رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

هل صليت على النبي اليوم ؟ (1)

ترددت كثيرا في الكتابة عن هذا الأمر باعتبار أنه لن يلقى فهما سليما من قبل الكثيرين لأسباب عدة، غير أن العديد من المشاهدات والممارسات دفعتني لـ«المغامرة» باعتبار أن الأمر في النهاية يعبر عن ضرورة تقليل دائرة اللامفكر فيه من قضايا إن لم يكن عدم وجود مثل هذه الدائرة من الأصل، وأن المسلم يجب أن يخضع كل ما يواجهه في حياته للنقاش العلني، دون تردد أو وجل،  وهو الأمر الذي يكشف الغوص في تراثنا عن تحققه وبشكل خاص في فترات ازدهار الإسلام.

وفي الحقيقة فإنني لم أكن حتى حينما شرعت في الكتابة أتصور تزايد انتشار الظاهرة لهذا الحد إلى أن وجدت إحدى الصحفيات الزميلات تسأل المتصفحين قبل أن تخرج من على «الفيس» ما إذا كانوا صلوا على رسول الله صلى  الله  عليه وسلم اليوم أم لا؟
وفي حدود مشاهداتي يمكن لأي إنسان يسير في شوارع القاهرة أن يلحظ أن تلك هي العبارة – الأكليشيه – التي أصبحت تزين زجاج مختلف السيارات خاصة الميكروباص وأحيانا الخاصة وحوائط نواصي الشوارع الرئيسية؟ أعرف أن البعض قد يستنكر تناول هذا الموضوع من قبيل : وهل فرغنا من كل قضايانا حتى نناقش أمرا كهذا؟ بينما سيسارع آخرون لمحاولة التلميح لوجود من يستنكر ظاهرة إيجابية وهي  الدعوة للصلاة على الرسول في ذات الوقت الذي يتغاضى فيه عن الكثير من الظواهر السلبية في حياتنا؟.. فيما سيكون رد فعل آخرين: وماذا في الصلاة على النبي؟..  أليست أفضل ألف مرة من التلفظ بلفظ خارج أو توجيه الانتباه لما قد يبدو تافها؟
مع التقدير لمثل هذه الأطروحات إلا أنني لا أظنها كافية للحيلولة دون التساؤل حول مدلول هذه الظاهرة أو التقليعة التي انتشرت سريعا دون أن يعني ذلك إنكارا أو تأييدا لها. السؤال الذي جال في ذهني : هل هي حملة منظمة تقوم وراءها جهة ما أم هي عفوية في إطار سمة  التدين التي تغلب على المصريين؟ وإذا كانت الإجابة هي الأولى فما هي تلك الجهة وما هو هدفها من وراء ذلك؟ هل هو عبادي محض أم ماذا؟ وإذا كان عباديا فهل أصابت الهدف؟
في معرض التوضيح.. أشير إلى أنه كان آخر من أتمنى أن أستعين به الراحل الدكتور نصر أبو زيد باعتبار ما ستلقي به مثل هذه الاستعانة من شكوك حول موقفي وتحسم الأمر لصالح رفض استكمال قراءة ما أكتبه واتخاذ موقف مسبق منه لكن لأن عبارته معبرة فقد لزم الإشارة إليها حيث يذكر في معرض دراسة له بشأن علوم القرآن إلى أنه «.. لم تعد قضيتنا اليوم حماية تراثنا من الضياع وثقافتنا من التشتت وإن كانت تلك قضية هامة في كل زمان ومكان بالنسبة لكل الأمم. لكن الذي أريد أن نقوله إنها ليست القضية الأولى في هذه المرحلة..».
على المنوال ذاته فإن الصلاة على النبي أمر يجب أن يلتزم به المسلم في كل زمان ومكان غير أن السؤال الذي يطرح نفسه : هل هذه هي القضية التي يجب أن يسخر لها البعض جهده؟ وإذا انطلقنا

من حسن النية  بشأن تفسير مسعى كل من يقوم بذلك.. فإن السؤال هو هل هذا هو الإسلام الذي نسعى لتسييده في ظل تحديات يفرضها عصر بالغ الاختلاف؟ في معرض القياس نستعين بالحديث النبوى : من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فلا صلاة له.. وعلى النحو ذاته نردد أن من لم تنهه الصلاة على النبي عن الفحشاء والمنكر فلن يثاب على تلك الصلاة. فالصلاة على النبي لن تغني عنك شيئا إذا كنت ترددها قبل أن تتلقى  الرشوة.. وتقوم بترديدها فيما تغش في معاملاتك.. والقائمة من هذا النوع من الحديث تطول وقد لا تنتهي.
لسنا في وارد القيام بدور الواعظ ولكن ذلك لا يمنعنا من التأكيد على أنه إذا لم يتجاوز الأمر الحناجر فلا حاجة للنبي أو الإسلام أو المسلمين لمثل هذه الصلاة. إذا لم نتمثل شخصية النبي في أكثر معانيها إنسانية وتعبيرا عن قيم الإسلام فإن الصلاة عليه – بحملة على الميكروباصات أو الشوارع أو بدونها – لن تؤتي أكلها أو تحقق هدفها.. ولن يتجاوز الأمر مظهرا أخر من مظاهر التدين السطحي الذي امتلأت به حياتنا حتى بتنا نلتزم بشكل كامل بقشور الدين دون جوهره.
ووسط بحر متلاطم تتقاذفنا فيه أمواج من الحداثة تفرض أنماطا مشوهة وغير مألوفة من التدين.. وتتقاذفنا أمواج أخرى من الفهم المغلوط الذي يستدعى أسوأ ما في تراثنا ويقدمه على أنه صحيح الإسلام.. فإننا بحاجة لأن نستفتي عقلنا بشأن الطريق الصحيح الذي يجب أن نسير عليه في التزامنا بديننا.. ومع الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم أمس وغدا وليس اليوم فقط..  أتصور أنه ليس بمثل هذه الوريقات يمكن أن نكون نسير على مثل هذا الطريق.
بعد أن انتهيت من هذه السطور وقبل أن تأخذ طريقها للنشر اكتشفت أن الأمر أكبر من كلماتي «البريئة» وأن الأمر وصل لحد معركة كبيرة.. هممت بالضغط على زر الكمبيوتر لحذف ما كتبته أو عدم نشره.. غير أنني فضلت أن تجد الكلمات طريقها للقارئ على أن يكون للحديث بقية.
[email protected]