عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

توفيق الدقن

لستُ مُولعًا بلمعان عينَي عمر الشريف ولا بهدوء وجه فاتن حمامة ولا بارتفاع حاجب عادل إمام ولا بطغيان أنوثة سعاد حسني، ولا بنبرة صوت هنيدي، بقدر ما يجذبني «اللغز»، توفيق الدقن.

 

ولا أعلم لماذا لا ترى عيناي أيقونة في السينما العربية سوى توفيق الدقن.. وكلما تداول الأصدقاء تعليقات كوميدية نجد الدقن طالعًا لنا من فضاء السخرية، ليقول لنا في مفاجأة معتادة منه: إزيُّكُم يااااا ....!! 

ذلك الزَّاهد في النجومية أو المتنازل عنها، وكلما تنازل هو لاحقتْه نجوميتُه حتى استقر بين الخالدين..

و«الخلود» كلمة تساوت لدى ذاكرتي الطفولية مع كلمة «صُوفيّ»، فحين سمعتُ الكلمتين صغيرًا ظننتُ أن معنىً واحدًا يجمعُهما، وبالتالي ربطتُ بين توفيق الدقن، شريرِ الخالدين، بل ألطفهم شرًّا، وكبار الأسماء في عالم المتصوّفين، وتحديدًا ابن عربي، حين قرأت له: فللهِ قوْمٌ في الفراديسِ مُذْ أبَتْ.. قلوبُهم أنْ تسكنَ الجوَّ والسَّمَا..  

رأيتُ الدقن مسكينًا ومُجرِمًا.. لصًّا، لا يسْتحْلي شيئًا مثلَ «الشَّرَفْ»، ومجنيًّا عليه، بكَّاء حين يؤدي دور «قُرَني» وهو يناجي ربه وقت الشدة في «سكة السلامة».. ليزيح كبار التراجيديين من المسرح وكأنه وحده يؤدي عرضًا للـ«مونودراما»..

ولا أعرف إلى الآن لماذا لم يصبح الدقن نجمًا رغم أنه بالفعل يستطيع أن «يعمل من الفسيخ شربات الشربات»..؟

هل كانت لدعوة أمِّه، التي صدَّقتْ بالفعل أن ابنها شرير، استجابة إلهية، فحلَّتْ به لعنةُ الخلود في ظل ظل النجوم، الأدنى منه موهبة؟ أم أن الدقن نفسه خطَّطَ ليلعبَ دور هذا الظل، زاهدًا في الفن والحياة، ليقينه أن هذا الشرَّ السينمائي «مجرد أكل عيش»؟

وآمنتُ تدريجيا مع الوقت أنه لكي تخلد فعليك أنْ تزهَدَ في الحياة، وأن تتنازل عن صخبها، على ألا تتركَها تركَ مُغادِرٍ بل تَرْكَ مُقيم، وتحافظَ على الاتفاقِ الأزليٍّ مع الله بأن تزيد الحياةَ حياةً إذا ما استطعتَ إلى ذلك سبيلا.. وإذا آمنتَ بأنك قد عرفتَ دورَكَ، فارقصْ على إيقاعك الخاص وأنت تشبك يديك وراء رأسك مثل الدقن، لأن كثيرين سيأتون بعدك ليمشوا على خُطاك ولربما أصبحتَ وليًّا من الأولياء..

وفي خضم بحثٍ مُتواضع عن تعريف معنى كلمة «صوفي» وجدتُ أنها تعني الاستسلام للإله، وتعني أن صاحبها في الصفِّ الأول بقلبه من حيث حضوره مع الرب، وتعني من يؤثر لبس الصوف  الخشن للتقشف، وتعني من صَفَا رُوحه، وتعني، تقليلا من شأن التصوف، ما ذُكر في نسب الكلمة إلى «صوفة بن مرة»، الذي

نذرت له والدته أن تعلقه بأستار الكعبة، فأُطلق اسم «صوفي» على كل من ينقطع عن الدنيا وينصرف إلى العبادة فقط.

وتعني أيضًا، كما يقول باحثون مختصون بعلوم الديانات القديمة من غير المتصوفة، الحكمة، من الأصل اليوناني (سوفيا)، وأول من عرف بهذا الرأي البيروني.

فيما يرى بعض الناس أن أصل التصوُّف هو الرهبنة البوذية والكهانة النصرانية والشعوذة الهندية، فقالوا: هناك تصوُّفٌ بوذيٌّ وهنديٌ ونصرانيٌ وفارسيٌ.

بينما يرفض الصوفية المسلمون هذا النسب ويقولون بأن التصوُّف ما هو إلا التطبيق العملي للإسلام، وإنه ليس هناك إلا التصوُّف الإسلاميُّ فحسب.

وإذا دققت في شخصيات الدقن، سينمائيًّا وتلفزيونيًّا وإذاعيًّا، فستجد أنك أمام لغز، «مفتاح سر التاريخ» بالفعل، رجل ابتعد عن الحياة وسُجنَ، أو سجن نفسه، أو انسحب من التاريخ ليعرف سره، فتفرَّغ لقول الحكمة.

وستعرف وقتها ما سر معرفة «الباز أفندي» بكل حاجة، ولن تُدهش من جملة حوارية وصفته بأنه «قاري ومطّلع وبيستوعب الأشياء»، لأنه لا يرى شيئًا أحسن من صلاة النبي.

أما «عبده دانس» فلا يبرح سُكره ورقصه مثل هذيان صوفي قدير لأنه «الددابان» أو حارس الحارة المُخلِص، أما «عبد الصمد أفندي» فالمدقق في ملامحه المتعبة وأخلاقه الرافضة لزينة الحياة الدنيا، باستثناء جارته الشابة الجملية وكفتتها التي أهدتها إياه في محبسه، يمكنه أن يرى تركيبة تحل بسهولة في وجه أيّ أب مصريٍّ من الطبقة الوُسطى، رحمها الله.

وإذا تتبعت تعريفات «الصوفي» فستجد لها في حياة الدقن وفنه معادلا موضوعيا، فهو المستسلم لدور البطل الثاني، أو البطل الأصلي، وهو رغم ابتعاده عن الصفوف الأولى يتصدر كل الصفوف لأنه حيثُ كان صدرٌ..

[email protected]