رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

دبي .. والخيال الغربي المريض

رحل إدوارد سعيد ولم يرحل معه الاستشراق الذي كرس جانبا كبيرا من حياته لتناوله وكشف جوهره الذي يتمثل في تقديم الشرق في صورة بالغة السوء. ورغم أن الحديث عن موت الاستشراق أمر أصبح يكاد يكون شائعا في أغلب الكتابات التي تتناوله إلا أنه يمكن القول إنه مازال موجودا ويظهر بشكل أو بآخر بين الفينة والأخرى في مختلف المجالات. وإذا كانت السينما تعد إحدي الأدوات التي تمثل تعزز الصور الذهنية الغربية عن الشرق، فإن فيلما مثل “المهمة المستحيلة” في جزئه الثالث ـ بروتوكول الشبح - يمثل نموذجا بالغ التعبير عما نود أن نشير إليه.

فمن بين أربع مدن تحركت أحداث الفيلم، الذي تم عرضه على إحدى الفضائيات منذ يومين، بين جنباتها كانت دبي المدينة التي استحوذت على قدر لا بأس به من وقت الفيلم، وفي ذات الوقت أكثر المدن ذات صورة سلبية تعكس في رأينا الذهنية الغربية في النظر للشرقي أو العربي المسلم بشكل خاص. فحين ينتقل بطل الفيلم توم كروز – إثيان – لدبي لاستكمال مهمته يبدأ المشهد ببانوراما للصحراء وقد تناثرت فيها الجمال .. وهي الرؤية السرمدية للغربي تجاه العرب مهما حققوا من تقدم ونهضة. وإمعانا في تعزيز هذه الرؤية يصور لنا الفيلم لقطة ينجح فيها فريق كروز في تفادي أحد الجمال بصعوبة في طريق رئيسي رغم أن هذا الأمر قد يدخل في عداد «المهمة المستحيلة» لأي سائق سيارة في دبي.
ومع تواصل أحداث العملية المستحيلة في دبي يحرص الفيلم على تقديم ذات الصورة الذهنية المتعلقة بالبداوة العربية وهو ما يتجلى في مشهد مطاردة كروز لاحد المستهدفين في عملية الاستيلاء على السلاح النووي حيث نجد العملية تتم وسط مجموعة من الخيام والعشش بالغة البداءة رغم أن عملية المطاردة بدأت من برج خليفة أعلى برج في العالم وتمت المطاردة جريا على الأقدام ومن المستحيل في محيط البرج لمسافة عدة كيلو مترات على الأقل أن تجد مثل هذه الخيام، فضلا عن أن تجدها في دبي من الأصل، حيث تتباهي دبي ذاتها ببقعة برج خليفة وتعتبرها «أرقى كيلو متر مربع على وجه الأرض».
لم يكتف الفيلم بهذه الإشارات الواضحة على محاولة التأكيد على أن برج خليفة ليس سوى قشرة من قشور النهضة التي تعيشها مدينة مثل دبي فراح يثير زوبعة رملية كثيفة في مسعى لتأكيد الطبيعة الصحراوية للمدينة في مشهد لا يخدم العمل بشكل كبير.
على العكس يمكن أن تقرأ تحيزات الفيلم – إذا نظرنا بهذه الرؤية – حين راح يقدم مدينة مومباي حيث بدأ المشهد بنزول كروز ومرافقته من سيارة أمام القصر الفخم الذي يجرى فيه حفل استقبال ويضم الصيد الثمين لإنجاح العملية. السؤال: لماذا لم يبدأ الفيلم تقديمه لدبي بوصول كروز إلى مطار دبي الذي يمثل تحفة يصعب أن تجد نظيره في دول غربية بالغة التقدم؟ رغم أن هذا هو المنطقي. أو باستقلال فريق المهمة المستحيلة مترو أنفاق دبي للنزول في محطة برج خليفة؟ صحيح أن الفيلم يجب ألا يتحول إلى دعاية لدبي لكن من الصحيح أيضا ألا يتحول إلى إساءة لها ولما تمثله من كونها مدينة عربية إسلامية تمثل

المواطن العربي في مختلف الأقطار العربية.
وعلى ذلك ومن باب التناول المعقول.. فليس هناك غبار على ما عرض له الفيلم ضمنا أو صراحة من أنها تعد مدينة مافيا السلاح وغيرها وهو ما يعكسه وجود الفريق المستهدف مطاردته وتاجر السلاح الهندي .. بغض النظر عما إذا كان ذلك ينتقص من دبي أم لا .. فهي مدينة كوزموبوليتانية .. على غرار لندن ونيويورك .. ومن الطبيعي أن تكون مقرا لحركة كل الأطياف من البشر بمن فيهم المجرمون.
ليس من المبالغة التأكيد على أن مدينة مثل دبي حققت ما يمكن وصفه بكبسولة العمران لابن خلدون بالانتقال من البداوة إلى العمران وهو أمر تم في أقل من عقدين، صحيح أن ذلك حمل بعض أمراض الانتقال إلى الحداثة وهي كثيرة على نحو ما رصدها بشكل رائع عبد الرحمن منيف في تحولات موران في مدن الملح ـ والذي كان يشير إلى تطور السعودية من خلالها ـ غير أن العقل الغربي يرفض أن يرى الصورة كاملة ويصر على رؤيتها على ذات النحو الذي كان يراها بها أسلافه منذ عقود .. فالعربي مهما تقدم.. متخلف ولا يمكن أن يعيش في دائرة الحداثة.
أعلم أن هذه الرؤية قد لا تلقى القبول لدى البعض باعتبار أنها تعبر عن التهمة التقليدية التي طالما واجه بها أصحاب الاستشراق العرب بأنها تعبر عن عقدة النقص تجاه كل ما هو غربي بشأنهم .. غير أنه ما قد يعززها مراجعة سريعة للأعمال السينمائية التي تتناول دولا أخرى بعيدا عن مدينة دبي وعلى رأسها مصر حيث إن معظم الأعمال الغربية ـ وأذكر منها فيلم العقرب مثلا ـ تحرص على تقديم مصر الصحراوية بشكل لا يجعلك تستغرب أبعاد تصور السائح الغربي للدول  العربية من أنها لا تتجاوز صحراء وجملا وامرأة ذات يشمك وخيمة في الطريق.
وإذا كان من البديهي التساؤل حول أبعاد قبول القائمين في دبي على تصويرهم بهذه الصورة.. فالإجابة قد تبدو بسيطة لمن يعرف كيف تفكر دبي: إنه السباق نحو اللحاق بقطار التميز.. وما برج خليفة موضع تصوير الفيلم سوى نموذج بسيط لذلك.
[email protected]