رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

الأصولية الإسلامية.. وتهافت الخطاب المعارض

 

إذا كانت المحاولات في الغرب تجرى على قدم وساق للربط بين الإسلام والإرهاب ليصبحا صنوين لا يفترقان لا يذكر أحدهما إلا وذكر الآخر، فإن محاولات أخرى تجرى على صعيدنا الداخلي للمماهاة بين الإسلام والتشدد على نحو يجعل من صفة التطرف أصيلة في الإسلام إلى الحد الذي ينبغي معه أن تتحسس مسدسك عندما تعلم أن من هو ماثل أمامك مسلم!

هذا هو الانطباع الذي لا بد أن يتسرب إليك بمجرد أن تقرأ الكتاب الجديد للكاتب طلعت رضوان والذي عنونه بـ «مثقفون مع.. الأصولية الإسلامية».. وإذا كان الخطاب يبدو من عنوانه كما يقول المثل فإن لك أن تتوقع رحلة فكرية رائعة بين مفكرين وكتاب من مشارب مختلفة بشأن الإسلام بعضهم يمثل التيار الليبرالي وآخرون يمثلون التيار العلماني وفريق ثالث يمثل التيار الإسلامي.. غير أن المؤلف يأبي إلا أن يصدمك من الصفحة الأولى للكتاب حين يضع كل هؤلاء في سلة واحدة إنهم أصوليون إسلاميون.. بدءاً من أحمد بهاء الدين، مروراً بجلال أمين وجمال حمدان ورجاء النقاش وغيرهم من الرموز التي أثرت حياتنا الفكرية بإسهاماتها التي ليس للإسلام وجود حقيقي فيها، وهو أمر لا يقلل من قيمة هذه الإسهامات بأي حال من الأحوال.
وإذا كان المنطق يجعلك تتجاوب مع المؤلف – في حدود معينة – في تقبل توصيفه لمفكر مثل الدكتور محمد عمارة والكاتب فهمي هويدي وإلى حد ما الراحل الدكتور مصطفى محمود في تيار الأصوليين.. باعتبار أن المفهوم مطاط، وإن كان للمط حدود.. فإن لك ولي أيضاً أن نرفع راية الاحتجاج على توصيفه لصلاح عبدالصبور مثلاً والكاتب اليساري الراحل محمد سيد أحمد ومحمد أحمد خلف الله ونعمان عاشور إلى جانب من تمت الإشارة إليهم في الفقرة السابقة في عداد الأصوليين أو المؤيدين للأصولية بمعناها السلبي الذي يجرى تسييده دون محاولة للاشتباك الفكري مع المفهوم انطلاقاً من أسس علمية تحرر معناه وتقدمه للناس على شكله الصحيح.
ما يستدعي هذا النقاش نبرة الحسم التي قدم بها مؤلفنا مادته بشكل يوحي بأننا، كشعب مصري، خاضع لأكبر عملية تزييف وعي، ينبغي كشفها.. وحسب تعبيره فإن «شعبنا المصري وقع ضحية لابسي الأقنعة».. على هذه الخلفية يحاول المؤلف أن يفضح هؤلاء، مشيراً إلى أن الخدعة التي تعرض لها شعبنا تتمثل في أن عدداً كبيراً من المتعلمين الكبار الذين أطلقت الثقافة السائدة عليهم مصطلح مثقفين نالوا صفة ليبراليين ومتنورين وأحياناً علمانيين، وبالتالي تم تصنيفهم على أنهم ضد الأصولية الإسلامية بينما كتاباتهم عكس ذلك أي أنهم مع الأصولية الإسلامية.
بغض النظر عن الاتفاق أو الاختلاف الفكري مع الكاتب، فقد كان من الممكن أن نرفع القبعة له لو أنه أثبت صحة مقولته، غير أنك عندما تغوص في الكتاب تدرك تهافت منطقه.
ومن العموميات إلى التفاصيل نشير إلى أن الأستاذ طلعت يبدو ناقما على أحمد بهاء الدين مثلاً – بشكل يسمح لنفسه معه بأن يدرجه في عداد الأصوليين، على غرار التصنيف الذي سمح به دانتي لنفسه في كوميديته الآلهية بوضع من يريد في الجحيم – لا لشىء إلا لأنه «أبدى

إعجابه بحركة التعريب في الجزائر».. هل هذه أصولية؟ وهل من المعقول اختزالها في مثل الأمر؟.. ولأن ذلك ليس من المعقول فإن المؤلف يقدم مسوغاً ثانياً هو انبهار الأستاذ بهاء بشخصية جمال الدين الأفغاني باعتباره ثوريا!
وإذا كان توصيف بهاء يمكن تمريره فإن موقف المؤلف مع رجاء النقاش يثير الارتباك.. فرجاء أصولي لأنه قرر التصدي للتيار المختلف مع الثقافة المصرية السائدة المدافعة عن العروبة والإسلام.. قد تقول: وما المشكلة في ذلك؟.. وأين الأصولية في هذا الموقف؟.. يفحمك رضوان بإشارته إلى أن رجاء لم يقبل رأى لويس عوض الذي قرن الفتح العربي بالفتح الإنجليزي.. أي أن رجاء يرى أن هناك فرقاً بين الأمرين وتلك جريمته.
دعك من بهاء ونقاش، فقد يكون الكاتب على صواب فيما ذهب إليه بشأنهما، غير أن الحيرة تنتابك عندما يتطرق في حديثه للكاتب المسرحي المعروف نعمان عاشور الذي يذكر فيه رضوان من حميد الخصال ما يجعلك تتمنى وجود أشخاص كثيرين مثله في حياتنا.. فهو عف اللسان، أبي النفس، ولم يتزلف ولم يتملق سلطة الحكم من أجل مصلحة ذاتية، ولكن ذلك لا يشفع لعاشور سقطته، التي تصبح مسوغاً لإدراجه في عداد الأصوليين، وتتمثل في تشويهه للطفي السيد.. حيث قدم وجهه الإقطاعي ولم يقم بالتعريف بالإنسان والمفكر في شخصيته!
عندما انتهيت من قراءة الكتاب، شعرت بحالة تشوش فكري، فهل هذه هي الأصولية التي نرفضها.. تلك التي يمثلها كتّاب مثل بهاء ورجاء وعاشور.. تذكرت لحظتئذ بيت شعر قال فيه أحدهم: لو أن حب آل محمداً رفضاً.. فأشهدي يا خلائق أني رافضي.. رحت أردد بيني وبين نفسي: لو أن هذه هي الأصولية فإني من أوائل الأصوليين.. وليت أمتنا كلها تصبح أصولية!
عندما أفقت من تشوشي رحت أتمنى بيني وبين نفسي لو أن المؤلف قرأ كتاباً مثل كتاب «الأصولية الإسلامية العربية المعاصرة» والصادر عن مركز دراسات الوحدة العربية.. أظن – وليس كل الظن إثم – أنه كان يمكن أن يغير من خطته بشكل كامل في تقديم مثل هذا العمل للقارئ.. والله أعلم!