رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

ظلَّ شاعرا حين قامت الثورة


الشعراء لا يموتون.
يُذبحون، ويصلبون، وتُقطع أرجلهم وأيديهم من خلاف، وينفوا من الأرض لكنهم أحياء. أبدا. كلماتهم عصافير تحُط على شجر الوطن مُزقزقة فى براءة ونقاء، وإبداعهم عسل مُقدس يُنقط فى حلوق عرفت المرار دهورا. حروف كالرصاص تعبُر فضاءات الضجيج نحو أعمدة القُبح المزروعة فى عالمنا لتُسقطها واحدا تلو الآخر.

مُنذ أطلق المثقف المخضرم الدكتور جابر عصفور صيحته الشهيرة «عصر الرواية» والشعراء يتراجعون إلى الخلف. يتقاعدون مُبكرا، ويقدمون استقالاتهم. هجر الأديب الرائع مُرهف الحس محمد ناجى كتابة الشعر وانغرس فى عالم الرواية، وأوقف صديقنا الجميل مصطفى بيومى نشر قصائده وتفرغ للنقد الأدبى، وامتنعت دور النشر عن قبول نصوص شعرية، مُحفزة المُبدعين على كتابة القصص والروايات كبديل. لكن صديقنا المتفرد عماد أبو صالح لم يُذعن لعاصفة التحول وأصر أن يقبل التحدى وأن يفتح نافذة الشعر على مشاهد لم نرها، وصور لم نتخيلها شاطبا على المقولة الشهيرة التى أخافنا بها عنتر بن شداد قبل ألف وخمسمائة سنة «هل غادر الشعراء من مُتردم!».
ديوان جديد أدهشنا به عماد أبوصالح رائد شعراء التسعينيات يحمل عنوان «كان نائما حين قامت الثورة» يُقدم لنا أنماطاً جديدة من السحر الإنسانى بما يُهوّن مرارات المجتمع المادى المُحيط. يقول فى قصيدة «ذم الأشجار»:
«ما هى العصا؟ غصن شجرة. ما طاولة التعذيب؟ جذع شجرة. ما الصليب، ما الباب الذى يحجب الهواء. ما هو النعش؟ دلونى على شجرة ليس فيها فرع جاهز لتعليق حبل. كل شجرة. إغراء بمشنقة».
وتلسع روحنا كلماته فى ذم الثورة التى تستبدل الطغيان بطغيان وتُعيد رسم ملامح الاستبداد قائلا: «كان نائما حين قامت الثورة/ لم يغادر سريره./ رغم أنه سمع الهتافات الهادرة/

من شباك غرفته/ نام بعمق. كان وحيدا فى البيت/ فى الحى كله/ لا ضجيج بائعين/ لاصراخ أطفال/ولا نباح كلاب./ وحيد وحر/ بينما الثوار هناك  /يشيعون جنازة الحرية».
ويحلم عماد  «لا بأن يشرب الذئب مع الخروف من وعاء واحد، فهذا حلم كبير. لا أحلم بأن يتوقف الناس عن متعة القتل. إن هذا مستحيل. كل حلمى أن يظل القاتل قاتلا والقتيل قتيلا دون أن يختلط علىّ اليد التى غرزت السكين والقلب الذى تلقى الطعنات. أحلم بالحياة حلبة مصارعة، بالعدل، بين الخطأ والندم، لا منتصر ولا مهزوم».
وكأنه كان يرد على صيحة «زمن الرواية» عندما كتب: «أنت شاعر؟ كُنت. تركته؟ أغوانى وهجرنى. لماذا تجلس فى الحديقة؟ لأنصح الأطفال. ماذا تقول لهم؟ احذروه. يتخفى، أحيانا فى الحلوى. وللشعراء الجدد؟ أمامكم فرصة للهرب. سيحولكم إلى كلاب. تلهثون وراء خطواته. اكتبوا روايات».
أى جمال حقيقى بعد ذلك! أى استمتاع مُدهش! أن يصدر ديوان شعر حقيقى فى هذا الزمن، أن تهزنا قصيدة، أن تُمتعنا كلمات، أن يكتب عماد أبو صالح فهذا يعنى أننا بخير، والأدب بخير، والكلمات بخير، والوطن بخير.
والله أعلم.

[email protected]