ضريبة الحرية
يبدو أننى كما ظللت فيما تقدم من العمر سأظل فيما تبقي منه - وهو قليل - أسدد ضريبة كوني نجل رجل عمل بالصحافة وفي مجال الرأي والتعبير وأكثر من ذلك اختار طريق المعارضة رسالة له لكشف كل فساد،
ورغم أن التاريخ يشهد كم كانت معارضة جمال بدوي تتسم بالموضوعية والعقلانية حتي أشد أساليب هجومه كان يسودها أدب الحوار ونزاهة الضمير وقد كان من لوازم جمال بدوي المهنية والأخلاقية عدم الخلط بين الشأن الصحفي والسياسي ومعاركه الصحفية وبيننا نحن أسرته الصغيرة.. فلم يتوسط لنا يوماً لدي مسئول ولم يحاب كبيراً من أجل خدمة لنا أو ترقية ورغم ذلك فلم أسلم من كوني ابن الصحفي المعارض الذي ينتقد النظام ويكشف الفساد من خلال الصحيفة التي يرأس تحريرها ولقد تعرضت بسبب ذلك طيلة سنوات حياتي الوظيفية بقطاع البترول التي قاربت الثلاثين عاماً للعديد من المشاكل والمصادمات لما كان ينشر بصحيفة «الوفد». والطريف وأحياناً لما كان ينشر بصحف أخري إذ يبدو أن السادة المسئولين بقطاع البترول خاصة بعض رؤساء الشركات التي عملت بها كانوا يعتبرونني رهينة لديهم أو حصانة تمنحهم الحماية من النقد وتناول تصرفاتهم المالية والإدارية بالكشف رغم أنهم يعملون مثلي موظفين لدي قطاع حكومي ولست أعمل في عزبة أجدادهم أو وسية آبائهم التي ورثوها بأرضها وعبيدها ورجال أمنها ولأذكر لكم مثالاً علي ذلك إذ إنه منذ أكثر من خمسة عشر عاماً - كنت أعمل بإحدي الشركات البترولية وتلقي الأستاذ الكبير الراحل سعيد عبدالخالق موضوعاً عن مخالفات مالية في إجراء مناقصة عالمية بملايين الدولارات لتوريد خطوط غاز للشركة وقد أرسلت إحدي الشركات التي أبعدها رئيس الشركة بالمخالفة للقانون الأوراق والمستندات للأستاذ سعيد طالبة نشر الموضوع وعرف الأستاذ عبدالخالق أن الموضوع يخص الشركة التي أعمل بها فعرض الأمر علي الوالد ونبهه إلي ذلك وإلي ما يمكن أن أتعرض له من اتهامات. فما كان من جمال بدوي إلا أنه وقع أمر النشر بنفسه وقال للأستاذ سعيد إنه طالما لدينا الوثائق وحالة اشتباه في وجود فساد يكبد الدولة ملايين الدولارات فمن حق القارئ أن يعرف الحقيقة ومن واجبنا كشف الفساد للمسئولين لاتخاذ ما يرونه، كما أنه لا يجب إغفال حق مسئولي الشركة في الدفاع عن أنفسهم أما أن نهمل نشر هذه الأخبار لمجرد حماية نجلي، فذلك شأنه وحده وقدره الذي يجب أن يتحمله ويسدد معنا ضريبة الحرية وقيمة الديمقراطية ونشر الموضوع بشكل كبير وقامت الدنيا وأرسل رئيس الشركة في طلبي واستقبلني طبعاً بوابل من الصراخ والعويل والاتهامات بتسريب الخبر إلي «الوفد» وظل يرغي ويزبد متشنجاً متعصباً وبأنني سأري منه شرائر الأمور وأبسطها عدم ترقيتي إلي درجة مدير إدارة التي كنت مرشحاً لها في ذلك الوقت. وبعد أن أنهى وصلته في الردح رددت عليه بكل هدوء أنني لست من وراء ذلك وبدلاً من أن تخسر جهودك وأعصابك في البحث عمن سرب الخبر فلتسأل نفسك أولاً عن مدي صحته ومدي كذبه وإن كنت واثقاً من عدم صحته فليس لك عند جريدة الوفد إلا حق الرد أو ساحة القضاء فلتعد رداً كاملاً تدافع فيه عن نفسك وتبرئ ساحتك لتنشره لك الجريدة مع اعتذار مني يا سيدي وبالطبع مثل هؤلاء
«وليعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون» صدق الله العظيم.
[email protected]