عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

المُتَّهمُ "ميدانٌ" حتى تثبُتَ براءتُهُ

لم يكنْ أحدٌ يتصوَّرُ أنْ يُتَّهمَ المعتصمون بميدان التحرير بالبلطجة من قِبَلِ أولئك المُدافعين عنهم منذ أشهر قليلة، لكنها القلوبُ تتقلَّب بين غمضة عين وانتباهتها، وهي سياسة النفس القصير للمصريين تدفعهم إلى كراهية عودة حقوقهم كاملة من باب الرضا بالقليل..

وقد يُدهَشُ مُحترفو الدَّهشةِ، مثلي، حينَ يسمعون أحكامًا أصدرَتْها طوائفُ مختلفة من النُّخبة على المتظاهرين، من أسر شهداء ومتضامنين معهم وحركات سياسية وأحزاب وأحيانًا إخوان، ندِموا وتابوا ولن يكرِّروها ثانية، بأن هؤلاء الميدانيين ما هم إلا مجموعة بلطجية يودُّون تخريبَ البلاد..

وبالطبع تسابقت وسائلُ إعلامنا، حينئذ، مدفوعة بوطنية مُعتادة منها، يتلقونَها شفاهةً من السُّلطة، أيِّ سُلطة، لبثِّ نداءاتٍ عاجلة ورسائلَ توعية وتحذير لأولئك الخارجين عن القانون، ولا أعرف أيَّ قانونٍ؟، ليعودوا إلى بيوتِهم ويتركوا مصر لحالها، لأن اقتصادَنا يخسر وبورصتنا تنهارُ وسياحتنا "تسيح" ومراكبنا تغرق في شبر ماء..

وتكتملُ النداءات بأن الميدان إيَّاه موجودٌ حال عدم تنفيذ السُّلطة لمطالب الثوَّار..

إذًا فإنه لو حَمَل المعتصمون أنفسَهم وخيامَهم من الميدان لانصلحَتْ أحوالُ البلادِ والعبادِ وبُوركت الثورةُ ونجاحُها العظيم بمبادئها السِّلمية، لكن ذلك لم يحدث على مدار 5 أشهر منذ تنحِّي مَنْ قِيلَ إنه تَنَحَّى.

ولو حمَلَ المعتصمون أنفسَهم وخيامَهم وأحلامهم وحقوقنا وهتافاتِهم المعترضةَ على: براءة رموز الفساد وإخلاء سبيل قتلة الثوار والظلم السريع والعدل البطيء وبقاء أفراد من عصابة مبارك في حكومة قيل إنها حكومة ثورة.. إذا لشَمَّ اقتصادُنا نَفَسَهُ وشدَّت سياحتنا حيلها وعاد الأمن للشارع بدلا من المخابئ السرية التي يقطن بها ولا يعلمها إلا الله.. ولكن ذلك لم يحدثْ أيضًا..

إذًا فإنَّ من يملك حينئذ حق إطلاق الأحكام هم ثوار التحرير وليس من يصفونهم بالبلطجة.. ومن يملك حق التذمر من الأوضاع من ترجموا التذمر إلى فعل احتجاج وليس من جلس في بيته آمنًا لاعنًا من ذهب نيابة عنه إلى الميدان.. ولكن الجرأة وشبه الإجماع على مخاطبة معتصمي التحرير بلغة «ربنا يهديكم» تُحيلنا إلى أنَّه وكأنما أخطأ النبيُّ موسى حين طلب من بني إسرائيل الجهاد، وهم من آثروا السلامة

وعادوا إلى مصر وأبلغوا النبيَّ أن «اذهب أنت وربُّك فقاتلا إنا ها هُنا قاعدون»..

وكأنما أيضًا أخطأ النبيٌّ لوطٌ ومن معه حين حاربوا فحشاء المدينة، مُطالبين أهلها الذين يعملون الخبائث، بالتطهُّر، إذ جاء ردُّ آل لوط بأن «أخْرجوا آلَ لوط من قريتكم إنهم أناسٌ يتطهَّرون»..

لقد وصلت مصر في ظني إلى ما يُمكن تسميتُه بـ «استراتيجية قلب الآية».. الحق باطل.. الثائر بلطجي.. ليس كل من في الحزب الوطني فاسد.. معتصمو الميدان علمانيون وملحدون.. مأجورون وخونة وأصوات زاعقة، رغم أن هؤلاء المعتصمين هم أنفسهم مَنْ غنَّى لهم المصريون جميعًا حين تنحَّى مَن قيل إنه تخلَّى..

والأسئلة التي تُلحُّ عليَّ الآن: ماذا نريد؟ وماذا سنفعل حين نحدِّد ما نُريد؟ وإن أردْنا حقوقًا فلماذا لا نعمل من أجلها حتى الموت بقدر ما تستحق؟ ألم يدفع غيرُنا أرواحهم من أجل تلك اللحظة التي نحن فيها؟ ألا يستحق الغد منا أن ندفع ثمنًا آخر مثل مَن دفع؟ ألا يجدرُ بمن زامَلوا الشهداء في ميدان التحرير أن يتركوا بيوتهم وأهلهم لتكتمل اللوحةُ الناقصة؟ ألا نثمن المستقبل الكريم بثمن أغلى قليلا؟ ألا يليق بمن رافقوا الثوار الشهداء، على الأقل، أن يمتنعوا عن سبِّهم وإهانتهم؟ أليس بإمكاننا فعلُ أكثر مما فعلنا؟

.. إجابتي المحتمَلة على كل تلك الأسئلة قد تتلخَّصُ في جملة واحدة: بالإمكانِ أبدعُ ممَّا كان وسيكونُ..