رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

"عذاب الأحباب" مع السرطان!

صورة ارشيفية
صورة ارشيفية

يا حتة من قلبى يا بنتى. إن شاء الله أنا، وأنت لا يا ضنايا..ياريت الابرة اللي في ايديك تبقي سكينة في قلبي ولا اشوف دموعك يا حبيبتي..

 بكت الأم المسكينة بصوت مسموع أشبه بالصراخ.. صبَّرنا يا رب.. ارحمنا برحمتك.. مسحت دموعها بطرف طرحتها السوداء.. أنا مش تعبانة من السفر كل يوم فى عز الحر ولا باحس بجوع ولا عطش فى الصيام. كله يهون بس ترجع «دينا» تضحك وتلعب مع العيال فى البلد زى زمان!

كانت تهرول على سلالم معهد الأورام حاملة طفلتها الكبيرة التى تجاوزت العشرة أعوام.. الطفلة أقدامها تكاد تلامس الأرض.. والأم تحضنها بقوة.. والابنة تلف ذراعيها حول كتف الأم تتشبث بها كأنها الحياة.. وكأنها تهرب من الموت.. كف يد الصغيرة مغروسة به «كانيولا» فتشكو من الإبرة التى تؤلمنها وتصبرها الأم وتبكى «معلش يا دينا هانت يا حبيبتى».

عندما تقع عيناك على هذا المشهد.. يتوقف بك الزمن وتتحجر الدموع فى عينيك.. ويخفق قلبك بشدة.. قد ترتجف من الخوف.. وربما تشعر بموجات الحر الساخنة التى تلف وجوه الناس هنا كأنها النار تحرق أوصالك.

المشهد أمام معهد الأورام لا يقل قسوة عما بداخله.. وإذا كان قاصدو هذا المكان يرجون شفاء من مرض يمزق أعضاءهم فى خسة فإن أهل المرضى لا تقل معاناتهم عن معاناة ذويهم حتى إن بعضهم يسقط صريحاً من فرط المعاناة والعذاب.. فضلاً عن آلام تمزق الآباء والأمهات الذين سقط أبناؤهم فريسة لهذا المرض الخبيث.

وإذا كان هناك 100 ألف مواطن مصرى ينضمون سنوياً لقائمة ضحايا السرطان فإن وراء كل مصاب بالمرض أسرة كاملة تعانى وتكابد حين يرون بأعينهم أحباءهم يصارعون الموت فى صخب شديد.. فالأهل يحملون مريضهم من القرى والنجوع من محافظات الصعيد وكذلك يأتون من محافظات الوجه البحرى قاصدين المعهد الأكبر فى مصر لينضموا إلى طوابير انتظار طويلة ليس لها نهاية وتتكرر الرحلة بشكل يومى أو أسبوعى أو أكثر سواء فى مرحلة إجراء الفحوصات أو هم محولون فعلاً من مستشفيات تابعة لمحافظاتهم لتلقى العلاج فى معهد الأورام. ولنا أن نتصور حجم المعاناة لأعداد ليست بالقليلة من المرضى وأسرهم إذا علمنا أن هناك ما بين 100 و200 مصاب بالسرطان من كل 100 ألف مواطن.. فنحن إذن أمام كارثة إنسانية بجميع المقاييس يعجز معهد الأورام عن مواجهتها أمام تنامى أعداد الضحايا بشكل مطرد وسريع.

الصورة التى يمكن أن تلخص ملامح مأساة يعيشها ملايين المصريين من المصابين بالسرطان وأسرهم.. تلخصها كلمات البسطاء الذين يلقون بأجسادهم على سلالم المعهد أو على الرصيف المقابل.. فهذا فى انتظار جلسة الكيماوى لطفله.. وهذه جاءت لتدفع بأمها على كرسى متحرك بعد أن أعقدها المرض وتركها عاجزة عن الحركة.

يأتون من بزوع شمس.. تطلع لا لتنير طريقهم بل لتكوى جلودهم.. يحملون صغيراً صريعاً أو أما ينهش المرض أعضاءها فى خسة.. يقطعون رحلة طويلة وشاقة.. وهم عطشى وجوعى ليصلوا إلى القاهرة عسى أن يجدوا فيها باباً للرحمة.

تلمح رجالاً الواحد منهم كهيكل عظمى ما يكسوه من لحم يبعث على الشفقة.. بصحبة مرافق قد يكون أباً أو ابناً أو شقيقاً حالته أسوأ من رفيقه.. مثل محمود جابر الذى جاء أبوه من بنى سويف.. الأب غير قادر حتى على الكلام، أما الابن فليتقط أنفاسه بصعوبة.. «إحنا من الشفاوية مركز نصر - بنى سويف، من ثلاثة شهور بنيجى أركب مع أبويا من البلد ميكروباص لحد الموقف وبعدين بيجو غير المواصلات الداخلية.. اليوم الواحد بيكلفنى 100 جنيه مواصلات.

وبصعوبة يتحدث الأب المريض «أنا تعبت ابنى معايا والله دُخنا يا بنتي.. يا ريت الواحد يرتاح بقى.
< بتفطروا="" فين="" يا="">
- كله على الله.. أحياناً فى الشارع أى حد يحن علينا وممكن نفضل «صايمين» لما نرجع البلد.. والمعين ربنا.

ست أصيلة

زوجة الحاج إبراهيم «ست أصيلة» على مدى شهرين كاملين كان يستند عليها فى طريقها من شبين الكوم إلى القاهرة.
قال عم إبراهيم الذى لم يكمل عامه الستين: والله حرام أنا تعبت.. أنا أصلاً مساعد أول شرطة وشغلى فى المنوفية المفروض أتعالج فى بلدى لكن هناك قالولى تأمينك فى مصر مش هنا «مش المفروض كل واحد يبقى تأمينه فى بلده وبلاش بهدلة».. وأقسم الشرطى المسكين أنه أنفق 12 ألف جنيه إلى الآن فى مستشفى شبين الكوم للعلاج من السرطان. وقال «رحت أصرفهم من الشرطة ادونى 300 جنيه» سيبت عيالى وبيتى وجيت مصر آخذ جلسات الكيماوي، وهنا انسابت دموع الزوجة المسكينة وهى تقول: «أخذنا أوضة فى مصر بـ 400 جنيه علشان تعبنا من السفر «رايح جاي» حتى الموبايل اتسرق مننا قدام المعهد. أنا بعيد عن عيالى وبيتى علشان الراجل ده ليه حق عليّ هيبقى أنا والزمن عليه؟!

كيماوي

كان الرجل يعبر الطريق من أمام المعهد إلى الرصيف المقابل حاملاً طفلته التى بدا وجهها شاحباً وعيناها ذابلتان، أما رأسها الصغير مغطى بإيشارب انزلق نصفه الأمامى ليكشف عن رأس صغير تساقط الشعر منه من أثر جلسات الكيماوي.. علمت أن الأب مهندس زراعى ورغم أن عمره لم يبلغ الـ 50 عاماً إلا أن مرض ابنته جعله عجوزاً شاحباً كسا الشيب رأسه. قال الأب: أجريت لابنتى عملية استئصال ورم من المخ واستتبعها جلسات علاجية تستدعى أن آتى بها كثيراً وأن تقريباً شبه متفرغ لها ولا أعلم شيئاً عن مصيرى فى شغلي.. «المهم بنتى تخف».. المشكلة أن جهاز «الكوبلت» بيعطل كثير علشان التكييف وقد نأتى دون فائدة ونتكبد عناء «المشوار» ع الفاضى.

الحاجة «قمر» صايمة رغم أن دكتور السكر مانعها لكن «بارضى ربنا علشان البنية المسكينة ربنا يشفيها وياخذ بإيدها».
وقمر نسيت أن تدعو الله لأجلها فهى أيضاً مصابة بسرطان الثدي.. جاءت الأم مع ابنتها وحفيدتها من الفيوم.. البائسات الثلاث يعشن أياماً صعبة خاصة فى رمضان.. وتنتظر الأم انتهاء جلسة ابنتها وقد يستغرق الوقت اليوم كله. سألتها: بتفطرى فين يا حاجة قمر؟

قالت: فى المضيفة.. ناس بتستضيفنا.. ربنا يخليهم والله الواحدمالوش نفس لأكل ولا شرب ونفسى ربنا يشفى بنتى علشان ولادها.. فيه

ولدين سايبينهم فى البلد.
سيدة أخرى تحمل ابنتها بعد أن خرجت تواً من جلسة كيماوى تركتها فى إعياء شديد على رجاء الشفاء.. تتوجع الطفلة «دينا» فيما تمسح الأم دموعها والبنت تتشبث بأمها.. دينا مصابة بورم فى أفسها وتم إجراء جراحة لها وهى الآن فى مرحلة العلاج.

تقول الأم: اليوم يمر طويلاً كأنه شهور أو سنون ومرض بنتى «هد حيلى وكسر ضهرى.
< هى="" دينا="" فى="" سنة="">
- كان المفروض تبقى فى ثالثة ابتدائى لكنها سايبة المدرسة من سنتين.

سألت دينا عن أمنياتها ودعائها فى رمضان.
وفى ضعف شديد ردت: نفسى أخف وأمشى على رجلي.
كنت مشغولة جداً بسؤال أهالى المرضى خاصة الذين يأتون من بلاد غير القاهرة عن كيفية تناول فطورهم فى هذا الصيف شديد الحرارة.
فقالت «حمدية» التى تأتى من بنى سويف بابنتها: المعهد بيدينا وجبات كتر خيرهم.

أما سعيد عامل التراحيل الذى يأتى بشقيقه من إحدى قرى محافظة الفيوم فقال: ساعة المغرب بتنقض.. وفيه ناس ولاد حلال عارفين أن فيه غلابة كتير وبيدونا وجبات وناكلها ع الرصيف.

بينما عائلة «محمود» ذو الأعوام الـ 16 والمصاب بسرطان الحلق فهم نزلاء إحدى دور الضيافة التى تفتح أبوابها لأهالى المرضى من غير سكان القاهرة وتجهز لهم وجبات إفطار وسحور أيضاً.

أما إسماعيل وشقيقه سيد الذى يأتى مع أخيه من شبين القناطر لعمل جلسات الكيماوى فقال ببساطة شديدة: رمضان كريم وإذا لم نلحق الإفطار فى بيوتنا لأن المواصلات بتبقى صعبة جداً قبل المغرب نروح مائدة رحمن كويسة فى شارع قصر العينى وفى السيدة لكن بعيدة شوية وأخويا ما يقدرش يمشي.. وأحياناً بأفطر على باكو بسكويت!

حرام عليهم

فتاة فى عمر الزهور بادرتنى قائلة: أنا عايزة أقول حرام عليكم هيموتونى أنا وأمى بسبب المبيدات والبلاوى اللى بيرشوا بيها الزرع.. ثم انهمرت دموعها حزناً على نفسها وأمها رفضت الفتاة أن تذكر اسمها وقالت: أنا واحدة من ملايين زى المرضى بياكل فى جسمى أنا وأمى وكل يوم نبص لبعض ونقول: «يا ترى مين اللى هيفارق الأول».
ثم مسحت دموعها قائلة: «أنا بامشى على رجلى وآتى من حلوان كل شهر أصرف علاجى لكنى شايفة أهالى المرضى بيعانوا وقاعدين فى الشارع وبأسأل نفسى لو أنا وأمى وصلنا لمرحلة ما نقدرش نمشى فيها مين «هيجيبنا ويودينا»!

لأن أعز الولد وِلد الوِلد.. تكون معاناة الصغير أشد ألماً فى قلب الجدة.. فهى تحمل حفليدها «لحمة حمرا» على حد تعبيرها لم يتعد عمره 5 شهور لكنه منذ ولادته يعانى مشكلة فى الرضاعة.. بدأت تظهر كورم متحجر فى الفك.
الجدة تحمل الرضيع «صابر» وتحاول أن تقاوم جفاف حلقها من أثر الصيام بالنظر إلى عين الصغير فتنسى العطش والجوع وكل شيء وتبكى.
«عيل.. لا حول له ولا قوة.. ما شفتش من الدنيا إلا لاعذاب لكنه وحيد ابنى ونفسى ربنا يخليه ويشفيه.. جاءت به من شبين القناطر فيما تتابع الأم الشابة دوره فى «الأشعة» داخل المعهد.. خرجت مسرعة تتلقفه فى حضنها والجدة تصرخ فيها «على مهلك كفاية اللى فيه».

تخاطبها الأم.. العيال جوه منظرهم يقطع القلب وبيصرخوا من الألم ومش لاقيين سراير!! فترة الجدة: ربنا يشفى كل مريض.. وتساءلت كيف سيصوم صابر «علشان التحاليل».
الأم هو يعنى بيرضع.. كده كده صايم!

قالت الجدة إن والد الرضيع فى البلد بشبين القناطر صحته لا تساعده على معاناة الطريق.. وتقسم أن الله وحده يعلم كيف يديرون أمورهم.. فعندما يجتمع الفقر مع المرض تكون مرارة العيش.
من «سنجر ج» مركز ملوى بالمنيا جاء شحاتة مع عبدالناصر ابنه الوحيد الذى ترك عمله وتفرغ لأبيه المصاب بالمرض اللعين.. الأب مطلوب له إجراء جراحة يسبقها تحاليل وخصوصاً اضطرت الابن لترك عمله ولأن «الشغل يتعوض لكن أبويا ما يتعوضش.. بل الأكثر من ذلك أنه يبح ثعن أى شغلانة فى مصر بدل الرحلة الشاقة التى يضطر لها كل فترة لأن صحة الأب لا تتحمل هذه المشقة فضلاً عن أنها مكلفة ولا تتحملها ظروفهم الصعبة. وأقسم الابن أنه أحياناً يبيت فى الشارع إذا عجز عن العودة.