رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

هل استحقَّ المثقفون «حظيرة فاروق حسني» الوزاريَّة؟

 

قال لي أحد أساتذة الجامعة، والذي تولَّى منصب الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار في مصر في فترة سابقة، إن «الرجل الكبير راضٍ عن فاروق حسني رغم أنف المثقفين»، وهذا ذكرني بما نُسب للوزير الأسبق، فاروق حسني، من أقوال، قفز إلى خاطري منها «نعمْ أدخلتُ المثقفين حظيرة وزارة الثقافة».

وتساءلتُ، بعد إبعاد المثقفين الحقيقيين عن المشهد واعتزال بعضهم الحياة واستئناس الباقين بما تجود به دولةُ منح التفرّغ والرشاوَى، هل استحق مثقفو مصر، ذوو الرصيد التنويري الخالد، أن تضمَّهم حظيرة اسمها «وزارة الثقافة المصرية»؟، وهل تغير حال مثقفينا، كبارًا وصغارًا، بعد ما اصطُلح عليه إعلاميًّا «ثورة 25 يناير»؟، وهل كان «سلوك الحظيرة» مُرضيا لمبارك، أو الرجل الكبير وقتها، للدرجة التي ملأت الوزير الأسبق جرأةً ليقول «أنا باقٍ في الوزارة إلى ما شاء الله»؟، وهل شابَ مثقفي مصر من الشباب خللٌ جينيٌّ جعلهم يمشون على أربع ويرضون بذلك، بعد وقت طويل قضاه الوزير السابق في تكييفهم على وضع «الأربع»، لكي يرضى الرجل الكبير؟، وتساءلت أكثر أيَّ كبيرٍ يخشون؟..

 

تثاقلت التساؤلات عليَّ، خاصة وأنا لا أزال أرى شعراء وروائيين وكتاب قصة ومشتغلين ومهمومين بالشأن الثقافي، يصرون على طرق باب الوزير والوزارة، الحظيرة سابقًا، حتى اليوم للحصول على منحة أو دعم لفكرة أو مشروع تنويري أو تفاعلي بيننا وبين مثقفي العالم الحر يحرك في وجدان المصريين ذوقًا فسد ووعيا تشوَّه.

وقلتُ إن استمرار المثقفين على تنمية جينات لا تخص بني الإنسان في داخلهم وإصرارهم على العودة للحظيرة، له وجهان في التأويل، إما أنه نوع من الانتفاع يريده مريدوه ومجيدوه، وإما أن مثقفينا رضوا بالحظيرة بيتا وبالعلف خُبزًا وبمنَح التفرّغ وجوائز الدولة تاريخًا وخلودًا، وكأن دورهم في تغيير المجتمعات وسلوك البشر هو كسب الجائزة الفلانية أو قنص الترشيح العلاني.

وأنا لا أتهم أحدًا، بل أحاول أن أفسر موقف ثباتهم على ما تربَّوا عليه، رغم أنهم في كل مكان لا يقولون إلا «مصر اختلفت بعد 25 يناير.. لا بد أن نتحرك بجد بعد 25 يناير.. نحن كمثقفين لنا دور من الضروري تفعيله بعد سنين من الركود الثقافي».

وأذكّر بالكيفية التي تنظر الدولة بها لمثقفيها منذ سنوات، حسبما جاء في تصريحات للوزير إيَّاه: «مالها حظيرة الوزارة؟ عيبها إيه الحظيرة السخية معاهم؟ أليست تفتح بيوتهم؟ أليست تعطيهم النقود التي يشترون بها أقلاما يستخدمونها في الهجوم علينا؟

من يدفع نفقات التفرغ؟ الحظيرة.. من يتحمل تكاليف سفرهم ومؤتمراتهم ومعارضهم ونشر كتبهم وشراء مسرحياتهم وموسيقاهم واستعراضاتهم؟ الحظيرة.. ولو قمنا بإغلاق الحظيرة، لكانوا أول من يطالبون بإعادة فتحها، لأن فتحها يعني فتح بيوتهم، والعكس معناه أن يعودوا لأيام زمان، ولا أريد أن أذكرهم بأيام زمان».

وهنا أودّ أن ألفت النظر إلى أن العيب في هذه التصريحات ليس منسوبًا فقط لفكر الوزير الأسبق، ولكنه منسوب لمنظومة من المفترض أن تتم إبادتها ليُعاد بناؤها من جديد، فليس بتغيير الوزير تحيا وزارة الثقافة، ولن يتم التغيير إلا مع بناء دولة، ولن تُبنى دولة إلا بتربية عقول أبنائها على حرية خالصة دون رقابة ووصاية.

هنا يبرز دور المهمومين بأمر تثقيف الناس وتقديم الثقافة باعتبارها ضرورة حياة وليست لقمة عيش تسد رمق الجائعين، وهنا أيضًا أدعو مثقفينا لهجر «حظيرة وزارة الثقافة»، التي تُكلّم فراخَها وخرافها من المثقفين من فوق وكأنها تمطر عليهم بسحاب جُودها، أدعوهم للعمل خارج المؤسسة، حتى إذا صلُحت المؤسسة في يوم من الأيام.

إن الثقافة بنت التحرّر، أما التبنّي فليس يُوهَب إلا لليتامى الضالين، ولا يجب أن نُخدع بأن الثورة ستُؤتي ثمارها قريبا، يجب أن نعرف أن 30 سنة خرائب لن تمحوها مظاهرات «سلمية.. سلمية»، إنها ثورات تأتي وتذهب، لكن العمل على إزالة المقدسات في المبنى والمعنى وتحطيم الأصنام وبوابات الدخول الشرعية، التي اكتشفنا وتأكدنا مع الوقت أنها بوابات إلكترونية تقوّض العابرين، ضرورة مُلحَّة.. أرجوكم! أعيدوا النظر في السير إلى طريق الوزارة، لأنها، أظن، لن تحل مشكلتنا الثقافية، وإلا فعلتها منذ 30 سنة.