رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

المتهمون الأمريكان وقاضى التمويل

عاصفة من الجدل مصحوبة بالغضب تفجرت منذ صباح  يوم الخميس الماضى( أول مارس) , مع  صدور قرار "قضائى" غامض  برفع الحظر عن سفر "الأمريكيين أل 16" المتهمين  على ذمة القضية المعروفة  إعلامياً ب"التمويل الأجنبى لمنظمات المجتمع المدنى"..

القرار أثار لغطا كبيرا فى الشارع المصرى ,والأوساط السياسية  وحتى القضائية , بقدر ما ساهم فى نزع فتيل الأزمة العنيفة التى ضربت العلاقات الأمريكية - المصرية .. وقبل الشروع فى تناول القرار بالتحليل من "الناحية القانونية", نجد من  الأنسب فى ظل تضارب الأنباء , البدء بسرد المعلومات الصحيحة  المتوفرة حتى الآن بشأنه :
- المستشار عبد المعز إبراهيم رئيس محكمة إستئناف القاهرة أعلن فى تصريحات صحفية وتلفزيونية , وبوضوح شديد , أن دفاع المتهمين الأمريكان , تقدم إلى  دائرة التظلمات بالمحكمة بطلبات لرفع "منع السفر" المقرر بحقهم , وأن "الدائرة" أرتأت وقررت رفع المنع بضمان مالى قدره مليونا جنيه لكل متهم بإجمالى 32 مليون جنيه لجميع المتهمين الأمريكان , و إنبنى رأيها بحسب عبد المعز على أن التهم المنسوبة للمتهمين هى مجرد "جنح", وليست "جنايات", بما مفاده أن قضاة التحقيق أخطأوا بإحالتها إلى محكمة الجنايات.
- عبد المعز كشف عن أنه هو الذى طلب من المستشار محمد شكرى  رئيس محكمة الجنايات  التنحى عن نظر قضية التمويل , نظرا  لإرتباط  نجل الأخير  وكيل النيابة السابق بأعمال إستشارات قانونية للسفارة الأمريكية.. بينما ظهر الرئيس المتنحى للمحكمة  نافيا هذا الأمر جملة وتفصيلاً ,ومعللاً تنَحيه وعضوى المحكة الآخرين , بأن محامى الدفاع  تقدموا له  بطلب "غير قانونى" لرفع "حظرالسفر" عن أشخاص لايشملهم قرار الإتهام من أساسه    ( برنامج "بالمصرى" على قناة أون تى فى) , وانه بصدد كتابة مذكرة تفصيلية بأسباب تنحية , وألقى باللائمة على المستشار عبد المعز ,ومؤكداً أن المنسوب للمتهمين ليس  "جنحة", وإنما "جناية" قد تصل العقوبة عليها  إلى خمس سنوات سجناً , ثم أنطلقت عاصفة الجدل بين القضاة , على برامج التوك شو , تحليلا لمدى قانونية القرار القضائى وسلامته , وكيف حدث وملابساته , وفى هذا الصدد تعددت الفتاوى والروايات.   
   - ويمكننا أن نخلص من هذه المعلومات إلى مايلى :
-1 أن هناك تدخل ما , يؤشر عليه ضغوط المستشار عبد المعز على قاضى التمويل المتنحى ,وأن ماذهب إليه الأخير من أن تنحيه جاء على خلفية تَقدُم محامى الدفاع  بطلبات غير قانونية , هو سبب غيرمقنع بالمرة , ويفتقد للمنطق ولايمت للقانون بصلة , بل ومن الطبيعى أن المحامى المدافع عن أى متهم يسعى بكل جهده لتبرئة المتهم ,أو تحسين وضعه  القانونى بأى مزاعم أو إدعاءات أو طلبات , والقانون نفسه يسمح بذلك . من ناحية أخرى فإن هذه الطلبات لا تشكل ضغطاً على "المحكمة", إذ يمكنها بسهولة شديدة أن ترفض ما تراه طلبات غير قانونية .
2- إذا كان هناك ضغوط خارجية من المستشار عبد المعز أو غيره , فهى أدعى لأن يتمسك "قاضى التمويل" بالقضية ,لا أن يتنحى عن نظرها , وكان عليه أن يلجأ لمجلس القضاء الأعلى لمحاسبة عبد المعز.
3-  الأكثر إثارة وغرابة فى موقف "قاضى التمويل" , هو أن المتهمين الأجانب لم يحضروا جلسة الإجراءات الاولى ,المنعقدة يوم 26  فبراير, ومن ثم , كان يجب على القاضى ألا يستمع لمحامى دفاعهم من الأساس , وأن يصدر أحكاماً غيابية بحق هؤلاء الأجانب المتغيبين, وان تكون هذه الأحكام بأقصى العقوبات المقررة قانونا للتهم المنسوبة إليهم ,وهو مايسمى قضائياً  ب"الحكم التهديدى",إذ أنه وطبقا لقانون الإجراءات الجنائية يتعين حضور المتهم بذاته أمام المحكمة , وليس لمحاميه أن يتقدم بطلبات تأجيل ولا دفوع ولا حتى إثبات حضوره , طالما أن "المتهم" نفسه "متغيب" عن حضور الجلسة , والسؤال الذى يطرح نفسه هنا, وغاب عن جنرالات برامج التوك شو, هو.. لماذا لم يُصدِر "قاضى التمويل" أحكاماً غيابية  بحق الأجانب الأمريكيين , وغيرهم من المتغيبين عن الجلسة؟! حتى يجبرهم على عمل ما يُسمى "معارضة"على

الأحُكام الغيابية بحقهم,وهذه الأخيرة لكى يتم نظرها , فلابد أن يمثلوا أمام المحكمة , إذ  لابد من حضورهم أمامها , حسب القانون ,  
4- أن القاضى وبدلا مما هو"واجب" بإصدار الأحكام الغيابية ,فإنه قرر التأجيل لمدة شهرين كاملين , ولا أعرف سنداً قانونياً , لهذا التأجيل بالنسبة للأجانب والمتغيبين عموما ؟ و لماذا يقبل طلب التأجيل أصلا  من المدافعين عن "متهمين متغيبين" ؟ بل لماذا يسمح لمحامي هؤلاء المتغيبين بإثبات حضورهم بالجلسة من الإساس؟ .. وإذا كان القاضى قد أرتأى سماع المحامين والإستجابة لطلب "التأجيل", رغم عدم قانونيته للمتغيبين .. فلماذا  شهرين كاملين ؟ وكان يكفى  شهراً واحداً على الأكثر, كى يأخذ محامي الدفاع فرصتهم للإطلاع وإعداد دفاعهم, وقد لاحظنا كيف  أن الدنيا ولم تقعد لأن قاضى المخلوع مبارك حجز القضية للحكم بعد أربعة أشهر , فى قضية بلغت  72 ألف ورقة , وهى من أخطر القضايا فى تاريخ مصر.
5 –  أن التهم المنسوبة للمتهمين جميعا , بحسب قرار الإتهام , هى إدارة منظمات أهلية  بدون ترخيص قانونى , وتلقى تمويلات أجنبية بدون موافقة الحكومة المصرية , وممارسة نشاطات سياسية محظورة على الجمعيات الأهلية , ومقصورة على "الأحزاب السياسية"   طبقا لقانون الأحزاب رقم 40  لسنة 1977 , وتعديلاته .
6–   إننا بالفعل  أمام "جنحة" , وليس جناية وهو ما ذهب إليه المستشار عبد المعز..أى أن الحُكم فى نهاية المطاف قد  يكون ب"الغرامة" , التى لا تزيد عن عشرة آلاف جنيه , ومبلغ مماثل لما تلقاه الشخص أو المنظمة من الخارج ,ىى وحل الجمعية ( مادة 76 بقانون الجمعيات) , وهذا يفسر لنا سر المليونى جنيه كضمان مالى لكل متهم , إذ أن الدائرة التى رفعت عنهم حظر السفر, مقابل "ضمان مالى" بمبلغ مماثل للغرامة التى قد يُحكَم بها على كل متهم , ويظل المتهمين مطلوبين ومُلاحقَين قضائياً  , لأن  دائرة التظلمات حكمت برفع "حظر السفر" فقط , ولم تُسقط عنهم التهم أو تقضى ببرائتهم , فهذا ليس من إختصاصها .   
وأخيرا .. فإنه لا يجوز لنا أن نلوم الأمريكيين على سعيهم القانونى لإنقاذ رعاياهم , بعد أن أنغلقت أمامهم سُبل السياسة , وإذا قيل أن ضغوطا قد حدثت على القضاة , فإن للقاضى حصانة ,تجعله غير مضطر للرضوخ لها , وإن كان هناك من فَّرَطَ فى إستقلالُه من القضاة , فلا يلومنَّ إلا نفسه , وليفتح مجلس القضاء الأعلى تحقيقاً يُحاسب فيه المخطئين والمفرطين ومن يكون قد نال من إستقلالهم .
ما سبق كله فهو بشان القانون أما السياسة فى القضية فلها حديث آخر نعود إليه لاحقا.
[email protected]