رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

هل «البشري» إخواني؟

كانت تلك المرة الأولى التي أجلس فيها مع محدثي صاحب السؤال .. كنت أستقبله في مكتبي لأمر خاص ... عندما لمح على المكتب كتاباً للمستشار طارق البشري راح يسألني: هل البشري إخواني؟  فاجأني السؤال كان خلف ظهره ضمن الكتب الموجودة على أرفف المكتبة بالصدفة مجموعة كتب أخرى للبشري منها كتاب حول الملامح العامة للفكر السياسي الإسلامي وآخر حول ثورة يوليو والديمقراطية وثالث حول الدولة والكنيسة.

تريثت في الإجابة، فقد كان اللقاء في اليوم الذي نشرت فيه الصحف خبر إصدار مجلس الوزراء قرارا باعتبار الجماعة تنظيماً إرهابياً ومتابعة أعضائها جنائيا.  إن الإجابة بالإيجاب قد تعني ضمن ما تعني  أن الرجل – البشري– قد يقع افتراضيا ضمن دائرة من يجب القبض عليهم والسجن خمس سنوات على غرار ما أشار إليه الكاتب الصحفي حمدي رزق في مقال له الجمعة الماضية بجريدة «المصري اليوم» حول وضعية فهمي هويدي.
هممت بأن أسأل ضيفي: وهل الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل «سيساوي» أو ينتمي إلى السيسي بحكم آرائه التي يتحدث عنها بشكل نزيه عن السيسي؟ غير أني رأيت أن أربأ بهاتين القامتين عن هذا الهزل العقيم في المناقشة التي أصبحت تختزل المرء بكل تاريخه في تصنيف ضيق.
شعرت بأني في موضع الشهادة والتي لا يجب كتمانها.. رحت أشرح للرجل كيف أن البشري من المفكرين الإسلاميين الكبار الذين لو وجد منهم عشرة لتغير حالنا كثيرا .. لم أجد أمامي سوى التأكيد على بديهية أن البشري مسلم، وأنه إذا كان كل إخواني مسلم، فإنه وبلغة المناطقة، ليس كل مسلم إخواني.
لم أجد سوى أن أطلب من محدثي أن ينظر خلفه ليلمح الكتب أو يقرأ أسماءها عله يتوصل بنفسه إلى إجابة. إن البشري صاحب الكتاب المرجع «العمدة» في الحديث عن العلاقة بين الأقباط والمسلمين في إطار الجماعة الوطنية والذي عمل من خلاله على إبراز التعاون الداخلي بين الأقباط والمسلمين في الحركة الوطنية المناصرة للاستعمار التي وصلت إلى ثورة 1919.
وعن طبيعة علاقته بالإخوان فقد كان الرجل رأس حربة – بدون قصد طبعا وإنما انحيازا لما رآه هو الحقيقة – ضد أحد مشاريعهم الأساسية خلال حكم مرسي وهو ما كتبه حول تنمية قناة السويس والذي اعتمد عليه الجميع في التشكيك في طبيعة المشروع على أساس أن من انتقده رجل نزيه وبالغ الحيادية.
صحيح أن الرجل كان أحد الذين شهدت حياتهم الفكرية مرحلة تحول من الاشتراكية إلى نوع من الرؤية الإسلامية تعتمد ما درج على تسميته بالإسلام السياسي – وهو الأساس الذي ربما يستند إليه من يتصورون عن الرجل هذا الأمر – إلا أنه في ذلك ليس نسيجاً وحده .. فذلك أمر- التحول الفكري - لم ينج منه،  إذا صح التوصيف، كبار مفكرينا الذين انتهت بهم رحلتهم الفكرية إلى الانتصار للإسلام .. بدأ ذلك مع محمد حسين – وليس حسنين – هيكل، مرورا بطه حسين ، والعقاد وزكي نجيب محمود وعادل حسين وعبد الوهاب المسيري ومحمد عمارة وفهمي هويدي .. وغيرهم كثير, وهي الظاهرة التي ربما تستحق التوقف عندها

كثيرا.
رحت أشير لمحدثي إلى ما قرأته في كتاب أو كراسة أصدرتها مكتبة الإسكندرية حول البشري ورحلته الفكرية في مسار الانتقال من الناصرية إلى الإسلام السياسي ورحت أقرأ له من الكراسة هذه العبارة التي قالتها منى الشاذلي في مقابلتها التي أجرتها معه : «أعظم إنجاز لكم أنكم على الأقل حافظتم على أنفسكم. لم تفسدوا، لم تتلونوا وبقيتم على الجمر لسنوات طويلة». وقد عقبت كاتبة الكراسة بالقول: «إنه لن يجرؤ حتى أشد منتقدي البشري على الاختلاف مع فكرة أن القاضي والمفكر الذي يتمتع باحترام واسع ظل في الوقت نفسه بعيدا عن الفساد وملتزما بشدة بالإصلاح السياسي والتنمية الوطنية على مدى عقود».
هوامش الكراسة تشير إلى أن البشري مثل على مدى عشر سنوات تقريبا مصدر إلهام وتوجيه لمجموعة من الأعضاء الذين انشقوا عن الإخوان المسلمين وأسسوا حركة سياسية باسم «الوسط» بما قد يعني بشكل غير مباشر أنه غير إخواني، كما أنه لعب دورا أكثر وضوحا في الحركة المصرية من أجل التغيير «كفاية» في عام 2005 لحد أن وضعت الحركة اسمه كبديل إجماع وطني لمبارك في رئاسة مصر.
على المستوى الشخصي لم يسعدني الحظ باللقاء مع المستشار البشري وإن كانت لي محادثات هاتفية معه من بينها تلك التي تمت حينما طلبت منه كتابة مقدمة لكتاب كنت أشرف على تحريره عن المرحوم الصديق النبيل الصحفي عادل القاضي والأخرى حين راح يوضح لي بعض النقاط بعد مراجعتي الصحفية لكتابه حول الدولة والكنيسة والذي نشر في صحيفة الوفد. الانطباع الذي تولد لدي – ولا شك لدى كل من تعاملوا معه –  أنه هادئ الطباع دمث الخلق عميق الفكر، لا تملك إلا أن تحترمه اختلفت أو اتفقت معه. 
ظهرت على ضيفي علامات الدهشة والحيرة .. فأدركت ما نعيشه من حالة فكرية منغلقة تتمحور حول رؤى بالغة الضيق نسجن أنفسنا فيها ولا نود الانعتاق منها.. رؤى تكشف حدود  الطبيعة الاستقطابية في العقلية التي نتعاطى بها مع  الأشياء في مصرنا في الوقت الحاضر، وهى رؤية مهلكة لو تعلمون!

[email protected]