عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

من «التَّعامِي» إلى «التَّعْمِيَة»

 

أعرّف التعامي، لا مؤاخذة، بـ«أن تعمل نفسك أعمى بنفسك»، أما التعمية، مع الأسف، أن «يُغمِض الآخرُ عينيك ويعطِّلَ لديك البصر والبصيرة»، وهذا النوع الأخير يُمارَسُ ضدك أيها المواطن المُغمى عليه من قبل «هيئة التشفير العُليا»، التي يعرفها جميع العُميان، مثلي ومثلك، وإلا فقدت قيمتها العليا. تقف هذه الهيئة وراء ظهرك وتسألك بخفة سينمائية: أنا مييين؟.. وبالطبع لن تعرف.. فهذه الهيئة المُريبة لن تريك نفسها حتى ولو تأكدتْ أنك، لا مؤاخذة، ميّت.وقد سيطرَ عليًّ اللفظان أو المصطلحان السابقان حين أصابتني المتابعاتُ اليومية في وسائل إعلامنا، من صحف ووسائل مرئية، في مقتل.

فرأيتُ قنواتِ الأفلام تصرُّ أن تعرض عليك وعليَّ أفلامًا يظهرُ فيها الرئيس، السابق تحديدًا، بطلا من وراء الكواليس، حين تتحرك الكاميرا نحو صورته في اللحظات الحرجة، التي تواجه بطل الفيلم، مثل «كراكون في الشارع» لفنان كل العصور والأعمار، عادل إمام، فتصْدُرُ أوامرُ، لا مؤاخذة، عُليا، بمساعدة الشباب المساكين الذين بنوا بيوتًا لهم في الصحراء بعد أن ضاقت بهم المدينة، التي هي بلا قلب أصلا، حيث جاء «لودر» المحافظة المُهاب ليهد المعبد على أدمغتهم وأحلامهم بلا رحمة..

أو يصبح الرئيس وموكبه وضيفه المهم بطلا خفيًّا في أحداث فيلم «أمير الظلام»، أيضًا للألمعي عادل إمام، البطل الذي كُف بصره، لكن بصيرته «شغالة 24 قيراطًا»، فيسوّي الأهوال ويصرع الإرهابيين بعد صيحة «الريّس.. الريّس»، التي تقشعر لها جلودُ الذين في السينما..

أو يظهر الرئيس أخيرًا بشخصه ويمشي في الشوارع بين الناس كأي إنسان، لا مؤاخذة، مواطن، حين تضيق الأمورُ على العباد ويكثر الظلم ولا نرى في حارتنا «مصرع الطغيان» ولا «مشرق النور والعجائب»، كما في فيلم «طباخ الرئيس»، الذي يُريك طاغيةً في ثوب ملاكٍ متواضع يفكر في، لا مؤاخذة، الفقراء، ليؤكدَ لك يا جاحدُ أنك لا تفهم مهامَّ السلطنة ولا السلطان الحائر والساهر على خدمة شعبه.

ولا تجد قنوات الأفلام جميعها تستحي من عرض أفلام بعينها في الأسبوع الواحد مرتين أو ثلاثة على الأقل منذ ما يقرب من عامين، وأقصد على وجه التحديد فيلمي «معلشي إحنا بنتبهدل» و«ليلة سقوط بغداد»..

وجلستُ أفكر وأفكر وأفكر رغم أن الأمر لم يكن يستدعي أكثر من «أفكر» واحدة، فتيّقنت من أن وراء هذين الفيلمين سببًا خفيا، فوجدتُ، أعزَّك الله، أن الفيلم الأول، «معلشي إحنا بنتبهدل» يُختتم بأغنية تسخرُ من شخصية بعينها، لم يقصدْها صناع الفيلم في حينها، وهي أغنية «يا برادعي ماترد عليَّا.. المانجة ما هيّاش نووية»، فالتقطتها هيئةُ التشفير

العليا لتوجّه لاوعيَ الجمهور نحو السخرية من الرجل، الذي بدأ يمثل «لقمة في زور التوريث» لمجرد كلام منه عن الحريات..

أما الفيلم الثاني، «ليلة سقوط بغداد»، فيضمّ حوارُه جملة «كدا الدكتور البرادعي مالوش حاجة عندنا».. ويُردُّ عليها بـ«ولا يقدر يفتح بُقُّه».. وأيضًا لم يقصد صناع الفيلم ما أرادته هيئة التشفير العليا من تكرار ممل لهذا التوجيه الخائب للاوعي الجمهور للنَيل من أي قامة ترتفع في وجه حذاء السّلطان.

هذا سينمائيًّا، أما صحفيًّا فالمصيبة أعظم ومكشوفة أكثر من اللازم، فأغلب صحفنا تُدار بمنطق «عاش الملك.. مات الملك.. أو نعبد الملك في الصباح ونلعنه في العشيَّة»، وتؤكد الاستراتيجية الصحفية لدينا على لعب أدوار عبر خيوط تمسك الصحف من فوق ويسيطر عليها لاعب الماريونيت، جلَّ في قلعته.

وترى إعلاميًّا بدرجة، لا مؤاخذة، دكتور من أمريكا، ومدرّب أيضًا في أمريكا، ويعرف سعر «بركة العجول في أسواق السبت والثلاثاء والخميس في جميع أنحاء الجمهورية»، ويالها من مهارات تعيد الإنسان ببراءة إلى عالم الحيوان..

وترى إعلاميًّا يقدم فقرة «سياسية» في برنامجه الرياضي، باعتبار أن الكلام في السياسة، الداخلية، موضة العصر، و«بتجيب جمهور مش بطَّال».

 

ولكي تكتمل الصورة ترى إعلاميًّا نجمًا بحق وقيمة جادة يقينًا، يُخصّص حلقة كاملة من برنامجه، «آخر كلام»، على قناة خاصة عن شاعر مصر الكبير، أمل دنقل، الذي لا يعرفه غير النخبة ولم يقرأ أعماله غير نخبة النخبة، ويكون ضيف الحلقة إعلامي مميز وشاعر من جيل شاعر الحلقة، ثم لتضحك وتبكي في آنٍ حين لا تلقى حلقة تاريخية كهذه رواجًا إعلاميا وجماهيريا مثلما لقيت «قلة الأدب» في مبارة الأهلي والزمالك من النور ما لا عينٌ رأت...

 

 

[email protected]