عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

انتفاضة يناير

على كثرة ما قُدِم من تحليلات ورؤى بشأن ما جرى في 25 يناير 2011، فإن الرؤية التي قدمها المفكر السوري جورج طرابيشي، صاحب العمل المتميز «نقد نقد العقل العربي» الذي تتبع فيه مشروع عابد الجابري بكل تفاصيله بالنقد والتحليل، تمثل قدراً من المنطق والعقلانية، حيث يذهب الكثيرون – ومنهم صاحب هذه السطور وما زال – إلى أنها تمثل ثورة، فيما يختزلها البعض إلى مستوى انتفاضة، ويشطح آخرون من بعض ذوي الكعب العالي في الإعلام المصري هذه الأيام إلى حد الهبوط بها إلى مرتبة «مؤامرة».

ففي حوار نشر في كتاب «تكلم لكي أراك» الصادر ضمن مجلة نزوي العمانية في عددها الأخير يشير طرابيشي إلى أنه يفضل أن يسمي ما حدث في إطار الربيع العربي بانتفاضات لأن الانتفاضات حسبة من شأنها أن تسقط أنظمة أما الثورات فليس مهمتها إسقاط أنظمة بل بناء أنظمة جديدة تتجاوزها وتتقدم عليها.. وهو يبني حجته على أساس ما يعتقده من أن «إسقاط الأنظمة أسهل من بناء أنظمة جديدة وقد يكون أقل كلفة من بناء أنظمة جديدة أيضاً».
وإذا نظرنا إلى هذا التفسير من وجهة نظر أخرى فهو قد يمثل انعكاسا منطقيا للحديث النبوي «إنما الأعمال بخواتيمها».. فالحكم على الشىء إنما يكتسب ماهيته الحقيقية بما آل إليه بالفعل وليس بما كان عليه في البداية.. ففعل الثورة قد تنتهي به مساراته إلى نهايات عدة فإما أن يكتمل فيصير على النحو الذي يوصف به وإما أن ينحرف عن مساره فيهبط إلى مستوى انتفاضة وقد ينهار ليصبح – في منظور البعض - ليس سوى جزء من مؤامرة!
ويبدو طرابيشي يحمل رؤية سلبية تحوي قدراً من النقمة على الأنظمة العربية حين يقول إن هذه الأنظمة في العالم العربي تقريباً - بلا استثناء - سدت أفق التطور ولجمت حركة التغيير التاريخي مدة نصف قرن معتبراً أنها أنظمة مستمرة.
وفي معرض توصيفه للواقع وما حدث خلال الثورات وما بعدها يقول طرابيشي إن الشباب لم يعد هو قائد الثورات التي قام بها أو أنهم هم الذين يقودون مرحلة ما بعد الثورات لبناء أنظمة جديدة.. ورغم أن هذا الشباب استطاع من خلال استخدام الوسائل التكنولوجية

– الفيس بوك – إسقاط الأنظمة، فإن ما يحصل الآن – وفق طرابيشي – هو استرداد أيديولوجي لهذه الثورات. ونضيف واسترداد سياسي أيضاً – ولعل وضع الرئيس بشار الأسد في سوريا الآن ما يؤكد هذه الرؤية.
وفي رصده الدقيق لما يجري يشير طرابيشي، في مجمل رؤيته التي نراها تمثل تشخصياً دقيقاً لواقعنا العربي، إلى ما يراه إحدي أدوات الاستيلاء على الثورات العربية قائلاً: إن بعض القنوات التكنولوجية الجديدة ذات الأثر الهائل هي التي تعيد توريد الأيديولوجيا من جديد ولكنها أيديولوجيا بديلة عن أيديولوجيا الأنظمة الساقطة.
ولعل ذلك هو الذي يجعله يدعو إلى ما يصفه بقراءة تفكيكية للربيع العربي.. ذلك المفهوم الذي يعكس شعاراً جميلاً ورومانسياً يوحي بتجدد نمط الحياة في المجتمعات العربية.. بدون ذلك فإننا، كما يتوقع، سنهيئ بلداننا وأنفسنا إلى خيبات كبيرة.
ولأن الرؤية تبدو ضبابية فإن طرابيشي يقدم صورة يختفي منها الأمل.. فإذا كان الربيع العربي مثل بادرة تحول إيجابية فتح أمامنا الأفق بعد أن كان مسدوداً، فقد انفتح الآن ولكن كما ينفتح لا ندري هل ستأتي بعده عاصفة أم بحر السلام من جديد.. وإن كان يرجح الأسوأ حيث يشير إلى أن المؤثرات القائمة الآن لا تجعله كثير التفاؤل بمصائر هذا الربيع العربي.. وعلى ذلك وفي تعبير عن الحيرة يرى نفسه يقف بين حدين: فبعد أن كنا نبكي فرحاً بسقوط الأنظمة القديمة، فالخوف كل الخوف أن نبكي حزناً للأنظمة التي ستحل محلها!


[email protected]