رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

مُحْيي الدِّين اللبَّاد

".. أطعْتُ حياتي وشاكستُها على استحياءٍ.. وآمنتُ بأنَّ مرجعيَّتي الحقيقية في العمل والحياة هي (محيي الدين اللبَّاد طفلا).." وهذا من فقه تأملاته..

هكذا بدأ الفنان الراحل محيي الدين اللبَّاد، رسَّامُ الكاريكاتير ومصمِّمُ الجرافيك ورسَّامُ كتب الأطفال والمصمِّمُ الفنيُّ لكثير من المجلات والجرائد المصرية والعربية، حوارَه الأخيرَ معي منذ حوالي عام و3 أشهر، وكأنه كان ينظر إلى حياته في تلك اللحظات باعتباره خارجها أو كأنه يتفرَّج عليها وهي في "الفاترينة الزجاجية"..

أخبرني بأنه يستعدُّ لكتاب عن الخَطِّ العربيِّ، "كتاب العُمر"، كما وصفه، لكن مصير هذا الكتاب لا يعلمه الآن إلا الله.. وهذا من فقه أسراره..

هاتفتُه صباح يوم من أيام يونيو 2010، فجاءني صوتُه من مكانٍ عميقٍ، وكنتُ مُعتقدًا أنه سيرفض الحوار لظروف مَرَضه أو سيؤجله إلى أجل غيرِ مسمًّى في أحسن الأحوال، لكنني فوجئت بموافقته السريعة فارتبكتُ وكِدتُ أُنهي المكالمة حتى لا يرجع في كلامه، لكنه ذكّرني بهدوء تام بأنه لم يخبرني بعنوان منزله ولا موعد اللقاء بعدُ.. فوصف لي بالتفصيل، ولما أحسَّ بأنني غريبٌ عن حي مصر الجديدة قال لي: "وانت في الطريق إديني سواق التاكسي أوصف له.."..

توجَّهتُ إلى بيته ظهر اليوم التالي في الموعد المحدد، وهلَّ عليَّ بقامته المديدة ساخرًا من طُول قامتي ومن قامته أيضًا، لكنه لاحقني: "ما تزعلشي.. الطول مفيد أحيانًا"..

كان الحوار على أيام متفرقة يقطعها إرهاقه مرة أو نومه مرة أخرى بسبب نوع الدواء الذي يُضطر إليه، فيعتذر لي ويخبرني عبد الوهاب، المقيم معه بالبيت، بأن الأستاذ "مش هيقدر يكمل وبيعتذر لك"، محددًا لي موعدًا آخر إلى أن تم اللقاء كاملا قبل أن يغلق اللبَّاد دُكّان حياته المؤقتة بسبعين عامًا على الأرض، لينتقل إلى محله الأبدي.

بعد عام من رحيله تذكرتُ حواراتي معه، وخاصة حين رأيتُ عملاقًا يخف كأنه أوشك أن يطير.. طفلٌ كبيرٌ جدا في دقة الكبار جدا..

تذكرتُه حين قال: "الأعمال المهمة في حياة أي إنسان يحكمها قانون المصادفة"، مؤكدًا أنه لم يكن يقصد التنظير في سلسلة كتبه الشهيرة، "نَظَر"، بقدر ما كان يريد أن "يردَّ جميلا لرسَّام كبير هو الأستاذ حسن فؤاد"، إذْ توفي الرجل فطُلب من اللبَّاد أن يكتب عنه مقالا ففعل، ووجد فيما بعد أنه يمكن أن يُكمل الكتابة في هذا الاتجاه، فكانت "نظر"..

وتعجبتُ من أنَّ اللبَّاد لم يكن يحلم حين دخل كلية "الفنون الجملية" بأن يكون مصوِّرًا أو أنْ يرسُم اللوحات لتعليقها على الحيطان، لكنه حلم بأن يتخرَّج فيها ليصبح رسَّامًا لكتب الأطفال مثل حسين بيكار، الذي كان مثلا أعلى له في سن

الطفولة بكتبه وبمجلة "سندباد"، ولم يتأخر في إعلان ندمه أمامي على دخوله "الفنون الجملية"، مُبررًا بأنها "لا تصلح لتخريج فنان"..

أما الانطلاقة الكبرى في حديثنا فكانت في اللحظة التي ذكرتُ أمامه فيها اسم "صلاح جاهين"، وكأن طاقة قدر فُتحت له ليتحدث بهوَسٍ، وحين أحس بالإطالة أوْجَزَ قائلا: "جاهين شخصٌ مُحيِّر، لكنه بالتأكيد الفنان الذي جاء إلى الدنيا مُختزنًا لقرونٍ طويلة من المعرفة قبل أن يُولد، فلا يمكن أن أصدق أن يوجد مبدع بهذه القيمة وينجز كل إبداعه في الرسم أو الشعر فقط في 56 عامًا عاشها، محذوفًا منها سنوات الاكتئاب العشر طبعا، نحن أمام لغزٍ حلُّه الوحيد أن يكون جاهين جاء إلى الدنيا بإدراكه التام لقرونٍ تسبقه".

وبفقه الاجتهاد، رفض اللباد أن يُعامَل معاملة قدّيس من أجيال لاحقة. كان يتدرب لساعات طويلة تصل إلى ما يزيد عن 18 ساعة يوميا. ابتعد عن الإعلام، لا لأنه لا يصلح نجمًا، بل اعترف بأنه "فاشل في التعامل مع الآلة الإعلامية".

وقال إنه حصل على حقه من كل شيء وزيادة.. وهذا فقه جديد على زماننا.. لم يُعجب بالروايات الجديدة للكتاب الجُدد ووصفها بأنها "بعض مشاهدات أو رصد لحوادث تمت لأصحابها، أو بعض سير أدبية أو أصداء لسيرة الشخص الكاتب".

أعلن يأسه من أحوال البلاد بقوله: "الأمل كان دائمًا في قوى المعارضة لكنها للأسف ترتدي الزي نفسه الخاص بالنظام لكن بلون آخر أو هي دُمى يحركها النظام"..

والآن أسألُ الأستاذ اللباد وهو يرانا من هُناك: هل أعجبَتْكَ ثورتُنا؟ هل كانت ستُخرِجُك من عزلتك في حي مصر الجديدة لترى مصر جديدة؟ هل تغيَّرت مصر ومعارضوها أم أنها لعبة ألوان لا أكثر يا أستاذ مُحيي؟ أرجو منك الردَّ!

[email protected]