رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

ملحمة أكتوبر السادات.. وصائد الدبابات

والملحمة هي، وكما جاء في «لسان العرب»: الوقعة العظيمة القتل.. كما قيل إنها موضع القتال.. يقولون: اليوم «يوم الملحمة» كما كان في فتح مكة، وألحمت القوى أي قتل الخصوم أعداءهم حتى صاروا لحماً.

وهكذا كانت ملحمة اليوم السادس من أكتوبر عام 1973 ففي تمام الساعة الثانية ظهراً وأربع دقائق، انطلق نسور الجو يحطمون قواعد اسرائيل الجوية حتي سويت بالأرض، وفي تمام الساعة الثانية ظهراً وأربع دقائق وقفت «أخت يوشع» في كبد السماء كما فعلت من قبل مع «يوشع النبي» وهو يحارب أعداءه.. تشاهد خير أجناد الأرض يمخرون بقواربهم عباب القناة الى حيث الهدف المعلوم بعد أن سلطوا «خراطيم» المياه الجبارة على الساتر الترابي الذي يخفي رؤوس الأعداء عن عيونهم كاشفة لهم عنها، وعن مرابضهم التي تحولت في دقائق الى بقايا أشلاء تناثرت في الهواء بما فيها وما تحويها فأمست اشلاء تذروها الرياح، حتي أن «موشي ديان» صرخ وبحدة في وجه «أياهوزعيرا»: لو لم أكن متأكداً أنه لم يبق خبير سوفيتي واحد في مصر لقلت إننا نحارب روسيا نفسها، وتساقطت نقاط بارليف الحصينة التي كان الطريق لها وعراً والمرتقى إليها صعباً بل من ضروب المستحيل، كما تتساقط أوراق الشجر في الخريف، وتوغل الجيش المصري الى قلب سيناء في يوم الاثنين الثامن من أكتوبر حتي أنهم اطلقوا عليه «الاثنين الأسود في اسرائيل».
وتدفقت الموجات تلو الموجات من جنود مصر الأبرار وهم يصيحون صيحة النصر التي كانت قد غابت عنهم كثيراً وهم يرددون «الله أكبر.. الله أكبر» ينقضون على المخابئ التي يختبئ فيها عدوهم اللدود حتي دب الرعب في قلبه وأصابه الفزع الأكبر واستبد به الشعور بأنه قد أمسى - لا محالة - في عداد الأموات فما كان من كبيرتهم «جولدا مائير» الا أن هرعت إلى الهاتف، والدمع تذرفه في الخد عيناها تستصرخ رئيس الولايات المتحدة «نيكسون» قائلة له «Saif israel» ويلبي نيكسون - بعد حين - نداءها ويأمر بفتح ترسانات السلاح الأمريكي لها مقلة إياها الى ربيبتها اسرائيل عبر الأجواء والبحار والأنهار.
وأضحى جيش مصر حديث العالم من أدناه، إلى أقصاه فما أن طرق سمعه الأخبار، أخبار العبور الجسور حتى تساءل: هل كذبته أذناه؟!
فقد كان الجيش الاسرائيلي قد أشاع وأذاع عقب حرب 1967 أنه صاحب الأذرع الطويلة، وأنه الجيش الذي لا يقهر، ففي ستة أيام دانت لهم أرض مصر سيناء بما رحبت فقد اغتصبوها على - حين غرة - وداسوا بدباباتهم ومدرعاتهم على جنود مصر، وهم أحياء بل ودفنوا منهم البعض وقد كانوا ومازالوا أحياء في باطن أرض سيناء بعد أن ضربوا مصر في مقتل وهيئ لهم أنها قد ماتت وأنى لها أن تعول الى حياتها من جديد؟!
كان السادات محرر الأرض والعرض من قبلها قد تيقن أن القوتين العظيمتين روسيا وأمريكا يحرصان على وجود اسرائيل، وبالايمان بالله والخضوع للواحد القهار سدد الله خطى السادات وبث الثقة

في قلبه وأن النصر آت لا ريب فيه وذلك بعد أن سخرت منه الشعوب العربية وهزأت منه الدول الغربية وأغرقته في النكات والتشنيعات هازئة من قولته «إنه سيحارب»؟!
واتخذ السادات القرار واستطاع جيش مصر بجنوده وقواده البواسل وفي «ست ساعات» وليس «ستة أيام» عبور المانع المائي العظيم الذي لا يضاهيه إلا «قناة بنما» وحطم خط بارليف الذي كانت تمتلئ فوهاته «بالنابالم» القاتل فقد كان هذا الخط هو أقوى خط دفاعي في التاريخ يبدأ من قناة السويس بعمق اثنى عشر كيلو متراً في عمق شبه جزيرة سيناء بتجهيزات - حربية مشكلاً - ستة عشر موقعاً حصيناً تقع جنوب القناة عند التقاء البحيرة المرة الصغرى بقناة السويس وكان أمنع من خط «ماجينو» الذي أقامته فرنسا على حدود ألمانيا لمنع تقدم القوات الألمانية، وأشد من خط «بارت الدفاعي» الذي شيدته فرنسا - كذلك - على حدود تونس لسد أي هجوم محتمل عليه، انهار خط بارليف الذي كان رمز القوة والمناعة لاسرائيل ورمز الاهانة لمصر، وتلاشت تحصيناته وفتح الطريق لجيش مصر الذي استولى على القنطرة شرق ورفعت أعلام مصر خفاقة على أرضها.
ثم يجىء محمد عبد العاطي صائد الدبابات، المقاتل الأسطورة الذي دمر بمفرده ما ينيف على العشرين دبابة خلال نصف الساعة وبث الوجل في قلب الاسرائيليين، كذلك العقيد يسري عمارة الذي «أسر عساف ياجوري» قائد اللواء 190 المدرع الاسرائيلي الذي وقع جنوده بين يديه وسيقوا الى مخفرهم في شكل ذليل مهين.
يقول اسحاق بن هارون: إن الكذبة الاسرائيلية التي وقرت في أهاذننا ان اسرائيل لا تقهر - وقد قهرت - ببسالة جنود مصر الذي اندفعوا كالسهم الى قلب اسرائيل يمضون الى رميتهم في عزيمة ومضاء الى الهدف - لا يحيدون عنه - ولا يميدون، وذاقت اسرائيل وبال أمرها بعد أن لجت في غرورها ولقنت من جيش مصر درساً بليغاً أليما لن تنساه، عبر كر السنين وتعاقب الأيام.