رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

شعراء الميدان

 

يريدون أن ينالوا من الكادر ما يقع من عين الكاميرا من فتات على الأرض.. يريدون، حين يخطئ التاريخ ويخرج عن نصه المُحكَم بمشروع ثورة شعبية، أن يستثمروا خروجَه في صفقة شبهِ مشبوهة وشبه وضيعة، باعتبار أن الشُّبهةَ والوَضَاعةَ صِفتَان أكثر كَرَمًا وشرَفًا من شِبْه الشُّبهَةِ وشِبْهِ الوَضَاعَة..

إنهم شعراء الثورة أو شعراء الميدان، أيًّا كانت ألقابُهم، الذين اضطررت لكي أقول بسببهم: أيُّها الشعر كم من الجرائم تُرتكب من أهلك باسمك!.. وأنت الذي أُوْكلت لك مهمّة تلميع الوجدان من تُراب يعتريه والتنقيب في الهواء لإيجاد مساحة بعيدة عن التلوث، ولو كانت ثقبًا تُفلت منه الرُّوح نحو المُتَّسَع الحُر..

لكنها الآلة الإعلامية الجائعة ومَن يملكون مهارة النَّظم في عصر الخطف والجري، جعلت من أي ربابة خائبة لم تُثبِتْ، ولم تثبُتْ، قدرتها الشعرية، فأرادت أن تلتوي لتنتزع الاعتراف بشاعريتها بطريقة ثورية مزيفة.. أرادت أن تنتفض في اللحظة المناسبة مثل فيروس يختار التوقيت الملائم لنشاطه لمهاجمة جسم مُعتلّ.. أرادت وأرادت لها المقادير أن تطفو على سطح الأحداث والمشاريع الفاشلة كأسماكٍ ميِّتة..

راقبتُ مشروع ثورتنا لحظة بلحظة مثلما فعل الملايين غيري ولا زلتُ أراقب.. راقبتُ وجوهًا يستحق الذكرُ أن يُلامسَها لأنها لم تفكر بالخلود، بل فكَّرت فيما وراء الحَدَث، في الثمار التي ربما يجنيها الأحياء بعدهم..

راقبتُ مشروع ثورتنا ورأيتُ من لم يكونوا على يقين بالحدث، مثلي، فانضمُّوا متأخرين إليه، لكنهم لم يكسِبوا منه إلا ما يكسِبُه اليقينُ من الشك..

راقبتُ مشروع ثورتنا.. ولاقيت من المحللين نجومًا ومن المعلقين عليها آلافًا من المنظِّرين الثَّوريّين، لكنني لم أتصور أن يستثمر المستثمرون حدثًا بهذه القُدسية، مثلما فعل زملاءُ الشعر سامحهم الله..

تراهم يوزّعون الألقاب على بعضهم، فأسمع أحدهم يقول إن شاعر الثورة الحقيقي هو عبد الرحمن يوسف، وحين ذهبتُ لأسمع ما قاله السيد عبد الرحمن فلا أحس بشعرٍ بل أحسّ بـ«حُرقة» وبمهارة لفظية نابعة من «الإفيهات»، ولم أشعُر إلا بغيظ شاب مُتحمس لسكب الشتائم على مبارك وآله ونظامه وبقية عصابته، فيستخرج من قاموس الشتائم ما تستطيع رُوحه أن تحفظه وتصوغَه في قالب النظم.

فقط حاولت أن أسمّي المنتج المطروح ممن سُمّي شعراء «الميدان»، فلم أجد إلا صورة

بيرم التونسي، وما قاله من زجل في عشرينيات القرن الماضي سبًّا ولعنًا في الفاسدين والملك، تطغى على ما يقوله شعراء ميدان التحرير في عام 2011..

ولكنني أنزع عن بيرم التونسي العظيم مبدأ النفعية، فالرجل عاش ومات لا يفعل إلا زجله وأغانيه الصادقة المبتكرة، أما هذا الذي يحدث من شعراء الميدان فهو نوع من الهَوَس يدفع بصاحبه لإخراج كبت ما في لحظة ما لكسب شيء ما.

وفقط أتساءل: هل تعيش هذه النصوص المُفتعلة لهذه النخبة المُفتعلة؟ هل تغيّر هذه القصائد التي لُفِّقت تلفيقًا، أستثني منها قصيدة أو اثنتين من التلفيق، وجدان شعب؟

وأيضًا أتساءل: ما فائدة أن ألعن رئيس عصابة وهو في قفص الاتهام نتيجة أفعاله الحقيرة التي تكفلت هي بإهانته وتحقيره؟

وما قيمة أن أسُبَّ رئيس وزراء مؤقتًا «غلبان» لن يكون عُمر حكومته أكثر من بضعة أشهر؟

ما معنى أن أغني لثوار نجحوا قبل أن تأخذني جلالة الشعر وأسمَّى «شاعر الثورة أو شاعر الميدان أو مهيج الجماهير؟

لماذا لا أواجه، كمواطن لا كشاعر، من يسرقون مشروع الثورة؟ وهم معروفون معروفون معروفون بسيوف ونسور ونجوم على أكتافهم..

ما جدوى أن أمتدح شهيدًا نال أكثر من كلامي الفقير هديةً؟

ما نفع الظهور الفج في الوقت الخطأ؟

ما المُراد من ركوب البحر حين يهدأ الموج؟

بماذا يفدينا الأبنودي العظيم حين يكتب أقلَّ صدقًا مما كتب طوال عمره؟

يا إخوتي الطيبون الزاعقون اللاعنون الساخرون! لا قيمة إلا للسكوت الصادق في وقت الفوضى والمشاريع الخائبة.

[email protected]