رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

«سرد أحداث موت معلن»

فى رواية «سرد أحداث موت معلن» للروائى العظيم جارثيا ماركيز تقع جريمة القتل فى وضح النهار، وأمام الناس ولا يتحرك أحد لإيقافها. تبقر بطن رجل متهم بإقامة علاقة مع إحدى فتيات العائلات، ويصفى دمه قطرة قطرة ولا يسعفه مسعف، ولا ينقذه منقذ. فالقتل فى جرائم الأخلاق مقبول، وجائز، ومستحب.

يعرف الناس القاتل وينكرونه، ويعلمون تفاصيل الجريمة ولا يقدمون شهاداتهم. يختارون الصمت جبنا وخذلانا وإيثارا للسلامة. كما هو المشهد فى مصر. ترتكب الجرائم كل يوم وتسجل ضد مجهولين.
يسفح الدم فى العباسية وقصر العينى ومحمد محمود وتغادر الأرواح الطيبة أجساداً سكنتها دون سبب ودون مجازاة للقاتلين.
على المقاهى يجلس القتلة المأجورون يشحذون سكاكينهم وينتظرون عملاءهم ليحددوا لهم ضحاياهم دون سابق معرفة. كآلات بلا ضمير يعملون بعيداً عن حسابات السياسة والعدالة والقانون. لا يكترثون لآلام ضحاياهم وقت الذبح، ولا ينشغلون إن كان لهؤلاء الضحايا أهل ومحبون، ولا يفكرون إن كانوا يستحقون القتل غدرا وسط الزحام أم لا.
حكى لى صديقى الإعلامى الجزائرى يحيى أبوزكريا كيف كان القتلة المأجورون يذبحون ضحاياهم من المثقفين والمبدعين كل يوم فى جزائر التسعينيات. كانوا يتلقون قوائم بأسماء وعناوين الضحايا ومعها حقائب نقدية، ثم يتوجهون لتنفيذ مهامهم فى هدوء ولطف.. يطرقون الباب فيفتح لهم الضحية فيدخلون مبتسمين ويصافحونه، ثم يطلبون منه أن يسامحهم لأنهم يقومون بعمل مقابل أجر، ويشجعونه على استقبال الموت بسكينة وبدون فزع. كان القتل فى الجزائر يتم لحساب قادة عسكريين

فى الجيش ومسئولين كبار فى الدولة، وبعض الساسة الفاسدين.
فى عشر سنين سكبوا دماء مائتى الف أو يزيد، وأوقفوا عجلة التنمية، ودفعوا العقول والخبرات النادرة أن تغادر فزعا من اللاحياة.
وما جرى فى العباسية يؤكد أن سوق القتلة المأجورين فى تنامٍ، وأن مصر يتم «جرجرتها» لمصير الجزائر. لكن ما أحسبه واجباً علينا هو أن ندافع عن ضحايانا مهما كان اختلافنا السياسى معهم. فلقد دفعوا أرواحهم ثمنا لما يؤمنون بغض النظر عن اتفاقنا أو اختلافنا مع مبررات اعتصامهم.
يقول نزار قبانى فى رائعته «بلقيس»:
«سأقول فى التحقيق.. إنى أعرف الأسماء، والأشياء، والسجناء، والشهداء، والفقراء، والمستضعفين.
وأقول إنى أعرف السيَّاف قاتل زوجتى، ووجوه كل المخبرين.
وأقول: إن عفافنا عهرٌ، وتقوانا قذارة..
وأقول: إنَّ نضالنا كذبٌ
وأن لا فرق ما بين السياسة والدعارة».
لقد غيبتنا غفلة الخلافات عن مطاردة القتلة، ومحاكمتهم، وإخراجهم تماما من خريطة السياسة المصرية، فالنظام الفائت لم يكن ليطمئن دون جحافل البلطجية، ويبدو أن النظام الوارث أعاد تشغيلهم. والله أعلم.
[email protected]