوهة، مرهقة، مملة، ومكلفة، وذلك لما صاحبها من أخطاء وخطايا متعمدة، سواء كان ذلك بجهل، أو كان عمداً وبسوء نية، مدفوعة بالحقد على الثورة والكره لها، من أزلام مبارك، وعبيد عطاياه، من مناصب ورتب وبدلات ولاء.
وإذا استعرضنا انتخابات مجلس الشعب والشورى، سنجد تعقيداً في العملية، حيث أن تكوين الأحزاب لم يكن بالإخطار، بل بالعرض على لجنة الأحزاب، وكذلك اشتراط خمس آلاف توكيل، والإعلان في جريدتين على الأقل، وهو ما يكلف حوالي خمسة ملايين جنيه، بخلاف مصاريف الدعاية الانتخابية، مما يضطر مكوّنو الأحزاب من اللجوء إلى رجال أعمال جمعوا أموالهم الحرام في عهد مبارك، ومازالوا يسبحون بحمده، كما طالت فترة إجراء الانتخابات لأكثر من شهر، والتي كانت خليطاً من القوائم والانتخابات الفردية، في سابقة لم نر لها مثيلاً من قبل، حتى ملها الناس، وتدنت نسبة التصويت في مجلس الشورى إلى أرقام مخجلة .
وانتظرنا انتخابات الرئاسة، آملين في أن يكون هناك انفراجاً فيها، فإذا بها تأتي حسب تخطيط المخلوع، وتنفذ بواسطة أزلامه الذين اختارهم من قبل لتمرير توريث الكوتو موتو، وتحت غطاء مجموعة من المواد المحصنة والمانعة والمائعة، وهلامية التفسير، والتي لن أثقل عليكم بأرقامها، والتي وضعها باقتدار ترزية القوانين البارعين في تزويق الحقائق وتزويرها، مما يدل على الإصرار على بقاءها، وأن هناك سوء نية، وتخطيط مسبق لانتخاب رئيس طرطور يحركه العسكر مثل خيال المآتة، يستدعونه من أرشيف العهد البائد، يضمن لهم بقاء مصالحهم وإمبراطوريتهم المالية، ويجعلهم فوق المساءلة، وأعلى

من الشعب، ثم توضع لها شروط مانعة قامعة مثل ضرورة الحصول على ثلاثين ألف توقيع من خمسة عشر محافظة، وهي مستحيلة على المرشح سيء الحظ ، الذي ليس له معين أو ظهير، بالإضافة إلى تكاليف لا حصر لها من أثمان تُدفع للتوكيلات، وتكاليف دعاية لا يقدر عليها إلا من كان وراءه كنز من الخارج أو من رجال أعمال مبارك، وهذه كارثة، كما لا يخفى أن ذلك تم الإعداد له بعناية لمنع شباب الثورة من أن يكون لهم دور في إدارة الدولة مستقبلاً، وتبقى كما كانت دولة العواجيز، والتبعية للخارج، وقد ساءني ما وصل الأمر إليه عندما عين أوباما رئيس مصر المستقبل في مؤتمر ديفوس، وصافح المحظوظ قائلاً: أهلاً سيادة الرئيس! عملاً بمقولة فيلسوف النظام السابق، الذي يعاد تلميعه في بعض قنوات الفلول الفضائية، بأن رئيس مصر لابد أن توافق عليه أمريكا، وترضى عنه إسرائيل، وهو مرشح الرئاسة الذي تقف وراءه جامعة الدول العربية، وبعض الدول الخليجية بكل إمكانياتها، كما يدخل الترشيحات كل من هب ودب من فلول وأصحاب الميول الاستعراضية والجهلة، في كوميديا سوداء ساخرة، الهدف منها تشويه منصب الرئاسة حتى نرجع إلى العسكر ثانية، لنتوسل إليهم بأن يتولوا هم شؤون البلاد، ويا ليتنا كنا قد استفدنا من الدرس التونسي، والذي ابتعد فيه عسكرهم المحترمون عن الواجهة، حيث لا أطماع لهم ولا أموال يخافون عليها، وتركوا الشعب يحدد مسيرته الديموقراطية بانتخاب جمعية تأسيسية مؤقتة، جمعت كل أو معظم الاتجاهات، لإعداد الدستور، والذي تأتي بعده انتخابات المجالس النيابية والرئاسة، ولكن السلطة الانتقالية في مصر اتبعت أسلوب القطعة في قطعة والتنقيط، وأسلوب العظمة والجزرة، في أنها كانت ترمي ببعض الفتات الديموقراطي، ليلهث وراءها بعض السذج والموتورين، واللذين أثاروا معارك وزوابع لا ضرورة لها، مثل معارك ما بعد الاستفتاء على الإعلان الدستوري، والدستور أو الانتخابات أولاً ، ووثيقة السلمي وغيرها، وعندما أستعرض المشهد أصل إلى خلاصة مفادها: أن العسكر لن يتركوا السلطة، وأرجو أن أكون مخطئاً في ذلك، وأن الرئيس الذي سيأتي في ظل القوانين واللجان المباركية سيكون رئيس تفصيل على مقاسات المجلس العسكري، وعلى الجميع الذين يشاهدون ويتفرجون على هذه الفضيحة أن يهتفوا معي:
تحيا النصبوقراطية!!

بقلم: د/ زكريا مطر
mohzakm[email protected]