رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

وزراء عندهم خيال وأصحاب قرار

كل المطروحة أسماؤهم لحكومة الإنقاذ الوطنى رجال ونساء أفاضل ، وبعضهم خبراء مشهود لهم بالنزاهة والكفاءة ، وآخرون كانوا في مقدمة من أطلق شرارة الثورة ، وأصر على التغيير، تغيير قواعد اللعبة قبل الترشح لأى منصب واستطاع بالفعل أن يدهشنا بأفكاره المتقدمة وبإصراره العنيد على أن الشعب

هو الذى سيغير النظام وثبت أن أفكارهم، على جرأتها، صائبة، وأن ما يحلمون به قابل للتحقق.
والمرء يجد نفسه في حيرة إذ يطلب منه أن يزكى عمرو أو زيد ، وهم بالقطع شرفاء ومخلصون، ولا نريد لأى منهم أن ينتهى إلى ما انتهت اليه الحكومة المستقيلة حين انفصلت عن أهـــداف الثورة وأحلام الجماهير، وحين افتقرت إلى الخيال وأحياناً إلى شجاعة القرار.
وأتذكر أنى في السابق عملت لسنوات مستشاراً لواحد من أنشط أمراء دول الخليج والذى استطاع بجرأة أحلامه وشجاعة قراراته أن ينقل إمارته إلى مصاف الكبار وأن يضع دولته الصغيرة في حلبة كبار اللاعبين في المنطقة في الوقت الذى تراجع فيه دور مصر بسبب فقر الأحلام وبطء القرارات وربما الخوف من اتخاذ القرار حتى لا تغضب جهة أو أخرى.
إن الذى نحتاج اليه الآن ليس خبرة طويلة فقط، وليس كفاءة في الأداء فقط. إن ما نحتاج اليه قبل كل شيء هو سعة الخيال والقدرة على الحلم وشجاعة القرار، وأنا لا أتحدث فقط عن رئيس الجمهورية أو رئيس مجلس الوزراء، وإنما أتحدث أيضاً عن الوزراء والمحافظين وكل القيادات المؤثرة في مسيرة الدولة. وخذ أى مثال للتوضيح ولنبدأ بالزراعة باعتبارنا كنا يوماً دولة زراعية، ثم نفض المسئولون محدودو الأفق أيديهم من الزراعة جرياً وراء أحلام الصناعة «من الإبرة للصاروخ» وكأن التصنيع يتعارض مع الزراعة؛ ألم أقل إنهم أناس بلا خيال؟ وأهملت الزراعة فلم يصبها أى تطوير حقيقى، وظل الفلاحون يزرعون بنفس أساليب ما قبل خمسة آلاف عام أو أكثر، وتآكلت الأرض، وأهدرنا المياه لتمسكنا بنظام الرى بالغمر، حتى فوجئنا بأرضنا تتناقص ومياهنا مهددة بمشروعات شركاء حوض النيل . والخطيئة هى: أن المسئولين لا خيال عندهم ولا فكر إبداعى لديهم، ناهيك عن الافتقار إلى الشجاعة في القرار.
فلما لجأنا إلى الصناعة ووجدناها أيضاً تدهورت لأنه لا رؤية ولا خيال. هل تصدّق أننا بعد خمسين عاماً في صناعة السيارات لا ننتج سيارة تجذب المستهلك المصرى؟! هل تصدق أننا بعد خمسين عاماً في صناعة الثلاجات لا ننتج ثلاجة تنافس الأجنبى بمعيار الجودة والسعر؟! ولا أريد أن أعدّد أكثر من ذلك.. أين المشكلة؟ المشكلة أن المسئولين انساقوا وراء الشعارات بديلاً عن الانجازات، واتبعوا التقليد بدلاً من التجديد، وساروا على النهج القديم خوفاً من أى أفكار جديدة مبدعة . واسألوا أى صاحب اختراع عن كم المعاناة التى يعانيها مع مغلقى العقول وحراس القديم في دهاليز البيروقراطية، إلى أن يحبط نهائياً وينزوى ثم يخرج خارج السباق.
وخذ التعليم مثالاً ثالثاً على الافتقار للخيال وجرأة القرار.. كل مصرى يتحدث الآن عن تراجع مستوى التعليم في مدارسنا التى تعد بعشرات الألوف، وتدنى أداء المعلمين الذين يجاوزون المليون عدداً، وتخلف المدارس تجهيزاً وأداءً ، بل وانسحاب بعضها وربما أغلبها من العمل التعليمى وقبله العمل التربوى.. ونحن نعلم ضيق الميزانية المتاحة للسيد الوزير ، ومحدودية الموارد تحت يد الخزانة العامة. كيف نحل المشكلة؟ من المؤكد ليس فقط بزيادة الفصول فهى لن تلاحق الزيادة السكانية ومواردنا لا تكفى، وليس فقط بمراجعة المناهج فهى ستجهض على أيدى معلم غير مدرّب ومُوجِه غير مُوجَه.
إن المطلوب حلول ابتكارية وإبداعية توظف التكنولوجيا وترشد استخدام الموارد وتشرك المجتمع في تمـــويل وادارة التعليم وقبل ذلك وبعده إعادة صياغة دور المدرسة وإلغاء نمطية المناهج وتشجيع المبادأة على مستوى المعلم وعلى مستوى المدرســــــة بل وعلى مستوى الطالب.. ولن يتأتى كل ذلك إلا إذا كان لدى المسئول قدر من الخيال غير قليل، وقدر من الشجاعة غير قليل.
هل أدلّكم على طريق نمشى فيه إلى المجد والتقدم؟ أول شرط في هذا الطريق أن يكون جديداً، وألا نركّز على تكرار الحلول السابقة مع محاولة إجادتها وتحسينها ، فذلك لن ينقلك أبداً إلى مصاف الدول المتقدمة.. ذلك فقط سيجعلك كالضفدعة في قاع البئر لا ترى إلا جوانبه ، وتغيب عنا السماوات والآفاق المفتوحة والفرص غير المحدودة التى يمكن استثمارها لو خرجنا من البئر .
سألنى إعلامى صديق مرة كيف تحل مشكلة الكتاب المدرسى وأزمة الكتاب الخارجى؟ قلت «بإلغاء الكتــــاب المدرسى من الأصل».
و صدم صديقى طبعاً من الرد ملحاً علىَ أن أترك «الهزار» فلما أكدت له أنى جاد كل الجديّة في طرح الحل، اعتبر أنى أنتمى لكوكب آخر، وأنى غير واقعى بالمرة. وصدم صديقى مرة ثانية حين وافقته على أنى بالفعل أدعو لفكر آخر غير ما هو سائد، مؤكداً أن الفرص الواعدة لا تأتى أبداً إلا من البحث عن الحــــلول غير التقليدية وغير المكررة.. إنك إذا حاولت فقط تجويد أدائك بنفس الطريقة القديمة سيفوتك اكتشاف الجديد.
كل تقدم حدث في البشرية كان بسبب أناس تركوا القديم وفكروا في الجديد. وتصوروا حالنا لو كنا ركزنا على تحسين «الحنطور» وتطويره وتركيب فوانيس خلفية وأمامية له، وتنجيد كراسيه بالقطيفة، وستائره بالحرير.. هل كنا تقدمنا؟ طبعاً لا.. وإنما التقدم جاء من شخص فكّر في شيء جديد فكانت السيارة ثم كانت الطائرة، ثم كانت الأقمار الصناعية. وتصوروا حالنا لو كنا ما زلنا نتراسل ونتواصل بالخطابات التقليدية وركّزنا على زيادة حوافز رجل البريد، ووزعنا صناديق جمع الخطابات الكثيرة في كل شارع.. هل كنا تقدمنا؟ طبعاً لا.. إنما تحقق التقدم على يد شخص جرئ فكّر في أسلوب جديد للتواصل.. بالتلغراف ثم التليفون ثم التليكس ثم الفاكس ثم الانترنت والقادم أعظم بالتأكيد.
هل أوضحت الفكرة؟ بلدنا يحتاج إلى رجـــال يملكون الخيال، ويملكون شجاعة المحاولة باتخاذ القرار.

آخر سطر
الكفاءة والخبرة هامتان .. ولكن الخيال والقرار أهم
[email protected]