عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

المجتمع المدنى .. طاقة لم تستخدم بعد

من المؤكد أن جهاز الحكم لديه من المبررات ما دفعه إلى مراجعة نشاط ومصادر تمويل منظمات المجتمع المدنى العاملة في مصر للتأكد من التزامها بالقانون ومن حقيقة الانصراف الى قضايا المجتمع المتصلة بتنميته وتقدمه، وأيضاً للتأكد من مشروعية التمويل ومن عدم تنفيذ مخططات ضارة بالبلد.

وجهاز الحكم مسئول عن ذلك حرصاً على الصالح العام وعلى مستقبل البلاد، غير أن التوقيت والأسلوب وطريقة التنفيذ والحملة الاعلامية المصاحبة، كل ذلك كان يحتاج لبعض الدقة والحرفية ووضوح سلامة القصد، وقد يكون الضرر الذى وقع أكثر من النفع المحتمل، لا لشئ إلا لسوء التنفيذ. هذه مجرد تكهنات ولا أملك إلا التضرع إلى الله ليحمى مصر ليس فقط من أعدائها وإنما أيضاً من بعض أبنائها.
كانت هذه المقدمة ضرورية لأبدأ الحديث عن أهمية المجتمع المدنى ومحورية دوره في تحقيق النهضة الشاملة للوطن. وأنا من المؤمنين بأن المجتمع المدنى (أو قل الأهالى والجمعيات الأهلية) يمكن أن يكون أحد العوامل الحاسمة في مشروع النهضة، فهو يمكن أن يتحمل مسئوليات عديدة، وأن يتصدى لحل مشكلات كثيرة، بل وأن يقود بالفعل مشروعات أكثر لإنهاض مصر.
خذ على سبيل المثال عدداً من المشروعات الواضحة التى يمكن أن يكون للمجتمع المدنى دور كبير فيها :
1 - سيولة المرور في القاهرة
2 – محو الأمية
3 - تمكين الأسر الأشد فقراً
4- تحسين التعليم
و هذه العينة من المجالات يمكن البدء فيها فوراً ولا تحتاج لتمويل كبير من الدولة، وهناك عشرات المجالات الأخرى المتاحة، على أنى سأقتصر هنا على مثال واحد فقط بشأن  سيولة المرور في القاهرة.
أخطأت الحكومات المتتالية في مصر في تقييم وتشخيص مشكلة المرور، وبالتالى أخطأت في تقديم الحلول، والنتيجة أن المشكلة تزداد حدة شهراً بعد آخر، ووصلنا أحياناً إلى توقف تام للحركة لساعة أو أكثر في بعض المحاور، ولا أحد يهتم مع أن تكلفة هذا التوقف باهظة للغاية من وجهة نظر المجتمع ومن وجهة نظر المؤسسات ومن وجهة نظر الفرد، فالفرد يزداد غضبه وتوتره، ويزداد تعرضه للتلوث، ويتأخر على عمله، أو يفوته قضاء مصالحه، أو لا يلحق بالقطار المسافر، أو لا ينقذ المريض الذى كان يقصده، أو يربك الاجتماع الذى كان سيرأسه، أو لا يفتح منفذ الخدمة الذى كان سيفتتحه، والنتيجة أيضاً أن جداول المدارس والجامعات ترتبك، وجلسات المحاكم تتعطل، وخدمات المرافق تتأخر، وغرف العمليات بالمستشفى تعانى، وبرامج الاذاعة تتداخل، و..، و.. أضف إلى ذلك أن الأفراد أنفسهم سيرتفع ضغطهم فيمرضون ولم يكونوا من قبل مرضى، أو سيتعرضون أكثر للتلوث الذى يغطى سماء القاهرة باقتدار، وكل هذه البنود وأكثر تمثل تكلفة نفســــية ومالية وتنظيمية.
و الحل؟ جزء من الحل أن نشرك المجتمع المدنى في تنظيم المرور وزيادة سيولته وأيضاً في تقليل مخاطره، هل فكّرنا مثلاً في زيادة عدد ركاب السيارة الخاصة الواحدة بوسائل مختلفة يستطيع المجتمع المدنى توليها، فتقل الحركة على الطريق؟ وهل فكّرنا في تشكيل مجالس من المواطنين في كل منطقة للتصدى لبعض مفسدات المرور مثل الإشغال غير السليم للشارع أو للأرصفة، أو غلق أماكن الانتظار بالقوة أمام المحلات؟ هل استخدمناه فى تخطيط الشارع أو تزويد الشوارع باللافتات والبيوت بالأرقام، وهل فكرنا في الاستفادة من المتقاعدين لتدعيم قوة تنظيم المرور خصوصاً أمام المدارس والمستشفيات؟ وهل فكرنا في اشراك الطلاب في تنظيم المرور بصفة مستمرة؟ وهل فكّرنا في تكليف منظمات المجتمع المدنى بحملات التوعية اللازمة لمستخدمى الطريق؟ وهل فكرنا في تكليفها باجراء الدراسات المرورية وتقديم المقترحات؟ وهل فكرنا في آلية استطلاع دائم لآراء المواطنين في نظم المرور وتخطيط الشوارع؟ وهل فكرنا في إسناد تنظيم المرور في أحد الأحياء على

سبيل التجربة لمجموعة من الشباب؟ (لاحظ أنهم نجحوا في تنظيم المرور في أصعب الميادين وفي أحلك أيام الثورة) وهل فكرنا في تشكيل مجلس من المواطنين لمراقبة خدمة المرور في الحى السكنى أو في حيز ادارة المرور؟ وهل فكرنا في استخدام بعض موارد ادارة المرور في التحسين المباشر للمنطقة المحيطة أو الحيز العمرانى التابع لها؟
إن مشاركة المواطنين في هذه المجالات أو في غيرها تحقق نقلة نوعية في طبيعة العلاقة بين المواطن والحكومة، فلا يصبح الطرفان متناقضان أو متضادان بل يصبحان فريقاً واحداً يدير الخدمة في المجتمع، ويدرك المواطن أنه مسئول ومشارك، وفرق كبير بين شعور المواطن أنه هو نفسه مسئول وشعوره بأنه متفرج، و«شكّاء بكّاء». إن هذه النقلة النوعية في طبيعة العلاقة مطلوبة لذاتها بحيث تؤكد أن البلد بلدنا جميعاً وكلنا نشارك في إسعاد أفراده، فلا نتبادل الشك ولا نتبادل اللوم أو الاتهام. وبطبيعة الحال فان إشراك المجتمع المدنى سيكشف عن كنز الأفكار الجديدة والمبادرات الجريئة، فيخرج المسئول الحكومى عن التفكير التقليدى أو يخرج من صندوق الحلول المعتادة (الفاشلة عادة !).
إن توظيف المجتمع المدنى لتعزيز خطط ومشروعات التقدم مسألة ضرورية للغاية في ظل نقص الامكانيات لدى الحكومة ويستثمر في مناخ السلوك الايجابى للمواطنين الذى تولّد بعد ثورة 25 يناير، وأنا على يقين بأن هذا التوظيف جزء رئيسى في أى اجتهاد نحو التقدم. وأنا أيضاً أطمع في تغير سلوكيات المواطن نتيجة لذلك فقد يقلع هو نفسه عن التصرفات السلبية نتيجة احساسه بأنه أصبح مسئولاً. تخيل مثلاً أننا أشركنا مجموعة منتخبة من سائقى الميكروباص في برنامج التوعية المرورية للسائقين، ثم في مراقبة ســـــلوك الســـائقين. صحيح سيحدث انحرافات في البـــــداية واستغلال للنفوذ، ولكن المحصلة في النهاية هى الارتقاء بالمواطن من حيث احساسه بالمسئولية ورغبته في المشاركة لتحسين جودة الحياة.
أنا أعلم أن بعض ذوى العقول التقليدية سوف يستخف بهذه المقترحات، وسوف يشكك في النتائج المرجوة، وسوف يقلل من قيمة بعض المبادرات مثل مشروع اشترى المصرى ومبادرة صناع الحياة ومبادرات مساعدة العشوائيات ومبادرة مصر الخير وغيرها، وسوف يؤكد المسئول الحكومى على ضرورة تركيز العمل في تنفيذ الحلول التى جربناها لعشرات السنين، والتى للأسف لم تنتج شيئاً يذكر، بل إن المشكلة تـزداد حدة.. وأصحــــاب القــــــرار يجترّون نفس الــــكلام ويمارسون نفس الأساليب.. ولك الله يا مصر

آخر سطر
اشراك المجتمع المدنى في كل شئوننا.. دعوة للرقى
--------

د. صديق عفيفى
[email protected]