رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

يوم.. أن مات سعد زغلول «2/2»

.. وإن كان لنا أن نذكر لتبيان حب الشعب المصرى الجارف لسعد وانصياعه إلى قيادته فإننا نذكر هذا الحديث الذى سجله التاريخ.. فبينما كان سعد زغلول يعانى ظلمة المنفى  جاءت الى مصر لجنة «ملنر» فأصدر الوفد قراراً بمقاطعة هذه اللجنة على أساس أن المفاوضة يجب أن تكون مع سعد زغلول  وحده، «ملنر» لم يصدق أن المصريين جميعاً قاطعوه.. وفى أحد الحقول النائية توقف ركب ملنر، ونزل الرجل ليحاصر بأسئلته فلاحاً بسيطاً، وهاك هو الحوار الذى دار بين ملنر وبين أحد فلاحى مصر:

س: اسمك؟
ج: «صمت»!
س: هل أنت متزوج.
ج: «صمت»!
س: هل عندك أولاد؟
ج: اسأل سعد باشا؟!
س: الساعة كم الآن؟
ج: اسأل سعد باشا؟!
.. واضطر الإنجليز الى الافراج عنه وعاد الى مصر واستقبل من شعب مصر استقبالاً لم يعرف التاريخ له مثيلاً حتى أن كاتباً كبيراً كتب عنه يقول «لو قدر للإسكندر الأكبر، أو نابليون بونابرت أن يشهد ما شهده سعد زغلول من استقبال الجماهير الهادرة له.. فماذا كان يتمنى لنفسه أكثر من ذلك؟!. ونشرت جريدة البلاغ آنذاك مانشيتاً عريضاً معنوناً منية المرشد ـ معقل الزعيمين فتح الله بركات وعاطف بركات ـ تحتفل بعودة أبنائها زعماء مصر من المنفى وتناقلت صحف العالم هذا المانشيت.
وعاد الثائر العظيم يكافح  من أجل الدستور حتى صدر دستور 1923 الذى جعل فيه حكم مصر لإرادة الشعب رغماً عن ملكها أحمد فؤاد.. ثم ترأس مجلس النواب فشرف به المجلس وكان رئيساً له ولا كل رئيس، كما عبر المفكر الكبير عباس محمود العقاد فى مقال له عن سعد بعنوان «عظيم كل حياته عصامية».
وعندما حانت منيته فى اليوم الثالث والعشرين من أغسطس عام 1927 انفجرت مصر عن بكرة أبيها فى صيحة واحدة بالتشنج والكباء المر، فلم يكن أرهب من ذلك السكون الا هذا الكباء الذى اتصل مداه فى لحظات معدودات بكل مكان فى القاهرة وكل مكان فى أرجاء البلاد حيث كان كل نبأ منظور فى تلك المرحلة من مراحل السياسة المصرية إلا موت «سعد زغلول»، فالدستور قائم لا يعلم مصيره والمفاوضات على القضية المصري ماضية لا يعلم مصيرها والمساعى كثيرة والعروض أكثر وسعد وحده هو ميزان الأمور بعد ذلك البحر اللجى من المساعى والفروض على أن الناس بغتوا بالروعة فى غير تفكير ولا انتباه لحقيقة ما يروع، بستوى منهم من يكترث بالسياسة ومن لا يكترث لها أقل اكتراث بالنبأ المخيف، هذا مصرى ساقته قدماه مسرح من مسارح الفناء لا يقصده الرواد الا للهو والمجون، وتوسط الجميع ثم وقف

وصاح وهو لا يدرى لم يحمل النعى، الى ذلك المكان وهو يقول:أيها الإخوان: البقية فى حياتكم «الباشا مات» فما لفظ بها حتى صرخت المغنية ـ التى كانت تتلوى بالغناء ـ وألقت بالعود من يديها وولت هاربة ووجم الحاضرون هنيهة ثم تسللوا مجتمعين ومنفرقين خارج دار الغناء.
وكانت القاهرة كلها محشورة بين بيت سعد زغلول والمقبرة ـ من دار سعد الى قبر سعد. أفاق الناس وهم يتساءلون: سعد يبرح داره؟!. سعد مفارقهم الى غير لقاء؟! ياللهول القاسم وياللفزع الأكبر وجاءت لهم الحقيقة جائحة فادحة فى صورة ذلك النعش الأخضر ينحدر من بيت الأمة فى تؤدة وسكون نعش سعد وفيه سعد؟!
وكانت لحظة عاش فيها ودفن فيها حلم الحليم وصبر الصبور، وكانت القاهرة ـ بغير سعد ـ القاهرة اليتيمة وكانت «به بوحشة القبر، وهذا ما سجله «العقاد» فى كتابه «سعد زغلول سيرة وتحية».
مات سعد زغلول فبكته مصر كلها بدماء قلبها، وعصارة فكرها ويعبر أدباؤها وشعراؤها عن الحدث الجلل فينشد «شاعر النيل»:
إيه ياليل هل شهدت المصابا
كيف ينصب فى النفوس انصبايا
بلغ المشرقين قبل انبلاج الصبح
ان الرئيس قد ولى وغابا
وانع للنييرات سعداً فسعد
كان أمضى فى الأرض منها شهابا
قل لها غاب كوكب الأرض فى
الأرض فغيبى عن المساء احتجاباً

وينشد:«أمير الشعراء» الذى كان غائباً عن الوطن ـ آنذاك ـ معبراً عن حزنه لموت سعد وتلقيه نبأ وفاته وهو بعيد عن الوطن:
شيعوا الشمس ومالوا بضحاها
وانحنى الشرق عليها فبكاها
ليتنى فى الركب لما أفلت
يشوع، همت فنادى فثناها

وتبديج براعة العقاد فى ذكرى الأربعين له:
حملوا على المدفع مدفعاً
الأساطيل اتقته والحصون
فترة التيه تغشت أمة
غاب موساها على طور سنين
وتكتب التايمز الإنجليزية عنه مقالاً معنوناً: مات الأسد المصرى..
فسلام على سعد في الخالدين