رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

«الببلاوي» بين النظرية والتطبيق

مصطلح «النظرية والتطبيق» من أكثر المصطلحات استخداما في الدراسات الأكاديمية وهو يشير إلى محاولة دراسة أو تحديد مدى الاختلاف أو الاتفاق ما بين نظرية أو مبدأ أو فكرة ما وتطبيقها على أرض الواقع لتحديد مدى عمليتها وصلاحيتها. والفكرة الصالحة للتطبيق هي الأكثر عملية والتي يجب الإمساك بتلابيبها أما تلك التي يثبت عدم صلاحيتها فيجب صرف النظر عنها والإبقاء عليها طي الكتمان. ومن أكثر النظريات شهرة التي تكشف عدم صلاحيتها لتطبيق النظرية الشيوعية في الصيغة التي قدمها ماركس وتقوم على أساس من كل حسب مقدرته لكل حسب حاجته ، ومن أكثر تلك التي ثبت توافقها مع التطبيق مبدأ المصلحة في إدارة العلاقات مع الغير سواء على مستوى الدولة أو الفرد.

يعتبر الدكتور الببلاوي من أكثر الناس دراية بهذه الجوانب وغيرها باعتباره رجلاً أكاديمياً من الطراز الأول قدم العديد من الإسهامات في مجال الدراسات الاقتصادية التي أكسبته شهرة في المجتمع بالشكل الذي انتهى به لرئاسة مجلس الوزراء. غير أن هذه النقلة في حياة الرجل وفي ضوء ما تم من حصاد مبدئي على مدى الشهور الماضية منذ توليه الحكم تفرض علينا النظر إليه من «فاحص» لمدى صحة النظريات والدراسات الاقتصادية إلى «مفحوص» وقياس مدى صحة فرضية أنه أفضل من يتولى هذا المنصب وفي هذه المرحلة من تاريخ مصر.
إن قراءة متأنية أو حتى سريعة في إدارة الببلاوي للأمور كرئيس وزراء مصر تشير إلى أنه ليس بالضرورة أن يخوض المتخصص الأكاديمي قيادة الحقل الذي يدرسه.. فليس كل عالم سياسة يصلح أن يكون رئيس جمهورية .. وليس كل أستاذ اقتصاد يصلح أن يكون رئيسا للوزراء، وليس كل خبير عسكري يصلح أن يكون وزيرا للدفاع وليس كل طبيب يصلح أن يكون وزيرا للصحة. إن لم يكن على العكس، فالأكاديميون والمثقفون والمفكرون ينطلقون في كثير من الأحيان من رؤى طوباوية تتصادم في كثير من الأحيان مع الواقع بشكل يعزز ضرورة استبعادهم من المناصب التنفيذية، ليس لترك المجال للجهلة بالطبع وإنما للتكنوقراط.
لقد قاد ريجان أمريكا في فترة مهمة من تاريخها وترك بصمته رغم أنه لم يكن سوى ممثل.. في حين لم يلعب مفكر مثل صموئيل هنتنجتون صاحب نظرية صدام الحضارات أي دور مباشر في صنع القرار الأمريكي رغم أن رؤاه هي التي كانت تحرك السياسة الأمريكية خلال المرحلة الأخيرة من حياته ومن المتصور أنه لو أنه هو ذاته الذي حاول تحقيقها لكانت النتيجة أقل إيجابية أو أكثر سوءا!
هل المشكلة في الببلاوي أم طبيعة المنصب أم الظروف التي تحيط بهذا المنصب في هذا التوقيت العصيب من تاريخ مصر؟ يمكن استيعاب هذه التساؤلات بالنظر إلى أداء رؤساء الوزراء الذين تولوا هذه المهمة بعد ثورة 25 يناير وإنصب عليهم غضب الجماهير.. وخرج بعضهم - وفق التعبير الدارج - بـ«زفة». رغم كل الاختلافات ما بين نظام مرسي  الذي لم يحظ بترحيب شعبي وتم لفظه من قبل مؤسسات الدولة،  وبين النظام القائم حاليا الذي يحظى بحالة قبول عام غير مسبوقة، بغض النظر عن الأسباب في الحالتين، فإن هناك عامل تشابه أساسياً هو أداء رئيس الوزراء.. الببلاوي لم يفرق كثيرا عن هشام قنديل .. رغم أن الفروق الفردية والأكاديمية والحياتية كان لها أن

تفرض حضورها.
رغم أنني أنتظر كتابا جديدا من الببلاوي يصف فيه فترة بقائه في الحكم على غرار كتابه السابق: «أربعة أشهر في قفص الحكومة» الذي قدمه عن فترة وجوده في حكومة شرف.. أتساءل بيني وبين نفسي ماذا يمكن أن يقول الرجل؟ وهل سيكون مقتنعا بما يقول فيما يمكن اعتباره تبريرا للفشل أو بتعبير أخف عدم الإنجاز؟ وهل وقع في ذات الفخ الذي رأى أن حكومة شرف وقعت فيه حين أكد أن «نعمة خروج هذه الحكومة - حكومة شرف - من وسط ميدان التحرير قد تحولت إلى نقمة فأصبح الشاغل الأكبر للحكومة هو الاستجابة لطلبات الشارع أكثر منه قيادة هذا الشارع» فلم يفلح هو نفسه في الخروج من أسر هذه النعمة – النقمة؟
في متابعة تصريحات ومواقف ونتاج سياسات الببلاوي يمكن القول إننا نفتقد ما يمكن وصفه بـ«اللمعة» التي كنا ننتظرها من شخصية بحجمه في هذا المنصب الهام والخطير. صحيح أن هناك عقبات وأن المصريين يعيشون حالة انتقام ذاتي من أنفسهم .. وأن .. وأن .. غير أن هذا هو دور القائد أو المسئول أن يلم شتات الجماهير في اللحظات الحالكة من التاريخ. قد يقول البعض إن أربعة شهور ليست ذات قيمة في ظروف بلد مثل مصر بكل مشاكلها من عنف وانفلات أصبحا السمة الأساسية لحالة الشارع ومن مقاومة ما يسمى بالدولة العميقة .. وهذا صحيح ولكن من حقنا أيضا أن نرى ما يوصف بضوء في نهاية النفق.. والمشكلة أننا لانرى سوى ظلام يحيط بنا.
يجعلني تعاطفي مع الرجل أتساءل أحيانا : لماذا لا يستقيل؟. أطرد من ذهني على الفور فكرة إغراء الكرسي فقد فعلها من قبل؟ أشعر بتعاطف أكثر معه وأقول هل هي محاولة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه؟ وأن الأمور كان من الممكن أن تكون أسوأ لو لم يكن هو على رأس الكرسي؟ ولا أجد أمامي في النهاية سوى أن أعترف بأن حالة متناقضة من المشاعر تحكمني إزاءه ما بين التقدير لشخص لا تملك سوى احترامه، والنقمة على أداء لا تملك سوى التعبير عن سخطك لسوئه؟ كيف يمكن التوفيق بين الشعورين؟ أصارحك بأنني لا أدري.

[email protected]