عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

مقبرة لله .. يا وزير الإسكان


لم أتخيل للحظة أن السعي إلى امتلاك قبر يمكن أن يمثل شاغلا لي على النحو الذي وصل إليه حالي مؤخرا، ومن المفارقات أن ذلك جاء في اللحظة التي أصبح فيها تحقيق مثل هذا الأمل شبه مستحيل وإليكم التفاصيل. فبعد وفاة أبي بسنوات بدأ عمي جهودا لتخصيص مقبرة للأسرة بعد أن ازدحمت مقبرتنا التي نشارك فيها كأفراد ضمن جمعية خاصة بأهالي الصعيد في البساتين. وقتها كنت أنظر لعمي بريبة : ما هذا الرجل الذي يستبدل التفكير في الحياة بالموت.. وآخرتها لا يكون لنا هم سوى الحصول على قبر!

وتطبيقا لهذه النظرة – القاصرة بالطبع – لم اهتم عند سكني بمدينة اكتوبر بالتقدم لتخصيص مقبرة باعتبار أن ذلك من حق أي ساكن بالمدينة ولو لشقة صغيرة.. ظللت على نظرتي تلك إلى أن كانت وفاة أمي منذ سنوات والتي واجهنا معها مشكلة إجرائية تتعلق بمقبرة الجمعية التي نحن أعضاء بها وتم إنهاؤها في لحظات.
غير أن ذلك كان بمثابة جرس إنذار لي خاصة مع مرور السنوات وانتقالي وإخوتي من طور الطفولة والشباب إلى «النضج».. وليس الشيخوخة أو الكهولة! بدأت العمل على الحصول على مقبرة فلم أكذب خبرا بإعلان محافظة الجيزة عن تخصيص مقابر وقمت باللازم من خطاب بحوالة بريدية مع خمسين جنيها.. غير أن الخيبة كانت رفيقتي في تلك المهمة حيث تقرر إجراء قرعة مع زيادة عدد المتقدمين وكلفت صديقا لي بمتابعة الأمر.. وكان ما كان من انتهائها بهرج ومرج تم على إثره إلغاء القرعة.
بعدها علمت أن هناك فرصة جديدة في جهاز اكتوبر فاشتريت كراسة الشروط وأخبروني أنهم سيتصلون بي لإتمام الإجراءات غير أن الفرصة فاتتني وعندما سألت عن السبب كان إخباري بأنني لم أتابع وخلت قائمة الأسماء من اسمي!
أصبحت أخبار المقابر وتخصيصها تستولى على جزء من تفكيري كالطعام والشراب تذكرت عمي وسخريتي منه بيني وبين نفسي فأدركت حكمة أن لكل مرحلة عمرية أحكامها ومقتضياتها. إلى أن استبشرت خيرا بإعلان أخير حول تخصيص مقابر في أكتوبر والقاهرة. غير أن تفاصيل الإعلان بدت مزعجة وتخيلت أن هناك خطأ به يقتضي التصحيح.. فقد كان يشير إلى تخصيص مقابر بأولوية الحجز بمساحة 40 مترا بقيمة 73 ألف جنيه منها 30 تدفع للحجز و38 عند الاستلام وخمسة آلاف تكاليف حراسة وصيانة ولم يتم تحديد الموعد وهو ما يعني أن الحاجز عليه أن يدفع المبلغ الباقي ولو بعد يومين  أو ثلاثة حيث قد تكون المقابر جاهزة!!
بحسبة بسيطة تدرك أن تكلفة متر المقبرة يقترب من حاجز الألفي جنيه وهو يقترب من تكلفة المتر في أفخم مشروع أعلنت عنه وزارة الإسكان تحت مسمي دار مصر هو أقرب إلى الـ«كومباوند» وهو 2500 جنيه. سألت نفسي لماذا تصر الوزارة على أن تدفننا في «كومباوند» فيما أننا نعيش في جحيم.. وإذا كانت تريد تعويضنا ألم تدر أن ذلك سيتم في الآخرة عندما نلقي الله سبحانه

وتعالي وأن ذلك ليس دورها! وهل أصبح المصريون من الثراء والغني الفاحش لدرجة أن يدفن عمومهم في مدافن هي أقرب – في أسعارها – إلى القصور!
لك أن تستغرب إذا قلت لك أن الوزارة قد ترد بأن لديها حقا.. ويؤكد ذلك أنها سارعت بنشر تعديل للإعلان في الأسبوع التالي بأن التخصيص ليس بأولوية الحجز وإنما ستجرى قرعة وهو ما يعني بالبداهة أن عدد المتقدمين أكثر من الطبيعي.. وتتغافل بذلك عن أن هذا الإقبال إنما يعكس نوعا من المضاربة حيث يراهن كثير من المشترين على رفع سعر المقابر وهو الأمر الذي تنافسهم فيه الدولة برفع الأسعار على هذا النحو.. وإلا فقل لي بالله عليك .. هل يمكن بأي حال من الأحوال ان تصل تكلفة متر المقبرة لألفي جنيه.. الأرض أرض الدولة ومجانا وليس هناك حاجة لمرافق على شاكلة تلك المطلوبة للمشاريع الإسكانية .. ولا مطلوب بناء فخم .. الأمر باختصار ودون لف أو دوران أن الدولة تتاجر في المقابر وتتكسب منها وبعد ذلك تطالبنا نحن المواطنين بالرشادة وإعلاء مصلحة الوطن!
وإذا كان الشيء بالشيء يذكر أشير إلى أنه في كتب التاريخ يقال إن فردريك الأول ملك بروسيا في القرن 17 لم يكن يحفل بإنشاء صناعات جديدة قدر اهتمامه بالقضاء على النفقات التي لا فائدة منها وأن المآتم كانت تكلف الكثير لدرجة تجلب الخراب .. إذ كانت الجنازات تشيع في احتفالات باهظة التكاليف فألغي هذا الإفراط وأبطل استخدام العربات والخيل المتشحة بالسواد كما أبطل تزين الخدم بلباس رسمي خاص ومنذ ذلك الوقت لم يكلف موت الناس إلا القليل. فهل تعي الإسكان هذا الدرس وتجنبنا والدولة تكاليف باهظة لا لزوم لها وإذا كان بعض التيارات الدينية المتشددة تشدنا إلى القبر.. فهل تهدف الإسكان بسياستها تلك أن تعضد هذا المسلك.. لنصحو وننام وليس لنا هم سوى الموت.. اللهم لا تهلكنا بما فعل السفهاء منا.. اللهم آمين!

[email protected]