رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

عن الثورة وأصحاب الحقِّ والمُغتَصِبينَ والمُستَرِدين..

كان من المفترض أن يستكمل مقال اليوم مداخلة بدأتها مع حوار الأستاذ محمد حسنين هيكل الهام في جريدة الأهرام؛ لكن أحداثا هامة مقتحمة فرضت نفسها فأجلتها إلى ما بعد قراءة الواقع على ضوء تظاهرات «جمعة الاسترداد»

التي يوحي عنوانها بأن ثورتنا قد اعترضها فعل معاكس فانتكست لدرجة جعلت استردادها واجبا على من يعتبرون أنفسهم المبشرين الأوائل بها وحماتها بل وعلى كل من ينتظر أو يحلم بالاستفادة منها. وهو ما يستحق التأمل في الفعل ذاته منذ لحظة القيام وما قبلها مثلما يوجب التعرف على كافة الأطراف الفاعلة أصلا والمتدخلة اللاحقة والمستفيدة من محاولات التمسح فيها والانحشار في طرقات تأييدها.

تنبئنا القراءة الموضوعية للثورة بأنها لم تكن فعلا مفاجئا انطلق في يومها الموعود؛ بل كانت حدثا شعبيا تراكميا استمر تكديسه والإعداد له - بغير قصد وعن عمد ودون قيادة محددة موحدة ولكن بجهود مستميتة من مناضلين وأصحاب أقلام حرة ومعارضين ومجاهدين - لسنوات طويلة يؤرخ لها منذ نجحت حركة الثالث والعشرين من يوليو 1952 في كسب التفاف الإرادة الشعبية حولها ودعمها حتى انتقلت بها من مجرد حركة متمردة لضباط وطنيين مخلصين إلى ثورة تحظى بالتأييد الشعبي العام ومساندته بكل ما تستطيع. لكن انحرافا خطيرا انتابها بدأ بالنكوص عن تطبيق مبدأ الديمقراطية الذي تصدر قائمة أهدافها كي ينحدر بها إلى طريق آخر مخالف - وبمعاونة فعل الاستبداد– استمر يجرف كافة ما قامت به من إنجازات اجتماعية واقتصادية وسياسية حتى وصل بها إلى هاوية الهزيمة العسكرية عام 1976 مؤكدا أن الخائف والمهزوم في وطنه ومن أبناء وطنه لا يمكن له أن يحقق انتصارا على أعدائه مهما صرخوا في الأبواق ونفخوا في الشعارات. ولنفس الأسباب انتكس أكتوبر 1973 العظيم تحت وطأة استبداد الحاكم وطغيانه – مهما كان منتصرا – حتى سقط لحظة احتفاله بذكراه. ولأن من جاء بعده لم يستوعب الدرس جيدا بل لم يأبه له قاصدا مثلما خالفه متعمدا؛ فقد بدأ الإحساس بالقهر يتراكم والشعور بالغبن والظلم يتكدس صانعا كومة هائلة من حطب الحريق ما لبثت أن ألقى الشباب بشرارتها في الخامس والعشرين من يناير الماضي كي تتلقفها كل الأيادي المغلولة والصدور المثقلة والحناجر المكتومة والبطون الجائعة فتتحول إلى حدث رائع متحضر يحظى بأكبر منّة وأعظم هدية عرفتها ثورة في علمنا القريب والبعيد ألا وهي تأييد قواتها المسلحة ودعمها دون تردد أو التفاف!

لكن انحرافا خطرا اعترض مسيرة هذه الثورة محاولا أن يجهضها أو يسرقها من أصحابها منذ لحظة أن رصد رؤوس النظام الفاسد القديم وقادته للنجاح - الذي هو على وشك التحقق - وتدبير جريمة ما سمي بموقعة الجمل إلى أن واصلوا دس جموع القتلة والمنحرفين المسـتأجرين المعروفين لهم جيدا في صفوف المتظاهرين كي يشوهوا حركتهم ويظهروها بمظهر المسئول عن التوقف والمتسبب في الكساد والاضطراب وما نحن مهددون به من إفلاس و خوف وافتقاد للأمان يسعى إليه كل المضارين من تحقق نتائج الثورة:

 خبز وحرية وعدالة لكل أبناء مصر. حيث لا يعني توفير الخبز سوى نقص ما يكدسونه في خزائنهم. ولا تعني الحرية سوى انتزاع ما صادروه من حق النقد وحق التعبير عن الرأي وحق الاعتراض على الظلم ومحاكمة الظالمين وقبل كل ذلك حق اختيار الحاكم وانتقاء الطريقة التي تدار بها شئون الدولة وأمور المواطنين. كما لا تعني العدالة في أبسط تعريفاتها سوى المساواة في نيل الحقوق والتكليف بالواجبات وتحقيق المواطنة بغير تمييز وإعطاء الفرص بناء على الكفاءة وجعل الجدارة مبدأ عاما للترشيح للعمل والترقي فيه. يجتمع كل هؤلاء إذن في سلة واحدة فاسدة تضم كل من اغتصب مالا أو أرضا أو عقارا دون وجه حق. مثلما تضم كل من أزاح شخصا كفؤا عن منصب يستحقه وانتزعه منه. وكل من ترقى دون كفاءة وحصل على فرصة لم يتعب من أجلها سواء. تضم أبواقا للسلطة الفاسدة؛ زمارين ومهللين سموا أنفسهم مثقفين بينما هم مجملو وجه المستبد ونظامه.. أساتذة جامعات زيفوا التاريخ وزوروا الواقع وفنانين صفقوا للفاسدين ورقصوا على موائد الطغاة كي يسلّوهم مثلما لوثوا العقول والمشاعر بأعمالهم التافهة الخبيثة. تضم أيضا رياضيين وإعلاميين أصحاب صفحات تقرء وقنوات تجعل وجودهم فرضا ووجوههم وجبات مقررة. مثلما تضم الوجوه الكالحة القديمة من سياسيين « معارضين» مأجورين وأعضاء حزب فاسد يسعى إلى الظهور من جديد.

أما أصحاب الحق في الثورة والمهمومون بتحقيق ثمارها وجني وعودها فليس كل من شاركوا فيها فعلا بل من ساندوا ودعموا قولا وموقفا وأمنيات بالنجاح ورعبا من الفشل وخوفا من الانتكاس. هم آباء من تحركوا وأمهات من استشهدوا وإخوة من سقطوا جرحى ومصابين. وهم من ينتظرون وينتظرن أن يصل إلى البيوت سالمين. وأن يعودوا من العمل اللائق هادئي الأنفس وأن يدخلوا أقسام الشرطة – لو دخلوها – فيحيّوا أفرادها ويشكروا ضباطها ويستنجدوا بهم في المخاطر ويلوذوا بهم فيستجيبوا. هم أيضا من يريدون أن يأنسوا بحب زوجة وأن تنعش قلوبهم ضحكة طفل وأن يطمئنوا إلى حماية زوج، ومن يحلمون بفصل نظيف لأبنائهم في مدرسة «حكومية» وبمدرج جامعي ومكتبة ومعمل تتفجر بها طاقات عقولهم وتنقذهم من جشع المستثمرين والمرابين في التعليم ومصاصي الدماء بالدروس الخصوصية ومزوري النتائج والأساتذة من باعة المذكرات والمعيدين

المتسولين. وهم أيضا من يريدون أن يدخلوا من أبواب جامعاتهم فلا تطالعهم سحن المخبرين ولا تهددهم تقارير المرشدين السريين. وهم كذلك الأساتذة الذين لا يستقوون بالأمن ولا يغسلون عتبات المسئولين.

وهم من يحاولون استرداد الثورة الآن وإعادتها إلى طهر لحظة اندلاعها ونقاء الأيام العصيبة الدامية المستميتة من أجل بقائها.. وهم المحتفلون الأوائل بنجاحها والمهللون في اللحظات الصعبة على أسطح دبابات جيشهم ودماؤهم تسيل والمعانقون لضباطهم وجنودهم والهاتفون مكبرين وممتنين لحماتهم الرافعين أيديهم بالتحية إلى شهدائهم والمهمومين بهذا الوطن وبمستقبله بهم. وبينهم المفكرون الكبار المتدبرون والمفكرون في شأنه مهما كانت الاختلافات في وجهات النظر والخلافات على وسائل وأولويات التحقيق بعيدا عن الرجم بالعمالة والتشويه بالخيانة ومحاولات التلويث، كما أن من بينهم أيضا عائلات الشهداء وأسر المصابين والمفقودين والأعداد الهائلة من المعانين لذلّ البطالة المستعدين للشقاء من أجل حياة كريمة والعرق في عمل شريف. ودعونا من البلطجية والمستأجرين فأمرهم معروف.

تلك هي الصورة بمفرداتها إذن. على طرفها دماء فائرة تتعجل قطاف ثمار الثورة بعدما روت الدماء الزكية أرضها. وصابرون صابرات على الحاجة والاحتياج الذي لم تسد أفواهه منذ زمن طويل وقد انضم إليهم عقلاء رأوا أن يتخلوا عن تأنٍّ وتريث طالما التزموا به فآثروا أن يجربوا غيره لعله يفيد. وما بين الدفع المتعجل إلى التحرك من طرف ومبررات التأني «من الطرف الآخر المسئول» تكتظ الشوارع بل تختنق، وتتوقف الأعمال وتنقطع الأرزاق وتتعطل السياحة ويتفرج العالم على ثورة تتعرض للانتكاس وثوار لم يستطيعوا أن يحموها ومسئولين لم يقدروا احتياجاتها العاجلة ومطالبها الساخنة مضغوطين أيضا بخناق الأزمة ونضوب الموارد. بينما يجد المشككون فرصتهم والمندسون بيئتهم الخصبة والمجرمون أفضل أوقاتهم والرافضون للثورة لحظة الانقضاض. ليس من حلّ إذن سوى طرح كل الموضوعات جانبا والبحث عن مخرج لتأمين الناس والشوارع والمنازل والمؤسسات كي يستقر الوضع وتتدفق الأموال والزوار وكذلك التفاوض الهادئ مع المضربين والمعتصمين وتعريف عقلائهم بقدرات الوطن الحالية وإمكاناته الراهنة كي يصبروا ويتحملوا جزءا من المشقة – التي طالما تحملوها – بقبول الممكن وانتظار نتائج العمل «المخلص» ومشاركتهم في تحقيق الباقي ببدء تفعيل تخفيض الحد الأعلى للمرتبات الخيالية لبعض موظفي الدولة؛ ورفع الحد الأدنى بما يتم توفيره منها و النظر الجاد في فرض الضريبة التصاعدية بعد دراسة دقيقة مستفيضة وفرض رقابة متوازنة على الأسعار ومراقبة الاستغلال وحصار المستغلين. وكل ذلك لن يحدث إلا بعد تحقيق الأمن واستعادة الشرطة هيبتها في صورة لائقة وعادلة جديدة.

قدم الدكتور سامح مهران رئيس أكاديمية الفنون ووكيلتها وعمداء معاهدها استقالاتهم المسببة احتجاجا على عدم تطبيق قانون الجامعات المصرية عليهم ومعاملتهم ماديا كباقي أساتذتها. قدموها كأساتذة متحضرين يعرفون واجبهم فلم ينقطعوا عن العمل فماذا فعل وزير الثقافة لهم إذن؟.. كيف عرض مشروع مساواتهم بزملائهم في الجامعة - الذي تسلمه منذ ثلاثة أشهر لدراسته أولا - على زميله وزير المالية وهل شرح أوضاعهم له بوضوح كاف لإقناعه؟.. هل تفهّم مطالبهم بداية وتحمس لها في ظل معرفته بالفوارق الكبيرة بين وضعه كأستاذ في جامعة ووضع زملائه «الأساتذة الجامعيين» أيضا في أكاديمية الفنون التي تتبع إدارته؟ ما الذي سوف يفعله لو تحولت مطالبهم العادلة المشروعة المقدمة على ورق إلى احتجاجات لم يتردد في القيام بها زملاؤهم في الجامعة إلى أن تحققت مطالبهم؟ هل سيتركهم يجأرون بالشكوى كما تجأر دار الأوبرا وبقية مؤسسات وزارة الثقافة من المخالفات بشتى أنواعها وما من مجيب؛ أم يسارع بالتدخل لجلاء الصورة وتوضيحها للمسئولين؟

sm_abutaleb@hotmail.com