صنائع الفضائيات..
الرجوع بالذاكرة والعقل لما قبل الخامس والعشرين من يناير وما بعده، حتي سقوط النظام، يظهر مشاهد كانت وقتها جزءاً أساسياً من الحوارات التي تبارت الفضائيات في عرضها، بكثافة وتكرار، حوارات مع وجوه لم تكن جديدة، لكنها في صورة مختلفة ومغايرة، وجوه بدت شديدة الثورية والغضب والانفعال،
أشخاصها كانت إقامتهم بمصر أو خارجها لعقود، لكنهم تمكنوا من ركوب القطار، في آخر عرباته. قطار نظام قد يكون مفيداً. فيه البديل لقطار نظام هوي وسقطوا منه أو فاتهم.
الفضائيات شأنها شأن فيسبوك، تؤثر فيمن لا تعتبر القراءة والتقصي ضالتهم ومبتغاهم، من يريدون من الآخر بمعني آخر، الفضائيات كفيسبوك، لا شفافية فيها ولا صراحة، لا تُعرف فيها حقيقة المتحدث ولا هويته ولا لونه، هل يتحرك من تلقاء ذاته أم أنه واجهة، ليس إلا فضائيات مثل BBC والعربية والجزيرة أفاضت مع صخب الطوفان الذي غيَّر مصر، في استضافة واكتشاف شخصيات وكأنها محركة للأحداث ومشاركة فيها، دفعت بها للصفوف الأمامية من الإعلام، ونقلت كل ما بداخلها من غضب حقيقي أو مصطنع، علي أشخاص النظام الهاوي، وغيرهم علي الماشي ممن وجدوهم أعداءً ولو كانوا عن النظام بعيدين. الشاشات الفضائية الأجنبية جعلت من استوديوهاتها مقاراً لقيادة الغاضبين وتأجيج الغضب في صدورهم.. الفضائيات المصرية لابد وأن تظهر أيضا، لابد أن تقدم من وجوهها من يثورون ويرفضون. امتلأ سوق الفضائيات، كله غضبان، وزعلان ومنفعل ومحلل ومتنبئ وفاهم ودارس وواعٍ.
وجوه اكتشفتها الفضائيات الأجنبية تحديدا، أو أعادت اكتشافها، سوق الفضائيات كسوق السينما تلزمه الوجوه الجديدة أو تلك التي تغير جلدها. في السينما
الغرب في منتهي السعادة، ما يحدث في الدول العربية، هو المطلوب وزيادة، لا اتفاق ولا تفاهم، تعصب في الرأي. خلط للباطل بالحق، تغليب للباطل باسم الثورة والتغيير. الغرب الذي تعامل مع الأنظمة الهاوية واستقبل أشخاصها ووجلهم واحترمهم، وانقلب عليها ودبر وخطط ضدها، وسينقلب علي كل من يقف أمام مصالحه، الفضائيات الأجنبية لعبت في مصر، وفي الدول العربية كافة، دوراً ظاهره حرية الشعوب وحقوق الإنسان، لكن واقعه في أجندة مختلفة تماماً، لا تريد إلا إخراج شعوب هذه المنطقة من كل خريطة، التدخل يكون عسكرياً، إعلامياً، فيسبوك، وغيره وغيرهم.
شعوب ستظل مفعولاً به، إلي متي ، الله أعلم، هل سيتسع صدر التاريخ والجغرافيا لها؟