رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

صناعة الكراهية في العلاقات المصرية – المصرية

عنوان هذا المقال جاء من وحي كتاب كنت قد قرأته لأستاذي الدكتور أحمد يوسف أحمد، صدر تحت عنوان «صناعة الكراهية في العلاقات العربية الأمريكية» بالاشتراك مع الدكتورة نيفين مسعد. وقد فكرت في اللحظة الأخيرة لكتابة هذه السطور في تغيير العنوان لآخر قد يكون أكثر مناسبة وهو «ربنا يحرق قلوبكم على ولادكم» غير أني عدلت عنه لأنه بدا لي بالغ القسوة وإن كان الأكثر تعبيرا عما أود قوله.

حتى لحظة قراءة هذا الكتاب – 2001 تقريبا – كنت أتصور أن مشاعر الحب والكراهية بين الشعوب والجماعات تنطلق من أسس طبيعية نتاج مسار العلاقات وما إذا كانت تصادمية أم منسجمة – يمكنك اعتبار ذلك سذاجة أو حسن نية مبالغ فيه – غير أني بعد قراءة الكتاب أدركت أن هناك عوامل تتدخل لتعزز هذه المشاعر إلى حد الصناعة.
عاودتني هذه الخواطر بشأن الكتاب المشار إليه لدى على وقع الحالة المصرية التي نحياها الآن.. وإذا كانت صناعة الكراهية بين الشعوب أمر قد يكون مستساغا ويمكن تسويقه سياسيا بل قد يكون مطلوبا في منظور البعض، فإن صناعة الكراهية بين أبناء الشعب الواحد تبدو عملية مقيتة وتعبر عن حماقة ينبغي أن يكون لنا معها وقفة مع النفس.
يكفيك جولة سريعة في متابعة ما ينشر ويذاع سواء من خلال وسائل الإعلام التقليدية مثل الفضائيات أو الصحف أو غير التقليدية مثل الفيس بوك وتويتر لتدرك حجم الهوة السحيقة التي ننزلق إليها دون أن ندري ولا شك أنها ستترك مرارات وحزازيات قد يصعب تجاوزها وتعد في تقديري من الأسباب التي تمثل جذورا يمكن البناء عليها بمرور الأيام لتكوين فرق وفصائل وطوائف يتولد لدى أصحابها شعور بالاختلاف والتمايز السلبي على نحو قد يكون نتيجته مسعى الانفصال عن الوطن.. إن لم يكن الفعلي فعلى الأقل النفسي. ليس في الأمر مبالغة كما قد يتصور البعض والإمعان في قراءة تاريخ التحولات الاجتماعية سواء لدينا أو لدى غيرنا.. في الشرق أم الغرب يمكن أن يؤكد لك ذلك.
وفي سياق الفكرة التي أود الإشارة إليها أذكر أن مصريا – يبدو من توجهاته أنه إخواني وهذا حقه الذي لا غبار عليه – انقطعت الكهرباء عن منطقته وكان ابنه في المصعد في تلك الفترة فأخذ يصرخ طالبا الإنقاذ. ورغم قسوة تلك اللحظة على الأب والابن إلا أن ذلك ليس مبررا بأي حال من الأحوال للدعوة على المسئولين عن قطع الكهرباء بالدعاء «حسبي الله عليكم.. ربنا يحرق قلوبكم على ولادكم».. باعتبار أن هؤلاء – ربما يكونون حسب تفكيره - من زبانية النظام الجديد بعد 30 يونية العدو اللدود للإخوان والذي أطاح بحكمهم.. حادث انقطاع الكهرباء لا يمكن تحميله بكل تلك الدلالات وهو يتم في كافة الدول وتم وبشكل متواصل خلال حكم مرسي وفي الأيام الأخيرة لنظام حكم مبارك وهو يشير في جانب منه إلى سفاهتنا وتبذيرنا وليس فقط إلى سوء النظام.
وإن تعجب فعجب ما ذهبت إليه تلك الصحيفة في نشرها لحادث انقلاب سيارة تابعة لقسم شرطة مدينة الشيخ زايد وبها 17 من أمناء وأفراد القسم خلال توجههم لواجب عزاء أحد الضباط توفي أبناؤه الأربعة خنقا بالغاز. ولغة الخبر تنطق بالشماتة في الوفاة من الضابط الذي تنسب له الصحيفة مشاركته في ما وصفته بمجزرة المطرية

في يناير الماضي، واعتبار ذلك رغم أنه حادث يمكن أن يواجهه أي مصري نوعاً من الانتقام الإلهي من الضابط.
على المنوال ذاته ولكن في الجانب المقابل وفي إطار ما يمكن أن يندرج في إطار صناعة الكراهية نقرأ للكاتب والروائي يوسف القعيد في حديث مع الأهرام توصيفه للسلفيين بأنهم أخطر من الإخوان! كيف؟ لا ندري! وإذا كان يمكن قبول رأيه الذي قدمه من قبل بأن الإخوان لا يحبون مصر باعتبار أننا في مرحلة «البقرة التي كثرت سكاكينها» ويمكن أن نقبل فيها إلصاق أي نقيصة بالجماعة، فإن العجب في أن تمتد الاتهامات المرسلة للتيار السلفي – ليس في ذلك دفاعا عن هذا التيار أو غيره وإنما دفاع عن مبدأ – بأنه يمثل خطرا داهما على مصر. وإذا وضعنا في الاعتبار أن التيار السلفي بالإضافة إلى التيار الإخواني يمثلون نسبة غير محدودة من عدد السكان في مصر يمكن لنا أن نتصور حجم الصور السلبية التي تغرسها رؤى القعيد في الوعي المصري وتزيد من حالة الاحتقان وزيادة مشاعر البغض بين أبناء الشعب الواحد.
وإذا كانت آراء القعيد تدخل في سياق الفكر الذي لا يمكن لأحد الحجر عليه رغم تحفظك عليه فبماذا يمكن أن نصف ذلك الإجراء الذي قامت به محافظة أسيوط، حيث قررت تأميم 7 مدارس إخوانية وتغيير أسمائها إلى مدارس 30 يونية في خطوة لا يمكن وصفها سوى بأنها تستهدف إذلال الخصم السياسي والتنكيل به وزرع بذور للكراهية معه ومع من يمثله. المصادرة ذاتها رغم أنها خطوة قد يسود الخلاف بشأنها إلا أنه يمكن في أسوأ الفروض الدفاع عنها.. أما التسمية فتبدو فاقعة.. فقد كان من الممكن تسمية المدارس بأي اسم آخر.. لو أن النوايا خالصة.
ليس المجال للسخرية على غرار ما فعله باسم يوسف من تصريحات رئيس الوزراء إبراهيم محلب حين راح الأخير يشير إلى أن الحب ضاع بيننا.. ولكن قد يتطلب الأمر العمل على مزيد من غرس التوافق.. إذا كان الحب يبدو أمراً صعباً فرضه.. فبالانسجام المجتمعي وحده تشفى الأمم من إمراضها وتبدأ خطواتها نحو التقدم.. أما صناعة الكراهية فلن ينتج عنها سوى مجتمع مريض مكانه في مؤخرة الأمم!!

[email protected]